عودة أربيل.. بقلم: أنس وهيب الكردي

عودة أربيل.. بقلم: أنس وهيب الكردي

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٨ يناير ٢٠١٩

على الأرجح أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يكن ليعلم أن قراره الانسحاب من سورية، سيعيد أربيل ‏إلى بؤرة النشاط الإقليمي والدولي حول الشرق الأوسط؛ إذ على حين تتعقد المناورات الدولية والإقليمية ‏حول مصير الشرق السوري، يتحرك مركز الثقل الإقليمي إلى إقليم شمالي العراق، حيث يفرك زعيم ‏الحزب الديمقراطي الكردستاتي مسعود بارزاني، يديه من الفرح، وهو يرى تتدافع الوفود على مكتبه ‏محملين بالعروض المغرية للإقليم.
سيحول الانسحاب الأميركي المخطط من شرق سورية إلى غربي وشمالي العراق، إقليم كردستان العراق ‏إلى القاعدة الأساسية للوجود الأميركي في الهلال الخصيب، ما يعزز أدوار الإقليم، ويخرجه من عثرة ‏الاستفتاء التي حطمت أحلام بارزاني بالانفكاك عن بغداد. من جهة أخرى، تشير خطط الانسحاب إلى ‏توجه إدارة الرئيس دونالد ترامب، إلى إرخاء علاقاتها مع مليشيات «وحدات حماية الشعب» الكردية، استجابةً ‏للضغوط التركية، الأمر الذي من شأنه أن يصب في مصلحة منافسها السوري «مجلس الوطني الكردي» ‏المقرب من الحزب الديمقراطي الكردستاني. بهذا تتعزز مواقع الحزب داخل الساحة الكردية الإقليمية. ‏ولقد سبق للبارزاني أن انفرد بين القوى الكردية بعلاقاتها الوثيقة بالأميركيين، وتأثرت علاقاته بهم بعد ‏اكتشافهم لـ«وحدات حماية الشعب»، والانسحاب الأميركي يعيد لبارزاني مكانته الأولى كحليف واشنطن ‏الأول على الساحة الكردية الإقليمية.
بدورها، تعول القوى الإقليمية المنخرطة في «التحالف الدولي ضد تنظيم داعش»، أيما تعويل على توسيع ‏دور أربيل في المنطقة بعد الانسحاب الأميركي من شرقي سورية. ولقد أعدت مصر والإمارات بدعم ‏سعودي، مقترحاً لانتشار قوات مختلطة من ميليشيا «النخبة» التابعة لرئيس «تيار الغد» أحمد الجربا ‏وميليشيا «البيشمركة السورية» التابعة لـ«المجلس الوطني الكردي»، التي تلقت تدريباتها في كردستان ‏العراق على يد مدربين من قوات البيشمركة في الإقليم، على طول الحدود التركية السورية بعد الانسحاب ‏الأميركي من سورية، وأن تكون مدعومة بمستشارين من قوات دول التحالف المتبقية بعد الانسحاب ‏الأميركي، وربما في ذهن تلك القوى الإقليمية أن تنتشر تلك القوات المختلطة على الحدود السورية ‏العراقية. ‏
حتى الآن، لم يبد الأتراك أدنى تقبل، لهذا المقترح الذي يستهدف، بنظرهم، المحافظة على بقاء ميليشيا ‏‏«حماية الشعب» التي تعتبره أنقرة بمنزلة فرع سوري لـ«حزب العمال الكردستاني» المحظور في ‏تركيا. الرفض التركي ينبع من أن المقترح يمهد الطريق أمام نشوء «إقليم كردستاني» جديد هذه المرة على ‏الأرض السورية، يديره أحد فروع «حزب العمال الكردستاني». على الرغم من مخاوفهم حيال نشوء كيان ‏جديد في شرقي سورية، إلا أن الأتراك يعلمون أن تنقلاتهم العسكرية في شمالي سورية، التي قد ينفذونها في ‏الأشهر المقبلة، بهدف تحريك الجمود في العلمية التفاوضية مع واشنطن وموسكو، غير واردة من دون ‏تفاهم مسبق مع إقليم شمالي العراق وحليفه السوري «المجلس الوطني الكردي».
المفاوضات الأميركية التركية حول مصير شرقي سورية، ستكون شديدة التعقيد، وستطرق إلى مسائل: ‏القواعد الأميركية بعد الانسحاب، عديد وحدات حماية الشعب، تسليحها، مناطق انتشارها، تحالفاتها مع ‏القوى الموجودة في المنطقة. ولعل المسألة الأولى والأساسية هي: مصير المسلحين الأتراك الذين يقاتلون ‏ضمن «وحدات حماية الشعب»، الذين سبق أن «نزلوا» من جبال قنديل في شمال العراق من أجل ‏مؤازرة «إخوانهم» لصدّ هجمات المسلحين، ولاحقاً الدواعش. وضمن السيناريوهات كافة، سيكون على ‏هؤلاء المقاتلين العودة إلى «قنديل»، الأمر الذي يعيد إقليم كردستان العراق إلى الواجهة في المفاوضات ‏الأميركية التركية.
أخيراً، فإن تعزز موقع بارزاني، وحزبه، على الصعيد الإقليمي، سيترك آثاره على العلاقة الحساسة بين ‏أربيل وبغداد.
ستتكشف الأيام والأسابيع المقبلة عن المزيد من المشاهد التي تبرز عودة إقليم كردستان العراق إلى اللعبة ‏الإقليمية، وبقليل من المناورة يمكن لبارزاني أن يبوئ الإقليم مكانة بارزة في تنظيم واقع ما بعد الانسحاب ‏الأميركي من شرقي سورية. إذا حصل ذلك، فيمكن القول: إن كل الطرق تؤدي إلى أربيل، على الأقل، في هذا ‏العام 2019.