ننجح معاً.. بقلم: سامر يحيى

ننجح معاً.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأحد، ٢٦ يوليو ٢٠٢٠

يُحكى أنّ أحد علماء "الانثروبولوجيا" عرض على أطفال قبيلةٍ إفريقيةٍ بدائية سلّة فواكهٍ ووعد من يصل إليها أولاً بالحصول عليها كاملةً، ليُفاجَئ أنّ الجميع يمسك يداً بيدٍ حتى وصلوا معاً للسلّة، فقال لهم لم فعلتم هذا، فقالوا له: "كيف يستطيع أحّدنا أن يكون سعيداً فيما البقية تعساء".
السعادة والنجاح يجب أن تشمل كل من حولنا من أهلٍ وأصدقاءٍ وزملاء عملٍ، وأبناء الوطن أنّى كانوا، ونجاح الفرد نجاحٌ للوطن، ويجب أول من يسعى لغرس هذه القيم هم أصحاب المسؤولية، ليعملوا على توفير كلّ أسباب النجاح والسعادة لمن حولهم، باستنهاض الجهود واستثمارها بالشكل الأمثل، وتشارك الرؤى والأفكار التي تجعل الكل رابح؛ فكيف في ظل الظروف العصيبة والأزمات التي ما زالت تتوالى، وما خلّفته وتخلّفه من ضائقة اقتصادية وتحديّات اجتماعية ومشكلات متعدّدة، تتطلّب مشاركة الجميع للنهوض معاً، بمعالجة المشكلات، ومجابهة  التحديّات، مدركين أنّ السنوات العشر الأخيرة كفيلة بأنّ توقظ عقولنا، وتفتّح أذهاننا، وتغيّر قناعاتنا وأنّ علينا البدء كلٌ بنفسه لأجل المجتمع، لم يعد هناك شيء مفاجئ، وهذا يتطلّب أن نكون على أتم الاستعداد والاستنفار المستمرّ بكل ميادين الحياة، ضمن الإمكانيات المتاحة والموارد المادية والبشرية المتوفّرة، وتعامل جميع المؤسسات كفريق عملٍ واحد بهدف معالجة المشكلات التي يعاني منها المجتمع، لا سيّما البطالة المقنّعة والحقيقية، والدعم لمستحّقيه، ومكافحة الاحتكار والاستغلال وكبح جماح المستغلين والانتهازيين والمنافقين، الذي سيؤدي حكماً لزيادة دخل الفرد، وسد الثغرات التي يتسلل منها العدوّ، فالدروس تكون أقسى في كل مرّة، مما يستدعي مضاعفة العصف الفكري، وإعمال الضمير الوطني والنظرة الشمولية...
ما تمرٌ به سوريتنا جزءٌ من أزمةٍ عالمية، إضافةً لما يخلّفه الإرهاب، والحصار المستمر، والظروف التي يستغلها الإعلام المعادي لتوسيع الفجوة بين المواطن ووطنه، ولكن ماذا فعلنا نحن لتخفيف العبء عن أنفسنا؟! وهل هيأنا الظروف ـ لا مجرّد التنظير والكلام ـ للتصدّي لمحاولات الأعداء اضعافنا؟! هل بدأت المؤسسات تحمّل مسؤولياتها بكلّ جدية، وهل بدأ العامل بالتعامل باحترام مع المراجع وتلبية طلباته وعدم عرقلة معاملاته وإنجازها بشكلٍ فوريٍ، ولديه الإمكانية لذلك؟! وهل يهتم العامل بالحفاظ على جمالية مقرّ عمله وسلامته ومتابعة وصيانة آلياته الميكانيكية والكهربائية والالكترونية والاعتناء بها، وحل المشكلات قبيل تفاقمها، لا سيّما أنّ كل الأدوات والأجهزة تأتي ومعها تعليمات استعمالها، وتدرّب عليها العامل قبيل استخدامها، مما يجعله مدركاً لكل تفاصيلها الفنية والتقنية، لتفادي حصول أي عطلٍ وسهولة علاجه؟ هل أيقنت المؤسسات الحكومية أنّ دورها ضابط إيقاع السوق وموجّهٍ له لا طرفاً فيه؟! هل بحث المسؤول بجذور المشكلات، والبحث بالأسباب وتوقّع النتائج وكل الاحتمالات، ليحقق النجاح الأشمل، بدلاً من العشوائية والاتكالية والفوقية واللامبالاة والرأي الواحد والقبول بسير الحياة الروتيني رغم كل التطوّر حولنا؟! كيف لإدارة مؤسسة تبرير أخطاء العاملين لديها، وعدم قدرتها على ضبط سلوكهم، أن تنجح بالتعامل مع جمهورٍ مختلف الانتماء والبيئة...أو أن تجترع الحلول وتبتدع الأفكار التي تساهم في التصدّي للمشكلات ومضاعفة الإنتاج؟!
