الأبعاد الاستراتيجيّة لهزائم أردوغان المتعدّدة المستويات

الأبعاد الاستراتيجيّة لهزائم أردوغان المتعدّدة المستويات

تحليل وآراء

الجمعة، ٦ مارس ٢٠٢٠

 محمد صادق الحسيني
 
لا شك في أن أردوغان قد وصل الى موسكو مجرداً من أي أوراق قوة، سواءٌ كانت سياسية او عسكرية، يمكنه ان يستخدمها في محادثاته مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. ولا شك في أن الكلمة المقتضبة، التي افتتح بها اللقاء بين الرئيسين، تعبّر عن واقع الحال. حيث اضطر أردوغان الى القول بصريح العبارة إن لقاءهما قد تأجل بسبب مشاغل الرئيس بوتين. ما يعني الاعتراف المباشر بأن الرئيس بوتين هو (باسمه وباسم حلف المقاومة طبعاً) مَن يضع النقاط على الحروف ويحدد السقوف.
 
وهذا بالضبط ما يعكسه الواقع الميداني، ليس فقط على مسرح العمليات السوري وإنما على مسرح العمليات على الجبهات كافة، من إيران مروراً باليمن والعراق وصولاً الى لبنان وفلسطين.
 
لذا فإن المثل الذي ينطبق تماماً على أردوغان يقول: «يا ريتك يا أبا زيد ما غزيت». وذلك لأن اردوغان، الذي كان يهدّد ويتوعّد الجيش العربي السوري بعملية عسكرية واسعة النطاق تجبره على التراجع الى خطوط معينة، قد سجل فشلاً ذريعاً في تنفيذ تهديداته.
 
فالجيش العربي السوري لا زال، وسيواصل، تنفيذ عملياته العسكرية الواسعة ضد القوى الإرهابية، التي يتماهى معها أردوغان وبعض وحدات جيشه، وهو ما يعني فشل استراتيجية اردوغان، التي كان يهدف من ورائها الى تحقيق هدف الصدمة والترويع في صفوف القوات المشتركة، من خلال الضربات الجوية النوعية بواسطة الطائرات المسيّرة، وبالتالي التسبب في انهيار خطوط هذه القوات ووقف زخم هجومها على مواقع المسلحين، مما يتيح له الفرصة بشن هجوم شامل على وحدات القوات المشتركة المهاجمة وعلى مواقعها الثابتة وخطوط إمداداتها وذلك بهدف دفعها التراجع حتى جنوب خان شيخون.
 
لكن حسابات البيدر لم تتطابق مع حسابات الحقل الاردوغاني، وذلك للأسباب التالية :
 
فشل اردوغان في قراءة طبيعة العلاقات التي تحكم أطراف القوات المشتركة (الجيش العربي السوري وحزب الله والمستشارين الإيرانيين وبقية فصائل المقاومة) وكذلك علاقة روسيا ومصالحها، التي دفعتها للتدخل عسكرياً لدعم الدولة السورية ومنع المعسكر الصهيو أميركي من السيطرة عليها.
 
إذ إن دوافع الدولة الروسية لم تكن انتهازية على الإطلاق، بل إنها كانت، ومنذ البداية ذات منطلق استراتيجي، تهدف الى تغيير موازين القوى الدولية لصالح الاستقرار والأمن الضروريين للتنمية والتطوير على مستوى العالم. بالاضافة الى ان مشاركة عشرات آلاف المسلحين، من دول الاتحاد السوفياتي السابقة الواقعة على حدود روسيا الجنوبية، تشكل تهديداً أمنياً مباشراً للامن القومي الروسي لا يمكن لروسيا أن تقبل به او تسكت عليه.
 
من هنا فإنه كان على اردوغان ان يحسن قراءة طبيعة الصراع، في الميدان السوري على وجه الخصوص، وطبيعة علاقات القوى الفاعلة فيه. والآن عليه أن يفهم، مرة والى الأبد، بأن وقف إطلاق النار، الذي أعلن عنه مع الرئيس بوتين مساء أمس الخميس 5/3/2020، ليس سوى استراحة محارب، وذلك لأن روسيا، عدا عن سورية وحلفائها، لا يمكن لها أن تقبل باستمرار وجود ما يزيد على 25 ألف مسلح، من جمهوريات السوفيات السابقة، في منطقة ادلب. وهذا يعني ان على اردوغان ان يفهم ماذا تعني روسيا بقولها: يجب القضاء على الاٍرهاب في ادلب. فهذا يعني أن القوات المشتركة ستواصل عملياتها العسكرية، حتى تحرير كل محافظة ادلب، ورغماً عن أنف اردوغان.
 
