الجودة والاتقان.. بقلم: سامر يحيى

الجودة والاتقان.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٣ فبراير ٢٠١٩

تسلّم أحد المسؤولين منصباً في دولته، فأول خطوةٍ بدأها استغنى عن كل المنتج الأجنبي بمكتبه ومن ثم مؤسسته بخطّة ممنهجة ومدروسة، واستبدله بمنتج وطنيٍ صرف، بدءاً من الأثاث وصولاً للأقلام، مساهماً بفعالية بتشجيع المنتج الوطني، وجهود أبناء بلده.
ذكّرني ذلك بما يحزّ بنفسي عندما أدخل إلى محل لشراء مادة يتم تخييري بين الأجنبي الأصلي أو الامتياز بدلاً من الوطني، وكذلك الصيدلي يخيّر بين الأجنبي وسعره المرتفع، أو الامتياز، تحت شعار أنّه الأكثر فعالية وجودةً، وللأسف قد يكون صحيحاً بينما نحن نشتري المنتج الوطني لانخفاض سعره في غالب الأحيان، مما يتطلّب معالجةً جدية حقيقية لهذا الموضوع تقرن الأقوال بالأفعال، فمن الخطورة بمكان الدعاية لمقاطعة البضائع الأجنبية دون وجود البديل الوطني الجيّد، أو التنظير باقتناء الوطني بينما نفعل العكس، متجاهلين ضرورة الأخذ بأسباب النجاح.
من الطبيعي جداً أن استخدام المنتج الأجنبي على حساب الوطني قد يكون فيه شيء من نقص الإحساس بالمسؤولية الوطنية، وقد يكون ناتجاً عن طبيعة بشرية تؤمن بأن ما ينتجه الآخر أفضل مما تنتجه مؤسسات وطنه، رغم أنّ هذا الكلام ليس بالدقيق، وهنا يجب البحث عن الحل الذي ليس صعباً، فقط يحتاج القليل من الحكمة والإبداع والإتقان لتكامل الجوهر مع الشكل الجذاب لهذا المنتج الوطني، ووضع المُنتِج نصب عينيه المواطن المستهلك للمادة، بتشاركية وتفاعل بين التصميم والتصنيع والتسويق للوصول لمنتج وطني، قد أثبت جودته والطلب عليه في الكثير من الأحيان، لدرجة بات السوري مرغوباً هو ومنتجه في الكثير من دول العالم، حتى باتت تستغل الكثير من الدول مهارة السوري لتسويق منتجاتها وزيادة صادراتها، وهنا دور المؤسسات الحكومية الوطني التي تملك كل المقوّمات، فهي تملك المعطيات والمدخلات والبيانات والموارد البشرية والمادية، التي تؤهلها لوضع الدراسات الجدية الحقيقية للخروج بمنتجٍ وطني لا يضاهى بسعرٍ يكون بمتناول الجميع.
إن الحكومة باعتبارها المسؤولة عن إدارة موارد الوطن، قادرةً على الاستفادة من الموارد البشرية والمادية، من أجل استثمارها وإنتاج أفضل المواد بأقل الأسعار، ووقتها يمكن استيراد المواد التي يكون استيرادها أقل تكلفةً، وتحقق دورةً إنتاجيةً واستثماراً لكافّة قطاعات الوطن الصناعية والتجارية والزراعية والخدمية بآنٍ معاً، لتساهم في رفع مستوى الدخل الوطني.
