المشهد المقبل.. بقلم: أنس وهيب الكردي

المشهد المقبل.. بقلم: أنس وهيب الكردي

تحليل وآراء

الأحد، ٣ مارس ٢٠١٩

إذاً المنطقة مقدمة على مشهد جديد بعد قمة طهران، هذا ما يمكن أن يستشفه المرء. القفازات الناعمة لا حاجة لها بعد الآن. الكلام ‏للميدان وحده. ساحات المجابهة ارتسمت. من العراق، فشرق سورية مروراً بالجنوبين السوري ‏واللبناني، إلى اليمن، ومن يعلم ربما غزة. ‏
الخطط الأميركية للمنطقة تحتاج إلى تكثيف التعاون والتنسيق على كافة المحاور. ‏اختبار إدلب العام الماضي شكل درساً لدمشق. دس الأميركيون أنوفهم في تلك الأزمة، ولأول مرة ‏تتراجع الدبلوماسية الروسية الجسورة وتقبل بما لا يمكن تصوره: توسيع الدور التركي في ‏مسألة بمثل حساسية إدلب، سواء لمصير سورية أو توازناتها المستقبلية. ‏
تذيق العقوبات التي أعادت إدارة الرئيس دونالد ترامب فرضها على إيران، شعب هذه ‏الدولة مرارة «الموت البطيء»، ويتوعد الأميركيون بتشديدها، ذلك في حين يطلب الأوروبيون من ‏طهران ضبط النفس والتهدئة وعدم الانسحاب من «خطة العمل الشاملة المشتركة» الخاصة ‏بالبرنامج النووي الإيراني، تعلقاً بوهم اسمه «الآلية المالية الأوروبية» المجهزة للالتفاف على ‏العقوبات الأميركية. هذه الدبلوماسية الجارية ما بين طهران وبروكسل وبقية عواصم القرار ‏الأوروبي تحرم الإستراتيجية الإيرانية من أهم أوراقها في مواجهة الطوق الأميركي: «اتخاذ ‏المبادرة»، ولو عنى ذلك العودة إلى تخصيب اليورانيوم. ‏
لا حاجة للتذكير بتأثير العقوبات الأميركية والأوروبية على سورية، في حين تقف ‏الحكومة مكتوفة الأيدي نتيجة اتفاقات وتفاهمات تمت من خلف الكواليس، تتحكم بأوضاع ‏مناطق شرقي البلاد، شمالها أو جنوبها. ‏
هكذا، تتلاقى الحكومة السورية مع أصحاب النظرة الواقعية للمنطقة من المسؤولين ‏الإيرانيين: القيود والضوابط الإقليمية تكاد تقضي على ساحة المناورة أمام دمشق وطهران، ‏والحل لن يكون إلا بالمبادرة ولو وقفت المنطقة كلها على حافة الهاوية. ‏
يعتقد المسؤولون الإيرانيون المفتاحيون أن بلادهم قد حققت بالفعل، انتصاراً نهائياً ‏في الهلال الخصيب، وأن السنوات التالية ستشهد تعزيز هذا الانتصار وضمان إنهاء جيوب ‏المقاومة للدور الإيراني المهيمن. تفكر الحكومة السورية أيضاً بذات الطريقة فيما يتعلق ‏بنتيجة الحرب التي شهدتها سورية خلال السنوات الثماني الماضية. ‏
خلال عملية إدلب في الخريف الماضي وقفت واشنطن تهدد وحرّكت البوارج الحربية ‏باتجاه السواحل السورية. اختار الروس التهدئة وكان اتفاق الرئيسين فلاديمير بوتين والتركي ‏رجب طيب أردوغان في منتجع سوتشي الروسي على وقف العملية وإنشاء منطقة عازلة في ‏محافظة إدلب. لا حاجة للقول إن أردوغان مهر الاتفاق بتوقيعه من دون أن يكون لديه النية ‏أو حتى القدرة على الالتزام بما وعد به، وهو ما ظهرت مؤشراته خلال الأشهر الماضية. ‏
اليوم، دقت ساعة العملية الكبرى في إدلب، وهذه المرة لا مجال للدبلوماسية أو ‏هكذا يبدو، فأي تحرك أميركي باتجاه السواحل السورية سيقابل بتحركات مضادة للوجود ‏الأميركي في العراق، وسيتم لجم التحركات الإسرائيلية بتحركات مقابلة في جنوب سورية ولبنان ‏لتعقيل الرؤوس الحامية في تل أبيب. أما الأتراك فالانطباع السائد بشأنهم بين كبار المسؤولين ‏في طهران ودمشق، أنهم أميل للاستعراضات المسرحية والتصريحات الطنانة قبل أن يتراجعوا ‏خوفاً على استقرار بلادهم وآفاق ازدهارها. ‏
التعاون الذي نشأ بعد قمة سانت بطرسبرغ بين موسكو وأنقرة ظهرت له أبعاد أكثر ‏مما تطيقه طهران أو دمشق. الجانبان الروسي والتركي باتا يتفاوضان على اتفاقات ومقايضات ‏بعيداً عن شريكهما الإيراني. وعندما يأتيان به، فذلك إما كي يوقع على ما توافقا عليه ‏مسبقاً، أو يتركان له تفجير المفاوضات الثلاثية، ليتفاوضا لاحقاً بشكل ثنائي. ‏
الرد على اتفاق سوتشي وكذلك الحصار الاقتصادي المفروض عليهما، قاد الحكومتين ‏السورية والإيرانية إلى التوقيع على الاتفاقات الإستراتيجية. مضت دمشق خطوة أبعد أطلقت ‏حرباً شعواء على البضائع التركية المهربة وعلى شبكات التهريب. أريد لهذه الخطوة أن تكون ‏إشارة لأنقرة بأن التمتع بفوائد التجارة مع سورية من دون الاعتراف بدمشق، انتهى. ‏
قمة طهران وضعت الأساس للمشهد الشرق أوسطي المقبل، وفيه سنكون شهوداً على احتمالات ‏تصعيد خطيرة، والسؤال من سيتراجع أولاً.