تحديات بحجم حقل من الألغام تنتظر لجنة مناقشة الدستور.. بقلم: محمد نادر العمري

تحديات بحجم حقل من الألغام تنتظر لجنة مناقشة الدستور.. بقلم: محمد نادر العمري

تحليل وآراء

الأحد، ٣ نوفمبر ٢٠١٩

من الواضح أن الأزمة السورية مازالت تشهد الكثير من التحولات والتطورات التي تزيد من تراكم تفاصيلها ومساراتها المتتالية، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أن تشكل هذه التطورات ونتائجها مسارات جدية تعبر عن الوصول إلى اللمسات الأخيرة أو الخروج من ربع الساعة الأخير من عمر الأزمة السورية، بل قد تشكل بواقعية منطقية أحد أشكال التجاذب والصراع والكباش الذي يتطلبه الانتقال من المرحلة العسكرية نحو نظيرتها السياسية، أو أن تشكل بمجموعها الكلي توظيف مختلف صور المجالات من سياسية وعسكرية واقتصادية والانتقال بها بما تتطلبه الحاجة في محاولة إما لإحداث خرق لصالح أحد معسكري القوى المتصارعة مستفيداً من تراكم مكاسبها الميدانية، أو كمحاولة لكسب الوقت وتعويض ما تم فقدانه في مجالات الأخرى وبخاصة العسكرية منها.
الفترة الممتدة من الاتفاق على تشكيل لجنة مناقشة الدستور وحتى انطلاق عملها، شكلت إحدى ساحات التجاذب والكباش السياسيين اللذين تخللتهما تطورات عسكرية وميدانية عبرت عن محاولة كل طرف فرض قدراته وترجمة إنجازاته وتقوية اصطفافاته المحورية.
ورغم أن تشكيل اللجنة استغرق مدة قاربت العامين، إلا أن التوافق على تشكيلها وانطلاق أعمالها في أروقة جنيف في 30 تشرين الأول لعام 2019 يمكن اعتباره محطة وإنجازاً سياسياً من جوانب متعددة:
أولاً: دليل على أن الدول المعتدية على سورية وكذلك ما يسمى المعارضات الخارجية وصلت إلى أفق مسدود من حيث استخدام مشروع السلاح وفرض رؤيتها السياسية المتمثلة بمضامين جنيف1 بالقوة، لذلك لجأت إلى دائرة خياراتها المترابطة مابين الحصار الاقتصادي والسياسي لتحقيق بعض الإنجازات التي عجزت عنها من خلال العمليات العسكرية.
ثانياً: تعبير عن انتصار الرؤية السورية التي طالبت منذ بداية الأزمة السورية إلى الجلوس على طاولة المباحثات والدخول في حوار وطني وإجراء إصلاحات سياسية ودستورية تجنب البلاد ويلات الحروب وتحفظ بنيته المجتمعية ومؤسساتية التحتية، وهذا برز بشكل واضح وجلي في برنامج الحل السياسي الذي قدمته القيادة السياسية السورية في 6 كانون الثاني 2013، وتم رفضه من المعارضات الخارجية ومرجعياتها المركزية.
ثالثاً: يؤكد عدم موضوعية دور الأمم المتحدة في تنفيذ مهامها وانتقاء مبعوثيها، الذين طالما شكلوا إحدى جبهات العدوان على سورية، وسلوكهم ترابط مع معطيات وتطورات ميدانية، فالفوارق كبيرة ما بين «جنيف1» واجتماعات فيينا وما تلاها من صدور قرار 2254، ومابين الأخيرة واليوم، فالواقع الميداني تبدل، وخير دليل على ذلك ما سعى إليه المبعوث الدولي السابق ستيفان دي ميستورا في تبني رؤية ما سمي المجموعة المصغرة حول سورية من فرض إملاءات وأشخاص على تشكيل اللجنة الدستورية، ومابين سلوك المبعوث الدولي في هذه المرحلة غير بيدرسون الذي تمتع بليونة التكيف مع متطلبات تهيئة مناخ المناسب لحوار دستوري بناء على استماع وجهات نظر الجميع لضمان عمل اللجنة.
