بين إردوغان وبايدن طريق مسدود.. هل يحسم بوتين؟

بين إردوغان وبايدن طريق مسدود.. هل يحسم بوتين؟

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٧ سبتمبر ٢٠٢١

مع انتظار الرد الأميركي على اتهامات إردوغان لبايدن، بات واضحاً أنَّ علاقات الرئيسين الشخصية وصلت إلى طريق مسدود قد يضع الأول في موقف حرج جداً.

قبيل مغادرته أنقرة (20 أيلول/سبتمبر) متوجّهاً إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعث الرئيس رجب طيب إردوغان العديد من الرسائل الإيجابية إلى الإدارة الأميركية والرئيس جو بايدن شخصياً، مذكراً "بلقائهما المهم والتاريخي في بروكسل في 14 حزيران/يونيو الماضي".

 وفي اليوم التالي لوصوله إلى نيويورك، تحدث في اجتماع اللجنة الوطنية الأميركية - التركية (TASC)، وقال "إنَّ تركيا وأميركا دولتان حليفتان وصديقتان بقيم ومصالح مشتركة وماضٍ عريق". 

وبعد يوم، وفي حديثه إلى مجلس رجال الأعمال التركي - الأميركي، عاد إردوغان ووصف علاقات بلاده بأميركا بأنها "علاقات التحالف الاستراتيجي المتينة منذ 70 عاماً"، وقال: "لقد ساهمت هذه العلاقات ذات الأسس المتينة والعريقة في تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في العديد من مناطق العالم".

وقد جاءت المفاجأة خلال حديثه إلى الإعلاميين الأتراك المرافقين له، وقبل ساعات من مغادرته أميركا، إذ قال: "مع الأسف، وبعد 19 عاماً من وجودي في السلطة، وصلت العلاقات التركية مع أميركا إلى نقطة سيئة. الآن، مسار هذه العلاقات ليس على ما يرام. وللتذكير، عملت مع الرئيس بوش الابن، ومن بعده أوباما، ومن ثم ترامب، وكانت علاقاتي معهم جيدة جميعاً، ولكن لا أستطيع أن أقول إنّ البداية مع بايدن إيجابية".

وفي اليوم التالي لعودته إلى تركيا، وبعد صلاة الجمعة في إسطنبول، كان إردوغان هذه المرة أكثر شدّة في استهدافه الرئيس بايدن، فاتهمه "بدعم الإرهابيين (المقصود بهم وحدات حماية الشعب في سوريا) وتقديم كلّ المساعدات لهم"، مشيراً إلى "أن تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي حيال هذا الموقف العدائي".

ولم يهمل التطرق إلى لقائه المرتقب مع الرئيس فلاديمير بوتين في 29 الشهر الجاري، وربما نكايةً بالرئيس بايدن، فقال: "ما أتوقعه من الرئيس بوتين هو موقف مغاير. أنتظر موقفاً مختلفاً من روسيا في سوريا، لأنَّها دولة صديقة، وما علينا إلا أن نعمل معاً في سوريا. من الواضح أنَّ أميركا لم تعد مؤثرة في سوريا، بل إنَّ تركيا وروسيا وإيران هي الدول المتواجدة فيها، وعلينا أن نعمل معاً لتحويل هذا البلد إلى ساحة للسَّلام".

أقوال الرئيس إردوغان المتناقضة أثارت نقاشاً واسعاً على الصعيدين الإعلامي والسياسي، إذ اتهمته أحزاب المعارضة "بالإساءة إلى سمعة الدولة والأمة التركية وكرامتها وشرفها". وقال المتحدث باسم حزب "الشعب" الجمهوري فائق آوزتراك "إنَّ الرئيس بايدن الذي التقى العديد من الزعماء رفض لقاء إردوغان، ولو لدقائق، رغم الوساطات المتعددة، وهو ما كان كافياً لغضب إردوغان الذي هدَّده وتوعده، ولكن دون أن يجرؤ على اتخاذ أيّ موقف عملي ضد أميركا". 

سفير تركيا السابق في واشنطن فاروق لوغ أوغلو ذكّر بمواقف الرئيس بايدن السلبية السابقة تجاه إردوغان، إذ أكد في حديثه إلى "نيويورك تايمز" في نهاية العام 2019 "ضرورة التخلّص منه عبر دعم المعارضة الداخليّة"، بعد أن وصفه بأنه "استبدادي".

وقال: "رغم جميع محاولات إردوغان، رفض بايدن الاتصال به حتى 23 نيسان/أبريل الماضي، ليقول له إنه سيعترف غداً بالإبادة الأرمنية، من دون أن يرد عليه إردوغان بالشكل الذي يستحقه، بل استمر في مساعيه الدؤوبة للقائه، وهو الذي استقبله في بروكسل على هامش القمة الأطلسية في 14 حزيران/يونيو الماضي، ليطلب منه إرسال الجيش التركي إلى أفغانستان، وهو ما وافق عليه آنذاك". 

رئيس تحرير قناة "Tele1" الإخبارية ماردان ينارداغ "استبعد أيّ تفاهم أو حوار إيجابي بين الرئيس بايدن وإردوغان"، وقال: "كانت هناك العديد من المؤشرات السلبية التي يبدو أنَّ إردوغان لم يدرك معانيها، فقد رفض البيت الأبيض قبول أوراق اعتماد السفير التركي الجديد في واشنطن مراد مرجان، وجعله ينتظر 7 أشهر، فقام بتسليم كتاب الاعتماد في آذار/مارس الماضي لمسؤول في الخارجية الأميركية، والذي التقاه في مطعم، وليس في مكتبه".

