اعرف عدوك.. بقلم: د. خلود أديب

اعرف عدوك.. بقلم: د. خلود أديب

تحليل وآراء

السبت، ٤ مايو ٢٠١٩

يعاني العالم من صراعاتٍ لا تنتهي، بسبب القومية أو الجنس أو الدين أو المذهب أو المستوى الاجتماعي أو المصالح السياسية. ولن تنتهي هذه الصراعات حتى تنتهي أسبابها. 
الحل قد يكمن في أن تتجنب عدوك إن أمكن ذلك أو أن تحطمه أو أن تتفاوض معه. وقد يختار أحد طرفي علاقة العداء أن يترك لعدوه أن يدمر نفسه بنفسه أو بواسطة عدو آخر وهنا تكون الحرب بالوكالة وهنا يخسر المعركة الطرف الضعيف أو الجاهل. 
" لا تستخف بعدوك فهو خصمٌ ماكرٌ يدبر لك المكائد". يبحث عن نقطة ضعف دونما كللٍ فإذا ما لمسها، يستجمع كل طاقاته ويسدد الضربة تلو الضربة إلى أن يدفع خصمه إلى الاستسلام أو الانهيار لينقض عليه بالضربة القاضية. 
"اعرف عدوك" مقولة تاريخية وقديمة جداً أرسى قواعدها سن تزو القائد العسكري الصيني خمسة آلاف عام قبل الميلاد في كتابه "فن الحرب". وهي نصيحةٌ ثمينةٌ. وإن أردنا إدراك معناها عبر اسقاطها على واقعنا المعاصر في أبسط صوره يمكن القول أن تعرف عدوك يعني أن تحدده أولاً وأن تفهمه ثانياً وأن تتهيأ له ثالثاً وأن تضع الخطة المناسبة والوسائل لمجابهته رابعاً وان لا تغفل في حساباتك أسوأ الاحتمالات قبل أحسنها خامساً. 
فهل نعرف عدونا؟  هل نجابهه بأنجع الوسائل وأكثرها فعاليةً؟ هل نضع الخطط (السياسية والاقتصادية والعسكرية والفكرية وحتى الاجتماعية) المناسبة لإحباط أهدافه الظاهرة والمبيتة منها؟ وهل نحمي حقوقنا المشروعة ووطننا ومستقبلنا؟ 
المفروض أننا حددنا عدونا من زمنٍ بعيدٍ؛ زمن نشوء الكيان الصهيوني إن لم يكن زمن نشوء الحركة الصهيونية التي سبقت سلبه لأرضنا واستباحته لحقوقنا ووجودنا بعقودٍ عديدةٍ مستعيناً بأشرس الحلفاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية. 
فلما الغفلة والبحث عن أعداء آخرين من أبناء جلدتنا؟ ولما التعامي عمن تحالف مع العدو الصهيوني - ممن يدعي العروبة والدفاع عن المقدسات-  أو مع حلفائه في لهاثهم للحفاظ على الكراسي والمنافع والمناصب؟ 
لقد انحرفت البوصلة تماماً عن وجعلتها أو حُرفت بأياد معظم هؤلاء الذين يعتمرون عمامة العروبة والقيادة الدينية قبل السياسية. 
أين نحن الآن من كل هذا؟ نقتتل فيما بيننا على السماء حتى كدنا نخسر الأرض. وأصبحنا نواجه بعضنا البعض ونسينا العدو الذي  يمزقنا ويتربص بنا خشية تجمعنا واتحادنا. 
"إعرف عدوك" هي مقولة شهيرة منذ زمان بعيد ولكن التركيز عليها ظهر عقب هزيمة ١٩٦٧ من قبل العديد من الكتاب والمفكرين العرب وقد استفيد منها عسكرياً بدرجة كبيرة تعمقاً وتوسعاً من أجل معرفة نقاط الضعف والقوة لدى العدو، وتقاليده وقدراته واستشراف نياته واستنتاج خططه وخطواته التمهيدية وتحليل نتائج أية مواجهة معه لاستخلاص الدروس المستفادة منها وقد كان لذلك بطبيعة الحال دور كبير فيما حققته حرب ١٩٧٣. 
نؤكد أننا لا نحصر المعرفة بصفة العداوة وبالتالي بوظيفةٍ سياسيةٍ أو حربيةٍ، بل نشير إلى جميع أوجه المعرفة المتكاملة التي تعطينا صورةً واضحةً متعددة الأوجه والأبعاد عن حقيقة العدو الصهيوني. 
كثيرةٌ هي الدراسات والأبحاث التي أُجريت حول عدونا ولكن المعلومات ظلت معلومات ولم تصبح معرفة عبر عمليات التحليل والرصد والتقييم. لم نتمكن من إدراك كنه الرابط الذي يجمع أقواماً يختلفون في اللغة والتاريخ والذاكرة القومية (خلاف رابط الدين)، وبالمقابل نتحارب نحن الذين ندعي وحدة التاريخ واللغة والقومية. 
إن جهل الآخر هو جهل بالنفس 
وضع مبادئ هذه المعرفة سن تزو قائلاً: إذا كنت تعرف نفسك وتعرف عدوك فلا حاجة للخوف من نتيجة مائة معركة لأنك سوف تنتصر في النهاية. اذا كنت تعرف نفسك ولا تعرف عدوك - فكل نصر تحرزه سوف يقابله هزيمة تتلقاها. وإذا كنت لا تعرف نفسك ولا تعرف عدوك - فسوف تنهزم في كل معركة.
الصراع مستمرٌ والمعرفة لا بد أن تواكب هذا الصراع وتستمر لحين وضع حدٍ له؛ حرباً أم تفاوضاً بتوقيع اتفاقية سلام وعودة الأرض لأصحابها. ولا تتوقف بل تستمر ما بعد ذلك ولفترة لا تأطير زمني لها تحسباً من ردود أفعال أو نوايا مبيتة. 
الصراع العربي - الصهيوني هو صراعٌ أزليٌ بطبيعته طالما أنه بُني على نصوص توراتية دينية والوعد الإلهي لليهود بالأرض. 
في النهاية قد يكون السلام ذاته خطة تكتيكية بانسحابٍ مؤقتٍ...