الانقلاب الأمريكي على «المدرسة الترامبية».. بقلم: محمود حسونة

الانقلاب الأمريكي على «المدرسة الترامبية».. بقلم: محمود حسونة

تحليل وآراء

الأحد، ١٥ نوفمبر ٢٠٢٠

حتفالات الصاخبة في الشوارع، وردود الفعل العالمية، وتوقعات المحللين، والمختصين، حول النهج الذي سيتبعه، واستقراء موقفه تجاه القضايا الداخلية، والخارجية. 
ومثلما انقسم الأمريكيون بين سعيد لفوز بايدن، وحزين لهزيمة ترامب، عانى العالم الانقسام نفسه، وحزنت دول ومناطق على هزيمة ترامب، بل واختلف أشقاء داخل الأسرة الواحدة حولهما، وتجاهل الرأي العام في دول تجري انتخابات على أراضيها في الوقت نفسه لتتابع نتائج الانتخابات الأمريكية، وهو أمر طبيعي طالما أنه لا يتعلق بانتخاب مجرد رئيس دولة، بل بانتخاب رئيس الكوكب، الذي يمكن أن تؤثر قراراته ومواقفه في أي إنسان على الأرض، بصرف النظر عن المنطقة الجغرافية التي يعيش فيها. 
ومثلما هللت إفريقيا عام 2008 لانتخاب باراك أوباما، وهللت ألمانيا عام 2016 لانتخاب دونالد ترامب، خرج الإيرلنديون للشوارع فرحاً بانتخاب «ابنهم» بايدن الذي تعود أصوله إلى مدينة بالينا، في الغرب الإيرلندي، كما شهدت الهند، وجامايكا، احتفالات صاخبة بكامالا هاريس نائبة الرئيس المنتخب، والمولودة لأب جامايكي، وأم هندية، لتكون أول امرأة تصل إلى هذا المنصب الرفيع جداً في أمريكا أصولها جامايكية هندية، ولعل المتابع لتلك الانتخابات يدرك أن الاحتفالات بالفائز لا تكون في أمريكا فقط، بل تكون أكبر في الدولة التي يرجع إليها أصل الرئيس باعتبارهم جميعاً مهاجرين من دول مختلفة. 
 ترامب هو الذي أهدى هذا الفوز التاريخي لبايدن، وهو الذي أخذ على عاتقه أن يحقق له الحلم المؤجل منذ 32 سنة، بعد أن ترشح في الانتخابات التمهيدية، وفشل في أن يصل للرئاسية عام 1988، وأيضاً ترامب هو الذي مهّد له الطريق إلى البيت الأبيض ليجلس متربعاً على عرش أمريكا، والعالم، بعد أن تعامل باستهانة مع وباء كورونا ليفتك الفيروس بحياة نحو ربع مليون أمريكي، ويصيب نحو 11 مليوناً، لذا لم يكن مستغرباً أن تصيب لعنة «كورونا» ترامب، فضلاً عن إصراره على سلوك نهج مناهض للسود، رغم أنه كاد يحرق مدناً في ولايات عدة بعد مقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد، واستعلائه على الحلفاء التاريخيين، وقطع الشرايين التي تربطهم بأمريكا، كما كانت تغريدات ترامب اليومية عبر «تويتر» من أسباب انصراف بعض مؤيديه عنه، بعد أن اتخذه منصة للتهجم، والتجاوز في حق خصومه من السياسيين، والإعلاميين، والدول والعرقيات. 
لعل من الغريب أن الأمريكيين الذين اختاروا ترامب قبل 4 سنوات، ينحازون اليوم لرئيس جديد يناقضه تماماً، حيث إن لغة بايدن في الخطاب السياسي لغة رجل يريد أن يوحد الأمة الأمريكية من دون تمييز بين أتباعه، وأتباع خصمه، وألا يتعامل مع الأمريكيين، ولا غيرهم على أساس عدائي، بل ووصل إلى حد الإعلان في أول خطاب له بعد الفوز على تمثيل الأقليات في فريقه المعاون، وهي المرة الأولى التي يتعهد فيها رئيس أمريكي بذلك. 
بايدن سياسي مخضرم، ودبلوماسي من الطراز الأرفع، ويعلم جيداً كيف يمكنه كسب الرأي العام المحلي، والعالمي، وكيفية ترميم الشروخ التي تركتها سنوات ترامب الأربع على المجتمع الأمريكي، وعلى علاقات الولايات المتحدة بالدول المختلفة، من دون الخروج على الثوابت الأمريكية التي خرج عنها ترامب مراراً. 
لا يكفي القول إن أمريكا ستتغير بعد تنصيب الرئيس الجديد، لأن «أمريكا بايدن» ستنقلب على «أمريكا ترامب» التي انقلبت بدورها على «أمريكا أوباما» من قبل، ولن يكون الهدف من الانقلاب الجديد تصفية حسابات بقدر ما سيكون انقلاباً «تصحيحياً» يضع في الحسبان استعادة قيم الديمقراطية الأمريكية، وتصحيح واجباتها كقائدة للعالم، وذلك تجاه وباء مثل «كورونا» يستلزم توحد العالم للقضاء عليه، وتجاه تحديات التغير المناخي والعودة لاتفاقية باريس للمناخ، وفتح أبواب أمريكا أمام من أغلقها ترامب في وجوههم، في محاولة لإظهار الولايات المتحدة في صورة الكبير القادر على احتضان الجميع، باستثناء «المارقين»، و«المتمردين»، سواء من الدول، أو الجماعات، أو الأفراد. 
 كل الدلائل تشير إلى أن ترامب سيخرج من البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل، بعد حسم الجدل القائم حالياً، ولكن لا يمكن إنكار أنه أضاف إلى العلوم السياسية مدرسة جديدة في الحكم وهي «المدرسة الترامبية» التي سار على نهجها بعض الرؤساء، وسيسير على نهجها آخرون في المستقبل، سواء في أمريكا، أو غيرها.