إن اضطلاع القطاع العام بمسؤولياته الموكلة إليه، باستكمال مستلزماته من القطاع العام، بإعادة التدوير والاستثمار الأمثل لعملية التصميم والتصنيع والإنتاج، بما يساهم بدعم كامل مؤسسات الوطن، فقد ترى بعض المؤسسات أن الشراء من القطاع الخاص أو شراء المواد الأجنبية أقل تكلفة وأسرع من شراء المنتج من مؤسسات القطّاع العام، متجاهلين أنّ ربح المؤسسات أو خسارتها يصب في خزينة الدولة ربحاً أو خسارةً، وبالتالي فالمفترض أن تتفاعل جميع هذه المؤسسات، لتحقيق الربح للجميع، عبر تقديم كل مؤسسة مقترحاتها ورؤاها واحتياجاتها للمؤسسات الأخرى المتخصصة، بدلاً من التبرير بعدم التدخّل بالآخر، وكأنما كلٌ مستقل بذاته ولا تأثير له على مؤسسات الوطن، بدءا ًمن الاستفادة من عملية إعادة التدوير والصيانة وليسن انتهاءً بالمنتجات الاستهلاكية اليومية، وبذلك نحقق التفاعل والتكامل بين مؤسسات القطاع العام، ومن ثم نستكمل النواقص من القطاع الخاص الوطني، وتبقى الواردات للمواد التي تكون تكلفة استيرادها أقل عبئاً على المؤسسة من انتاجها أو يشكّل إنتاجها خطراً على البيئة والموارد الوطنية والتنمية المستدامة. وهذا التكامل سيجعل من العامل نفسه جزءاً أساسياً من التسويق للمنتج الوطني على مستوى اسرته ومنطقته وصولاً لأقربائه وأصدقائه في الجاليات المنتشرة بكلّ أصقاع العالم، لتشجيع المنتج الوطني وزيادة مصادره وأنواعه، وتحدي آلة الحصار والإرهاب وداعميهم، تحقيقاً لشعار الاعتماد على الذات، ومن ثم يتم التعاون مع الأصدقاء والأشقاء لاستكمال ما نحتاجه من خبرات ومنتج يكون أقل تكلفةً من المنتج الوطني.
بدون شكٍ إن عملية ضبط الحدود هي المسألة الأساسية في ضبط البضائع المهرّبة بغض النظر عن جودتها أو خطورتها، ومهما حاولت المؤسسات الحكومية المختصة بمحاربة المواد المهرّبة بالأسواق لن تنجح، لأنّه لا يمكن تجفيف بحيرة ونبع المياه يصبّ فيها باستمرار، فبائع المفرّق وحتى المهرّب الداخلي قادرٌ على تسويق منتجاته بأشكالٍ مختلفة كما نرى في الكثير من المواد التي يتم احتكارها أيام الأزمات، نحن نحتاج للتكافل مع كل الجهود والجهات من أجل إيجاد الحلول البناءة، بمحاربة التهريب بالدرجة الأولى من منابعه ورعاته الأساسيين، والاهتمام بالمنتج الوطني المنافس.
إنّ هذه العملية ليست صعبة ولا مستحيلة، لا سيّما بات بإمكان أي محلٍ تجاري كبر أو صغر امتلاك صندوق جباية وبرنامج محاسبي، يسهلّ عملية المتابعة ومعرفة مدخلاته ومخرجاته، بما يسهّل عملية تقدير الجباية الضريبية، وتوزيع الدعم للمواد الأساسية استناداً لمساهمة التاجر والمصنّع بدعم الاقتصاد الوطني، ومنع التهرّب الضريبي، وضبط حركة الأسواق بشكلٍ إيجابي لمنع الاحتكار والاستغلال. فقط ما نحتاجه التفكير بشكلٍ وطني شامل جامع مستديم، بعيداً عن المفهوم الجبائي الذي يقتصر على الجانب المادي فقط.
سوريتنا أمانةٌ في أعناقنا جميعاً فكل منا يجب أن يدلي برأيه وفكرته واقتراحاته، وواجب المؤسسات تقبّل هذه الأفكار ورؤيتها لا ازدراء أصحابها، فلا أحد يشكّ أو يقللّ من هيبة واحترام المؤسسات الوطنية ونظرتها للأمور بشكلٍ شمولي وواقعي، ولكن أيضاً واجب المواطن تقديم الدعم والمساندة والرؤية للمؤسسات، فقد يكون المراقب لديه أفكاراً تساعد صانع القرار، وتحقق التفاعل بين أبناء الوطن ومؤسساته، ليكونوا معاً على خطٍ متوازٍ مع القيادة السياسية وقوى الجيش العربي السوري، يربط القول بالفعل، نتحدّى كل محاولات الحصار والتشويه الممنهج لسمعة الوطن ومؤسساته وشرفائه، ندرس جوانب النجاح والفشل لنصل للهدف الأسمى، برفع مستوى الدخل القومي وتلقائياً الدخل الفردي.