قوّة السلاح بتوفّر الذخيرة...بقلم: سامر يحيى

قوّة السلاح بتوفّر الذخيرة...بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ١٦ نوفمبر ٢٠٢٠

 يُقال إن الارجنتينيين قاطعوا شراء "البيض" بعد ارتفاع أسعاره، مما أجبر التجار على تخفيض سعره، فأصرّ المواطنون على المقاطعة حتى اضطر التجار لبيع "البيض" بربع سعره قبيل المقاطعة الشعبية.
 دون الدخول بمصداقية القصة ونجاعة تأثيرها، علينا التمييز بين المقاطعة لأهدافٍ وطنية وسياسية، كمقاطعة الكيان الصهيوني الذي يحتلّ الأرض العربية وهو واجب وطني وقومي وانساني وديني، ومقاطعة منتجات دولةٍ ما لتعدّيها على رمزٍ مقدّس، أو مقاطعة منتجٍ لارتفاع سعره أو احتكاره من قبل ضعاف النفوس، والتي يتم استغلالها من قبل علم أساليب الدعاية والتسويق والاعلانات التجارية الذي انتشر في الولايات المتحدة في ستينات القرن الماضي، الهادف للسيطرة على الوعي الجمعي للشعب الأمريكي، وانتقل لُيستخدم من قبل حملات العلاقات العامة والدعاية والإعلان على مستوى العالم، ويتطوّر بتطوّر العلم، بل سخّر هؤلاء  كل أبحاثهم ودراساتهم للاستخدام الأمثل لأدواتهم، والتي كان من نتاجها تطوير وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، حتى استطاعوا الوصول لهدفهم باستقطاب العقول، وجعلت كل مواطن يعتبر نفسه محللاً سياسياً واقتصادياً وتجارياً، وخبرةً أكثر من المؤسسات الحكومية، دون قيامه بجزءٍ من دوره، بل عادةً ما يكون تعطيليٍ عبر توسيع الفجوة، مقابل تقصير المؤسسات الحكومية وتجاهلها أنّ دعم الاستثمار والإنتاج الصناعي والزراعي وحتى الخدمي عملية تراكمية متكاملة مدروسة من كافّة الجوانب، لتحقّق النجاح والنهوض بالمهام على أكمل وجه، أو دراسة الموضوع من جهة واحدةٍ وتجاهل بقية جوانبه، دون البحث والتمحيص والتدقيق الوافي، والاكتفاء بالإشادة استناداً لمقوّمات تنظيرية وهمية، لكنّها على أرض الواقع عكس ذلك تماماً، وتجاهل وسائل الإعلام الدور المنوط بها لنشر الوعي المجتمعي، واستقطاب الجمهور باعتبارها صلة وصلٍ بين المؤسسات الوطنية والمواطن، وليست مجرّد ناقلاً لأخبار المؤسسة، أو تسليط الضوء على مشكلةٍ يعاني منها المواطن، بالإضافة الى استثمار خبرات وجهود وأفكار العاملين كلٌ ضمن مهامه والبيئة التي يعمل بها، التي تؤدي لاستقطابٍ جمهور المؤسسة الداخلي والخارجي، والاستثمار الإيجابي والتوجيه السليم، ليكون الجميع عنصراً منتجاً ضمن نطاق عمله.
 إنّ تقصير المؤسسات الحكومية بالقيام بدورها المنوط بها، أضاع كل الجهود التي تبذلها، وحمّلها مسؤولية حتى ما خلّفه الإرهاب والحصار، وباتت التصريحات الإعلامية التي يدلي بها المسؤول أو القرارات التي تصدر، سلعةً مجانية بيد أعداء الوطن، لتحويل العامل والجمهور لناقمٍ سلبيٍ، وغرس فجوةٍ بين الوطن والمواطن، وتحويل المواطن ليكون سلعة بيد الآخر، أو صوت له دون وعيٍ، وباتت الشفافية والصراحة والوضوح وما شابه من مصطلحات تنعكس سلباً على العمل المؤسساتي لا تصبّ لصالحه.