كما لا بد من التأكيد على ان السبب الرئيسي، لفشل حسابات أردوغان، كانت الكفاءة القتالية المنقطعة النظير للقوات المشتركة، سواءٌ على جبهة سراقب او على جبهة جنوب غرب إدلب، حيث تنفذ هذه القوات عمليات استراتيجية واسعة النطاق، على الرغم من سقوط عدد من الشهداء، من الجيش العربي السوري وحزب الله، في محاور حلب، من خلال الضربة الجوية التركية التي نفّذتها طائرة مسيّرة، قامت القوات المشتركة، والإيرانية منها على وجه الخصوص، باتخاذ الإجراءات الفنية التقنية للحيلولة دون تكرار مثل تلك الضربة من جانب، وإبلاغ أردوغان بأن سلاح الطائرات التركية المسيّرة قد تم تحييده تماماً، وبإبلاغه أيضاً الجهات المعنية في ان القوات المشتركة أصبحت قادرة على إعادة توجيه الطائرات التركية المسيرة وجعلها تقصف أهدافاً في أنقرة واسطنبول.
 
وهو ما أدى الى وقف استخدام هذه الطائرات، بشكل كامل منذ اليوم التالي لعملية اغتيال شهداء الجيش العربي السوري وحزب الله. وهي بالمناسبة عملية غدر واغتيال، على الطريقة الإسرائيلية المستخدمة ضد قيادات وكوادر المقاومة في فلسطين ولبنان وسورية.
 
فشل اردوغان وقيادته العسكرية في قراءة وفهم القواعد التكتيكية والأبعاد الاستراتيجية لخطط القوات المشتركة ولقدراتها العالية على تنفيذ عمليات نوعية ذات تداعيات استراتيجية كبيرة، لا تقتصر على مسرح العمليات في سورية، وإنما لها تأثير مباشر وعميق على مسرح العمليات المركزيّ في المنطقة، ألا وهو مسرح العمليات الفلسطيني.
 
فبعد الانسحاب التكتيكي للجيش العربي السوري من مدينة سراقب، الذي اعتقد أردوغان ورهطه انه تراجع ينم عن ضعف، فقد قامت القوات المشتركة لحلف المقاومة، وبالتحديد لواء الرضوان، من القوات الخاصة التابعة لحزب الله، بشن هجوم ليلي شامل على المدينة، مستخدمة أجهزة رؤيا ليلية لا مثيل لها، دون الدخول في الحديث عن مواصفاتها التقنية، تحيل الليل نهاراً، ولا يمتلكها حتى الجيش الإسرائيلي نفسه. وذلك في إطار محاكاة قوات الرضوان لتنفيذ عملية هجوم واسعة النطاق، داخل الجليل الفلسطيني المحتل، ليلاً والتخندق والتحصّن، بعد إنجاز السيطرة على الارض، أي إقامة مواقع دفاعية والتثبت في الأرض، استعداداً للدفاع عنها صباح اليوم التالي.
 
وفِي خلاصة الأمر فإن أردوغان سيبقى محكوماً لنتائج الميدان السوري، الذي يفرض عليه إعادة قراءة الواقع، خاصة في ظل الارتدادات العميقة، التي خلفها فشل خطط أردوغان العدوانية في سورية، على الداخل التركي. فما الاشتباكات والتعارك العنيف، اللذان حدثا داخل البرلمان التركي بعد ذلك بين أعضاء من حزب اردوغان وأعضاء من احزاب المعارضة، الا تعبير عن حالة الرفض لسياسات اردوغان والغضب الذي يسود المجتمع التركي، الذي ينظر بدوره الى ضرورة تصحيح مسار السياسة الخارجية التركية والعودة الى اتباع سياسة حسن جوار مع كل الدول المحيطة بتركيا. الأمر الذي عبر عنه الرئيس التركي السابق، عبد الله غول، حينما قال بأن الإسلام السياسي قد فشل وتجب العودة الى سياسة خارجية تركية واقعية قابلة للتطبيق.
 
وهكذا يكون اردوغان قد أوصل نفسه الى محطة اللاعودة في المسرح السياسي والديبلوماسي الداخلي والخارجي بعد ان تخبط بما فيه الكفاية في اوحال مستنقع القوى الارهابية وأسيادهم الدوليين الذين نصبوا له المصيدة وتركوه يقع فيها وتخلوا عنه كما يتخلى رؤساء العصابات عن اشقياء الأحياء وزعرانها…
 
مصير اختاره اردوغان بنفسه وبإرادته تماماً، كما فعل أدولف هتلر في الحرب العالمية الثانية يوم فكر أن بإمكانه الزحف على الاتحاد السوفياتي وإسقاطه مثل ما فعل مع بولندا اولاً، ناسياً أن سورية كما الاتحاد السوفياتي بالنسبة لهتلر لقمة كبيرة على صغار اللاعبين الهواة الذين لم يتعلموا دروس الحياة كما يجب وقرروا اللعب مع الكبار بأدوات صغيرة وعاجزة وعقيمة…