رابعاً: حجم الصراع الإقليمي والدولي حول سورية للسيطرة على موقعها الجغرافي والتحكم بقرارها السياسي، وحجم التدخل الخارجي المنقسم مابين الداعم لموقف دمشق ورؤيتها لمعالم الحل بشقيه السياسي والعسكري، والمعسكر الآخر الساعي لاحتواء سورية بما يخدم الإستراتيجية الكبرى باستبدال موقفها من محور المقاومة وتغيير اصطفافها ضمن الصراع الجيوسياسي مابين القطبين الدوليين لصالح واشنطن، أو على الأقل استنزاف قدراتها الداخلية وإغراقها في مستنقع الاستنزاف الإرهابي.
خامساً: التحولات والتغيرات الإقليمية والدولية.
هذه التطورات تدفعنا نحو وضع ملاحظتين حول جزئيات المشهد المقبل لعمل ومستقبل لجنة مناقشة الدستور، والملاحظة الأولى، صحيح أن المبعوث الدولي إلى سورية استطاع إحداث خرق في إيجاد تناغم ما بين القوى الإقليمية والدولية والأطراف المشاركة لإطلاق عمل اللجنة بعد تذليل العقبات، وتمكن أيضاً من توفير مناخ إيجابي من حيث الشكل حتى اليوم بدا واضحاً بشكل ملموس في تصريحات رئيسي وفدي المعارضة والحكومة، إلا أن الإيجابية قد لا تستمر لفترة زمنية طويلة وخاصة مع بدء الاجتماعات الموسعة والمصغرة للجنة، لأن هناك الكثير من التحديات التي تشكل حقلاً مليئاً بالألغام قابلاً للانفجار في أي لحظة، والتصريحات التي وصفت بالإيجابية أثناء جلسة الافتتاح أخفت في طياتها ومابين سطورها نواة صراع محتمل وقريب مابين وفود القوائم الثلاث وبخاصة المدعومة من الحكومية منها والمعارضة، وهذا ظهر في عدة نقاط، أبرزها:
•رئيس الوفد السوري أكد أن العامل الأساسي لنجاح العملية السياسية واللجنة الدستورية هو ما قام ويقوم وسيقوم به الجيش العربي السوري في محاربة الإرهاب، وهي النقطة التي غابت أو غيبت في تصريح رئيس وفد المعارضة.
•المدة الزمنية لتعديل الدستور أو وضع دستور جديد، والتي طالب بها رئيس وفد المعارضة في نهاية تصريحه، كانت بهدف إما إحراج الوفد السوري الرسمي، أو لفرض دستور جرى إعداده في الرياض منذ 6 أشهر، أو بهدف الهروب خطوة للأمام لتحميل الوفد الحكومي مسؤولية إخفاق النقاشات ولإخفاء حالة عدم الانسجام داخل وفد المعارضة، وتحديد فترة زمنية ترفضه الدولة السورية بالمطلق لكي لا يقدم لها نموذجاً على غرار بريمر 2006 في العراق أو الذي قدمه الجانب الروسي منذ أعوام.
إن استقلالية اللجنة والتي تحدث بها بيدرسون في أكثر من مرة بتصريحه، مستعيناً بعراب العقد الاجتماعي جان جاك روسو، لا تبدو منطقية في ظل توافر حقائق ومعلومات وأحداث تشير إلى أن عمل اللجنة حتى اليوم خاضع للتأثير الخارجي، وهذا ما دفع بيدرسون للاجتماع بشكل تراتبي مع ممثل عن الاتحاد الأوروبي ومن ثم ممثلي وزراء خارجية دول «مسار أستانا» ولقائه مع ممثلي دول المجموعة المصغرة حول سورية، فضلاً عن وجود بعض المعلومات التي تتحدث عن نشاط وزيارات دبلوماسية غربية وعربية لفندق «لو رويـال» والاجتماعات التي تجري مع أعضاء من وفد المعارضة، ومحاولة بعض استخبارات الدول الغربية والناشطة في جنيف لخرق فندق «كراون بلازا» لاستقطاب كامل أعضاء وفد ما يسمى المجتمع المدني.
