هل هو آخر خط الرخاء الأجوف..الريف السوري في مضمار الاختبار المصيري..؟؟

هل هو آخر خط الرخاء الأجوف..الريف السوري في مضمار الاختبار المصيري..؟؟

تحليل وآراء

الجمعة، ١ مايو ٢٠٢٠

زراعة

لا نظن أنه كان فأل خير..أن تتسلل ثقافة الرخاء الأجوف إلى الأرياف السورية، وتجبرهم على ” انتحال” نمط حياة طارئ حوّل يومياتهم إلى معاناة رغم المظاهر الجديدة التي ظهروا بها..وهو النمط ” المبندق” وفق المصطلح الشعبي، أي المركّب والمهجّن كيفما اتفق..فالحاسوب المُهجّن غالباً يكون سيء الأداء وكذلك السيارة ” المبندقة” ..

أيضاً نمط الحياة المبندق الهجين يعذّب صاحبه ويؤرقة، لأنه يحجب عنه القناعة، بالتالي التصالح وراحة البال..فقد قيل يوماً: ” ليس أشقى من امرئ يرغب بأن يكون كما لا تؤهله إمكاناته”…وهذا حال من ابتلي بفقدان حالة التماهي مع واقعه.

هي مقدّمة ارتأيناها مناسبة – وبعضهم سيجد وقعها قاسياً – للدخول إلى إشكالية بنيوية عصفت بنا نحن السوريين، وهي الوقوع في غواية الترف الأجوف، ظهرت في المدن بوضوح، تم انتقلت تدريجياً إلى الأرياف..وهناك كانت المعضلة، لأن الأرياف مطارح إنتاج زراعي..ومتطلبات بيئة الإنتاج الزراعي تتعارض مع مظاهر الترف والقشور التي تمّ توطينها في سياق ثقافة الاستهلاك التي اجتاحتنا نحن السوريين في سنوات الرخاء والنمو غير التقليدي، الذي سجلناه في سنوات خلت، وكان نمواً غير حقيقياً لأنه تركز على القطاعات الريعية والخدمية، على حساب البنية التنموية الحقيقية، لا سيما في قطاع الزراعة، وبدرجة أقل في قطاع الصناعة الذي تقهقر تحت ضربات الجنوح نحو التجارة.

فرغم ثقافة التصالح المزمن مع الواقع التي تسكن في بيوت الريفيين، والقناعة والرضى، إلا أن متغيراً من نوع ما أحدث خللاً عميقاً في العلاقة ما بين هؤلاء ” الطيبين” ويومياتهم الصعبة والذي كان ذلك ” التصالح” ذاته يخفف من وطأتها إلى حد ما ويضمن الكفاية..إذ طالما كان التدبير هو العنوان العريض لحياة قاطني الريف السوري.

لكن جنوح الريف نحو ” التمدّن” سحب منه مقوماته خصوصيته، تماماً كمن كان يحمل سيفاً للدفاع عن نفسه فألقاه ليدافع بعصا أو بيدين مجرّدتين. حقول طويلة عريضة كانت في مثل هذه الأيام على عتبات الجنى..موسم الفول والبازلاء و” الجلبانة” والزراعات العلفية للماشية ووووو إلخ..بدت خاوية إلا من أعشاب الربيع إذ لم يعد من ماشية لترعى وتسرح..وقد ذكرنا هذه المحاصيل كي لا يخرج لنا معترض ويخبرنا بأن السبب هو غلاء الأسمدة، فهذه الزراعات لا تحتاج إلى سماد، بل هي ذاتها السماد الذي يعمد إليه الفلاحون لتدعيم خصوبة أراضيهم بعد المواسم التي تنهك التربة مثل القمح والشعير.

حالة مدنية واهية واسترخاء مريبة ما زالت مستمرة رغم الضائقة المعيشية وسنوات الحرب الطويلة، ورغم نداءات الدولة والحكومة بالتسهيلات والدعوة لاستثمار ” كل متر مربع قابل للزراعة”…اليوم وصلت الأمور إلى مواصيل شديدة الصعوبة..ضاق الحصار وارتفعت أسعار المنتجات الزراعية..منتجات سورية ليست مستوردة ولا يمكن إلصاق التهمة بالدولار، بل هي معادلة العرض والطلب..فهل سنشهد أن ثمة عودة رشيدة إلى مطارح الرزق والنماء؟؟

هل سيتكفّل  ارتفاع الأسعار بتحفيز الريفيين للعودة إلى أراضيهم، والاستثمار الحقيقي في الزراعة، والتي هي في بالأساس عماد الكفاية بل والبحبوحة التي طالما نعموا بها لعقود طويلة من الاستقرار ؟؟

هل سيستفيد الريفيون من التسهيلات السخية التي أطلقتها الحكومة للتنمية الزراعية ” قروض طويلة الأجل..قروض مدعومة الفائدة..إعفاءات تامة وكاملة من الضرائب…” لنستنتج أن للأزمات فضائل في بعض الأحيان؟؟

الريف للزراعة وليس للسهرات الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي..والريف لتربية الماشية وليس للقطط والكلاب المنزلية.. هذه حقائق دعونا نعترف بها..ولنتخلى عن الذهنية الذرائعيّة التي قد يعبر عنها المسكونون بها..

هامش: اقترح أحد المراقبين أن يتم الاستيلاء على الأراضي التي هجرها أصحابها ..ليصار إلى وضعها بتصرف من هم مستعدون لزراعتها واستثمارها..فما رأيكم؟؟