سيناريوهات “استرخاء مفخّخ” مخصصة للاستهلاك في الداخل السوري..ومسؤوليات شعبية في لعبة عضّ الأصابع..

سيناريوهات “استرخاء مفخّخ” مخصصة للاستهلاك في الداخل السوري..ومسؤوليات شعبية في لعبة عضّ الأصابع..

تحليل وآراء

الاثنين، ١١ فبراير ٢٠١٩

أسواق
 
يبدو أن مازال في السيرة المؤلمة بقيّة.. فطقوس الحرب ليست مجرّد سجالات سياسية ومواجهة عسكرية، وإن كانت الكلمة الفصل للمنتصر في هذين المضمارين الصعبين.. فثمة حقائق ووقائع تؤكّد أننا انتصرنا في الجولة الأصعب، لكن لنعد إلى التموضع القديم في حربنا الطويلة والمزمنة مع ذات الأدوات.. حرب الاقتصاد وسباق التحمّل المعروف بمسافاته الطويلة والمديدة.
 
انتصرت الدولة السورية سياسياً وعسكرياً.. انتصر الشعب السوري وجيشه وقائده.. ولأنه شعب منتصر كان لا بد من عقوبة وثمن وفاتورة أخرى ، هذا هو منطق “القرصنة” الأمريكية .. إما دمار أو حصار أو الاثنان معاً.
 
لم يكن وهماً، بل حقّاً أن يستعجل المواطن السوري ملامح الانفراج، وأن تطير مخيلته إلى فضاءات السلام والوئام والنماء والبحبوحة، بعد ثماني سنوات من القراع مع الألم والوجع، والمنافحة عن السيادة والكرامة الوطنية.. سنوات الصبر ثم النصر، 
فالمؤشرات المتدفقة من كل حدب وصوب، في الداخل والخارج، وعلى المستوى التنموي المحلي أو السياسي والعسكري، هي من أوحى بنهايات الحرب، الحرب ذاتها التي أنتجت أزمة مواطن وبلد، فكان الاستنتاج أن أزمتنا دخلت حيز الماضي، أي باتت حدثاً طازجاً في سجل التاريخ، هكذا التقط مواطننا إشارات النصر، فالتلميح أبلغ من التصريح أحياناً.
 
وعلينا ألّا نستبعد بتاتاً أن يكون ” سيناريو الاسترخاء” قد أُعدّ بعناية فائقة من قبل مراكز الاستشارات السريعة في أروقة الإدارة الأمريكية، لتكون الصدمة كبيرة والمساحة بين الفعل وردّات الفعل أكبر.. من إعلان انسحاب القوات الأمريكية من سورية، إلى “الإيعاز” بإعادة فتح السفارات والضجيج الإعلامي حول استعداد سفارات أوروبية للعودة إلى سورية، وصولاً إلى إشاعة نيّات ” مكثّفة” حول عودة شركات الطيران العالمية إلى دمشق.. هذا كلّه كان بعد التظاهر الأمريكي بالانكفاء، لتكون المفاجأة الصادمة بقرار العقوبات والحظر، واستنفار مفاصل قرار القرصنة الأمريكية لاستصدار قوانين حصار سورية، ومحاولات قطع – حتى الأوكسجين عن المواطن السوري – وإعادته إلى طقوس أكثر وطأةً وصعوبة من طقوس الحرب والمواجهة المباشرة مع الإرهاب.. إنها الجولة الجديدة أو الفصل الآخر من فصول الحرب “الشاملة” على سورية.
 
قد يكون هذا الفصل من الحصار أقسى من كل الفصول السابقة، منذ ثمانينيات القرن الماضي، لأن مواردنا غير معافاة على خلفيات الاستهداف المباشر، فالمنشآت الحيوية كانت في رأس قائمة بنك الأهداف الذي تم إعداده بعناية كإحداثيات واضحة لنشاط المجموعات الإرهابية، إلّا أن المواطن السوري متمرّس في التعاطي مع آثار الحصار الأمريكي والأوروبي، ونذكر أننا دخلنا حربنا مع الإرهاب على إيقاع سلسلة عقوبات، حرص الأمريكي في تطبيقها على سياسة الشد والرخي.
 
الآن نبدو أمام مسؤولية تبديد حالة الهلع من دواخلنا، نحن السوريين، لكن علينا أيضاً أن نبدّد جذوة الاسترخاء التي استحكمت ببعضنا، فسورية بلد غني بموارده، متنوع مصادر رزق أبنائه، وإن كان الحصار موجعاً، إلّا أن مكونات اقتصاد هذا البلد الصامد تجعله عصياً على سياسات “التجويع والتركيع”، فلنستنهض مواردنا وطبيعتنا السخية بالعطاء، وهي كثيرة وكثيرة جداً، ولننفض الغبار عن وسائل إنتاجنا المعطّلة، ولنعد إلى ” رشدنا الإنتاجي” كما كنا، بلداً يأكل مما يزرع، ويلبس مما يصنع.. لأن الزمن لم يعد زمن استعراض وبريستيج وترف، ولعلها فرصة لنعيد إنتاج مقدراتنا الاقتصادية من جديد، ونعود إلى عهد الفورات الإنتاجية التي حققنا بها علامات فارقة في هذا الإقليم من العالم.
 
بكل الأحوال.. لن يُواجَه الحصار بقرار أمريكي، إلّا بقرار شعبي سوري، فالشعب الذي انتصر على آلة الدمار قادر على الانتصار على آلة الحصار، والمقومات مُتاحة بين أيدينا عنوانها العريض ” زُرع وصُنع في سورية”.
 
المصدر: الخبير السوري