3. عدم الانسجام في طبيعة تركيبة وفد ما يسمى المجتمع المدني والذي وصفه بعض المراقبين بأنه يشكل «بيضة القبان»، فحتى كتابة سطور هذا المقال لم يتم الاتفاق بشكل رسمي على أعضاء لجنته المصغرة ولا عن رئاسته رغم بعض التسريبات التي تفيد بأنها قد تكون برئاسة عضو «أنثوي»، كما أن عدم معرفة الأعضاء بعضهم لبعض ووجود انقسامات في التوجهات داخله ضمن تيارات ثلاثة، الأول يتلاقى مع توجهات الوفد الحكومي والثاني مع توجهات المعارضة والثالث توجهات مختلفة أو ثنائية بين الوفدين، قد تجعل من هذه القائمة عاملاً معطلاً.
4. استمرار التجاذبات والتكتيكات التي يشهدها الشمال السوري مابين القوى الفاعلة والمؤثرة به، في ظل وضوح وانكشاف الأهداف الأميركية سواء بإبقاء تأثيرها العسكري والسياسي على ميليشيات «قسد» وتركيا لخلط الأوراق وتعطيل اتفاق سوتشي الأخير، أو بحرمان الدولة السورية من الاستفادة من ثرواتها «الجيوبولتيكية» في محاولة لفرض استمرار فرض الحصار الاقتصادي عليها هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن تركيا التي تسعى إلى استثمار واقع الخلاف الأميركي الروسي وحاجة الدولتين لها ومصالحهما معها، لتحقيق هدفها بفرض أمر واقع في إقامة ما يسمى المنطقة الآمنة، في الوقت ذاته قد تسعى إلى الضغط لاحتكار قرار وفد المعارضة وجزء من قائمة المجتمع المدني باعتبار أنها الوحيدة اليوم التي مازال لها تأثير ميداني على المجاميع المسلحة والإرهابية، لذلك قد تلجأ نحو التعطيل أو دفع بعض الأعضاء للانسحاب في حال كانت النتائج الميدانية والسياسية بغير مصلحتها، في حين يشكل موقف ميليشيات «قسد» المتأرجح مابين استمرار الرهان على الأميركي أو إنجاز اتفاق مع الدولة السورية برعاية روسية ذريعة تركيا وأميركا لتوسيع نفوذهما في الشمال السوري وهذا قد يعيد تجدد وبلورة الصراعات في هذه الرقعة الجغرافية، الأمر الذي سيرخي بظلاله على عمل لجنة مناقشة الدستور، انطلاقاً من قاعدة: الحرب امتداد للسياسية لكن بوسائل أخرى.
هذا سيضعنا أمام الملاحظة الثانية والتي تتضمن ثلاثة سيناريوهات لمخرجات وعمل اللجنة:
•الأول حصول توافق جدي إقليمي ودولي لتحقيق خرق ملموس في إعداد الدستور وهذا أمر مستبعد اليوم في ظل استمرار الصراع الدائر والتعطيل المستمر لاستعادة الدولة السورية لسيادتها في الشمال السوري بشقيه الشرقي والغربي، وعدم وجود اتفاق حول مصير الإرهابيين الأجانب والعرب واستمرار الحصار الاقتصادي واستثمار ملفي الإنساني وإعادة الإعمار، لذلك فالتوافق بهذا التوقيت سيكون شبه مستحيل في ظل هذه المعطيات.
•الثاني تكرار نموذجي «جنيف2» و«جنيف3» من خلال حصول تدخلات مباشرة من قبل الدول الكبرى على المعارضة والمجتمع المدني وهذا قد يعطل المحادثات إن لم ينسفها بالمطلق.
•الثالث وهو المرجح أن تبقى هذه المحادثات والحوار الدستوري السوري قائماً ومستمراً ومتمسكاً به من قبل الجميع وبخاصة المبعوث الدولي ولو كانت مجرياته وتقدمه بطيئاً ريثما تتضح معالم شكل الحل في إدلب وشرق الفرات وبعد حصول توافق حقيقي وليس كلامياً فقط.