هل تخرج العودة العربية إلى دمشق – إيران من سورية ؟.. بقلم: سعد الله الخليل

هل تخرج العودة العربية إلى دمشق – إيران من سورية ؟.. بقلم: سعد الله الخليل

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢ يناير ٢٠١٩

إعادة السلطات الإماراتية افتتاح سفارتها في العاصمة السورية دمشق بعد أيام من تسريبات بالبدء بأعمال الصيانة بمبنى السفارة من دون أيّ إعلان رسمي مسبق، مكتفية بالتسريبات الإعلامية قبل ساعات من الافتتاح، طرحت العديد من التساؤلات خاصة أنّ الحضور الرسمي السوري اقتصر على مدير المراسم في الخارجية السورية حمزة دواليبي، الذي اعتبر الحدث فاتحة خير بالنسبة للدول العربية، معرباً عن تمنياته أن تحذو الدول العربية كافة حذو الإمارات وسط تسريبات بأنّ دولاً عربية عدّة تحضر للعودة إلى دمشق.
لا يمكن فصل افتتاح السفارات عن السياق السياسي والعسكري لمسارات المتغيّرات في المشهد السوري، كما كان إغلاقها ضمن سياقات إحكام الحرب على سورية من البوابة الدبلوماسية، كمقدمة للتدخل في معركة عسكرية بأشكال متعددة منذ 2012، وبالتالي تزامنت العودة الإماراتية مع فرض الجيش السوري وحلفائه السيطرة على القسم الأكبر من الأراضي السورية، فيما تستعدّ القوات الأميركية للمغادرة، وآخرها دخول الجيش السوري مدينة منبج، فيما الأجواء السياسية في المنطقة لا تقلّ حرارة عن التطورات العسكرية.
كشفت الخطوة الإماراتية جزءاً مما هو خفي عبر التصريحات العلنية المطالبة بعودة سورية إلى الجامعة العربية، وهو ما يتطلب إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، فيما أثارت جملة التغيّرات السعودية تساؤلات عدة، خاصة أنها طالت وزير الخارجية عادل الجبير صاحب مقولة «على الأسد الرحيل سواء بالطرق السياسية أو العسكرية»، ليحلّ محله إبراهيم العساف رئيس اللجنة السعودية السورية المشتركة، فعلى فرض اعتبار التزامن محض صدفة لا ينمّ عن توافقات لشريكين على أكثر من جبهة، فإنّ الصدفة لا بدّ أن تؤسّس لتغيّر في السلوك السعودي تجاه سورية، خاصة أنّ مسارات المواجهة السعودية مع إيران تتطلّب التغيّر بعد الفشل العسكري في اليمن، وبات من الضروري الدخول السياسي إلى سورية بعد الفشل العسكري في جبهة جديدة لمواجهة إيران في المنطقة. فعودة الحرارة السعودية والعربية مع سورية من وجهة النظر الخليجية تخرج دمشق من التحالف السوري الإيراني الروسي، وربما قرأت موسكو تلك الأفكار ليأتي ردّ نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، بأنّ القوات الإيرانية والموالية لها ستنسحب من سورية بعد إعادة وحدة أراضيها. وهو تصريح يريح المملكة في الشكل، لكنه في المضمون لا يتعارض مع المسار العسكري، الذي يفترض خروج القوات الإيرانية والروسية بالتزامن مع فرض الدولة سيطرتها على الجغرافيا السورية، حيث أعلنت موسكو أكثر من مرة عن خفض عديد قواتها في سورية وعودتها إلى روسيا، والتصريحات الإيرانية لا تخرج عن هذا السياق عبر التأكيد بأنّ الوجود الإيراني سيستمرّ في الحدود الاستشارية المتفق عليها مع دمشق.
عودة السفارة الإماراتية وإنْ مرّت بالحدّ الأدنى من العراقيل سياسياً ولوجستياً، وقرئت في سياق عودة العرب لمسار التضامن العربي لما تمثله سورية من موقع عروبي متقدّم، فإنّ الشارع السوري شهد موجة سجال بين رافض لعودة سريعة ومحو تبعات سنوات التورّط العربي في الحرب على سورية، وفاتورة الدم المرتفعة التي سقطت بتمويل وتسليح الدول العربية وعلى رأسها الإمارات، وبين موافق يرى بأنّ السياسة لا تحتمل العداوة الدائمة ولا الصداقة وأنّ فن الممكن يتطلب فتح صفحة جديدة مع العرب انطلاقاً من إيمانها بالعروبة.
بين الرفض والتأييد، وبالرغم من منطقية مبرّرات الطرفين ثمة حقائق لا يجوز تجاهلها. فالنصر العسكري لا يمكن أن يبقى دون استثمار سياسي يرسخ حقيقة سورية المنتصرة العصية عن الانكسار، وأوّل بوادر الاستثمار عودة السفارات. فمن يتوقع خروج سورية المنتصرة عن مسارها العربي، يقدّم خدمة مجانية لمشروع الحرب على سورية الذي يشكل كسر عروبة سورية أحد أبرز معالمه، كما أنّ دماء شهداء سورية في فكر القيادة السورية، ليست بوارد التفاوض عليها ولا تقاس بعودة العلاقات العربية. فجوهر القضية التي قدّم الشهداء دماءهم لها يتمثل ببقاء سورية القوية لا سورية المنعزلة عن محيطها العربي. وبالتالي الثأر لدماء الشهداء من الدول والأنظمة العربية له حسابات أخرى من الأفضل لها أن تعود العلاقات السياسية والدبلوماسية بعيداً عن طروحات المغالين المطالبين بمواجهة العرب ومعاقبة العروبة، كأبرز نتائج الحرب على سورية. فسورية قلعة المقاومة كانت وستبقى ولن تسمح لأيّ تسوية بإخراجها من عروبتها رغم أخطاء العرب، ولطالما صرّحت القيادة السورية بأنّ أخطاء سياسات القادة والحكومات العربية لن تدفع سورية للكفر بالعروبة، ولن تسمح بزجّها، حيث يريد أعداؤها بمحاور بعيدة عن توجهها القومي والعربي، رغم انتمائها لمحور المقاومة الممتدّ من روسيا إلى طهران مروراً بدمشق وبغداد.
البناء