المفترض أن "وباء كورونا" فتح الآفاق واسعة، وأدركنا جميعاً أنّ الوقاية خير من العلاج، والأخذ بالأسباب وحلّ المشكلة من جذورها أفضل من الاستثناء، ومضاعفة الأداء مع أخذ الاحتياطات خير من فرض الحظر وإيقاف الأعمال، ألم نكن نبتعد عن الشخص المصاب بالزكام كي لا ينقل العدوى إلين؟! ألم نرَ تهافت مراكز الأبحاث العالمية لإيجاد اللقاح قبل إيجاد العلاج للمرض؟! علينا أن ندرك أن القضاء على بؤر العدوى أقلّ تكلفة، ولدينا البنية التحتية والموارد البشرية القادرة على ذلك، إن أدركنا أن الاهتمام والعناية يقضيان على العدوى والترهّل والهدر وتسهّل عملية الصيانة ومنع الأعطال.
لا أنشد المدينة الفاضلة، ولا أدعي وجودها، لكن يستحق شعبنا النجاح، ولديه القدرة والإمكانية للإبداع والتفكير واجتراع الحلول وتمييز الغثّ من الثمين، ولدينا القدرة على احترام الوقت وقدسيته، والاستفادة من الماضي لأخذ العبرة والفائدة، والحاضر للانطلاق منه لبناء المستقبل الذي نستحق، باستنهاض الموارد البشرية، وإعادة توزيعها ضمن المؤسسة ذاتها، فهي تحتاج لتفعيل وتأهيل وتوصيف دقيقٍ للمهام، لا لامتحانٍ أكاديمي يقتل الابتكار والإبداع ويشجع على الحفظ الصمّ والعلاقات الشخصانية، ويتجاهل أن هذا العامل خضع لامتحانات أكاديمية عدة حتى نيله الشهادة العلمية، وخضع لامتحانٍ أكاديميٍ عندما انتسب لهذه المؤسسة، وبقي استنهاض قواه وتدريبه وتأهيله ليقوم بعمله على أكمل وجه، وبمقدار الأبحاث والنجاحات العملية التي يحققها على أرض الواقع في مؤسسته يتم تقييمه وتقويمه، حتى التكنولوجيا جزءٌ يساعد في التطوّر والإبداع والابتكار، وعلينا الاستفادة منها بضغط النفقات ومنع الهدر وزيادة الإنتاج، واستثمار أمثل لكل مترٍ مربّع، وكلٍ موردٍ أو إمكانياتٍ متاحةٌ لدينا، لا أن تكون عبئاً وتكلفة إضافية.  
إن المائة يومٍ الأولى لأعضاء مجلس الشعب، والحكومة، وأي عامل، أو فكرة تطوير أو تأهيل، كافية لاستيعاب الموضوع من كافّة جوانبه، وإيجاد الحلول، ودراسة أدق تفاصيل العمل ومستقبله، واستنهاض جهود الجميع، إذ لا يوجد أحدٌ هامشي، فكلٌ له مهامه المكلّف بها، فكيف عندما تكون المؤسسات جميعاً يداً واحدةً فسنحقق المعجزات، ونكون أوفياء للثقة التي منحنا إياها الشعب والقيادة والمؤسسة التي ننتمي إليها.