إن المقاطعة لبعض المنتجات، لن تؤتي ثمارها، كما هو النقد والانزعاج والشفافية التي للأسف فهمت خطأً من قبل البعض، وتحوّلت لعاملٍ إضافي وحجّة للتهرّب من المسؤولية الوطنية واستنهاض الهمم واستثمار الجهود لمضاعفة الأداء وزيادة الإنتاج، وغياب ضابط الإيقاع عن دوره المنوط به لاستثمار كافّة الجهود في كلّ القطّاعات الزراعية والإنتاجية والخدمية، وعندها تلقائياً سيقف المواطن إلى جانب مؤسساته، ويقدّر ظروف عملها وصعوبته، وعندها لا حاجة لها لأن تطلب منه الصمود وهو لا يملك ثمن سدّ رمق العيش، بانتظار مساعدةٍ من هنا أو هناك، لا سيّما غالبية المساعدات تأتي منقوصة، وتصبّ عائداتها لجيوب الانتهازيين ومستغلّي الأزمات، بدلاً من أن تتم قوننتها بالشكل السليم الذي يؤدّي للهدف المنشود منه، ونؤمن معاً أنه لا يمكن لقطّاع مهما يبدو لنا مستقلاً إلا بالتعاون مع القطّاعات الأخرى، ودون توفّر مقوّماته الخدمية والطاقوية وغيرها... فليس بالتنظير والمناشدة ونظم المقالات ونشر التصريحات نستقطب المواطن، إن لم يجد بوادر عملٍ حقيقية على أرض الواقع، لأنّ ما تقدّمه المؤسسة الحكومية من أجل دعم موارد الطاقة ومقوّمات الإنتاج ـ بغض النظر عن الإطار الذي تقدّم من خلاله ـ ما هي إلا جزءٌ أساس من مضاعفة عملية الإنتاج، وتوفير القطع الأجنبي والاحتياجات الأساسية، فالتأمين المستدام لموارد الطاقة مهما كانت رقمياً تشكّل عبئاً على الميزانية لكنّها تحقّق أرباحاً حقيقية وفعلية تعادل أضعاف الربح الرقمي الوهمي على أرض الواقع، مادياً ومعنوياً، وتضاعف العملية الإنتاجية، فكم لدينا من أبوابٍ لسدّ النفقات الوهمية، واستثمار الموارد الحقيقية، وضبط الهدر، يحقّق أضعاف ما نوفّره... فشتّان بين إدارة النقص التي تؤدي لاستثمارٍ أمثل للموجود، وتأمين البدائل التي تساهم في ديمومته وعدم انقطاعه، وبين الإدارة بالنقص التي تكتفي بتوزيع الموارد المتوفّرة وتسلّم بالأمر الواقع والعمل الروتيني، بعيداً عن العمل بجدّية ومسؤولية وطنية، والبحث عن حلول.
إننا أحوج ما نكون للتزوّد بالذخيرة التي تجعلنا أقوى، وتساعدنا على تعزيز الايمان والانتماء للوطن، وتوفير كلّ مقوّمات الصمود بتوفير منتجٍ وطني متقن، وإيجاد بدائل منافسةٍ، واستثمار المؤسسات بشكلٍ فعليٍ، واستنهاض جهود العاملين لدى الشركات المتخصصة التي للأسف منذ فترة لم نعد نسمع بها رغم أهميّة تفعيل دورها، بعيداً عن التفكير بحلّها أو دمجها أو تخصيصها، وأن تبدأ تلك الشركات من نفسها وضمن الإمكانيات المتاحة لها، واستثمار جهود العاملين لديها، وعندها تصبح عملية تبادلية الرأي والمقترح من قاعدة الهرم، وصولاً للأوامر والقرارات والتوجيهات التي تنظّم العمل التي تأتي من قمّة الهرم المؤسساتي، بدلاً من التهرّب بتشكيل لجانٍ، وعادةً ما تكون شخصانية، بعيدة عن التخصص المفترض مناقشته، رغم وجود الكفاءات والإمكانيات والقدرة على النقاش والحوار مع كافّة الأطراف من أجل الوصول لأسمى نتائج، وبالتالي نعالج كلّ المشكلات، ويتقبّل المواطن عدم القدرة على حلّ الآخر ويقدّر الظروف، وبالتالي نقطع الطريق على كل من يحاول استغلال التبريرات والتصريحات ويدسّ السم بالدسم ويستغلها ضد الوطن، وبث اليأس في عقول أبناء الوطن وتشويه سمعة المؤسسات الوطنية رغم كل ما تقوم به متحديّة الحصار والإرهاب والضغوطات من كلّ الاتجاهات.
إن السلاح مهما كان فاعلاً لا يمكن له أن يؤتي هدفه إن لم يكن مزوّداً بذخيرةٍ ووسائل تمدّه باستمرارية أدائه، فكيف بسلاح الإنتاجية والعلم والثقافة والابتكار والابداع والعمل الجديّ على أرض الواقع، الذي يجب أن نحسن تذخيره بدراسته من كل الجوانب باستدامة وواقعية، لتعزيز الولاء والانتماء الوطني، والانطلاق بقوّة ومشاركة الجميع في إعادة إعمار بلدنا رغم كل التحديّات والصعوبات ومحاولات إعاقة كل خطوةٍ للتقدم والنجاح..