الصحافي أرك أجار أر استغرب "حديث الرئيس إردوغان عن علاقاته الجيدة مع الرؤساء السابقين"، وقال: "بوش الابن هو الَّذي أمر بأسر العساكر الأتراك في تموز/يوليو 2003 في شمال العراق، كردِّ فعل على رفض البرلمان التركي آنذاك نشر القوات الأميركية في تركيا، وأوباما ونائبه بايدن اتهما إردوغان بدعم الإرهابيين في سوريا، وحمّلاه ومعه السعودية والإمارات مسؤولية الوضع فيها. أما ترامب، فقد هدَّده وتوعده في أكثر من مناسبة، وأرسل إليه رسالة مهينة جداً في تشرين الأول/أكتوبر 2019، ولكنه لم يرد عليه". 

خلاصة الكلام، ومع انتظار الرد الأميركي، كلاماً وعملاً، على اتهامات إردوغان لبايدن، بات واضحاً أنَّ علاقات الرئيس التركي الشخصية بالرئيس الأميركي وصلت إلى طريق مسدود قد يضعه في موقف حرج جداً، ما لم يتراجع الأخير عن هذا الموقف لسبب ما، وهو ما يفسّر مساعي إردوغان للاستنجاد بالرئيس بوتين.

كلّ ذلك وسط المعلومات التي تتحدث عن حوار أميركي - روسي إيجابي على المستوى العسكري، بعد لقاء رئيسي أركان كلا البلدين في هلسنكي الأربعاء. ويتوقَّع البعض لهذا الحوار أن يساهم في اتفاق روسي - أميركي حول الوضع في سوريا، مع احتمالات الانسحاب الأميركي من شرق الفرات قبل الانسحاب من العراق أو بعده، وفي ضوء نتائج الانتخابات العراقية الشهر القادم، وبالتالي آفاق العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. 

ويفسر ذلك أيضاً حديث إردوغان عن "التأثير التركي – الروسي - الإيراني في سوريا"، وذلك في محاولة تكتيكية جديدة منه لخلق توازنات جديدة في سوريا والمنطقة عموماً، وخصوصاً بعد الفتور الفرنسي مع أميركا وبريطانيا، بموازة اللقاء الأول بين وزيري الخارجية المصري سامح شكري والسوري فيصل مقداد، وهو الأول منذ 10 سنوات، إضافة إلى زيارة رئيس الأركان السوري إلى الأردن، وهو أيضاً الأول من نوعه منذ 10 سنوات. 

وترى أنقرة في هذه اللقاءات وتحركات أخرى قادمة مؤشراً جديداً ومهماً على تغييرات محتملة ومثيرة في سوريا والمنطقة، ستشكّل خطراً على حساباته الإقليمية والدولية، وسط الحديث عن مساعٍ مختلفة لإعادة ترتيب أمور المنطقة على أساس الحوار والتنسيق والتعاون المشترك بين دولها التي يقال إنها جميعاً (بما فيها الكيان الإسرائيلي) مستعدة لذلك، ولكن بعد إقناع إردوغان أو إجباره على التخلي عن نهجه الحالي ليكسب ويرتاح الجميع، وفي مقدمتها تركيا. 

قد يدفع مثل هذا الحديث الرئيس بوتين إلى وضع النقاط على الحروف، وهذه المرة بشكل نهائي، في ما يخص الوضع في إدلب أولاً، والحضور العسكري التركي عموماً في الشمال السوري ثانياً، وخصوصاً بعد أن خسر إردوغان حليفه الاستراتيجي واشنطن، بعد أن عبّر عن خيبة أمله من الرئيس بايدن، الذي كان يتمنى أن يساعده في مواجهته الضغوط الروسية، وخصوصاً بعد أن اتخذ مواقف معادية لموسكو في العديد من الساحات، ومنها البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى، معلناً تأييده الاستراتيجي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، مستعجلاً بيع طائراته المسيّرة للدول التي تتحدّى موسكو وتعاديها، من دون أن يهمل إردوغان في نهاية المطاف، وفي حديثه عن لقائه المرتقب مع بوتين (ربما لحفظ ماء الوجه)، مناشدة موسكو "لتغيير نهجها في سوريا"، بعد أن "اعتبر النظام في سوريا خطراً على حدود تركيا الجنوبية".

وبانتظار ردّ الرئيس بوتين على سياسات إردوغان التي تتصف بالتناقض، ليس فقط في في ما خص العلاقة الواسعة والمتنوّعة مع روسيا والوضع في سوريا، بل حول الاحتمالات المستقبلية للدور التركي في المنطقة عموماً أيضاً، وهو ما سيحسمه الحوار الروسي - الأميركي الذي كان السبب الأهم في غضب إردوغان من بايدن، وكان يتمنى له أن يساعده أيضاً لتجاوز أزماته الداخلية الخطيرة سياسياً واقتصادياً ومالياً. هذا بالطبع إن لم تكن هناك خفايا أخرى قالها مستشار الأمن القومي الأميركي جيك ساليفان لإبراهيم كالين، مستشار إردوغان، خلال لقائه في واشنطن (الأربعاء)، بعد أن رفض بايدن لقاء إردوغان في نيويورك أو البيت الأبيض، مرجّحاً عليه قبل ذلك العديد من الزعماء، ومنهم العاهل الأردني عبد الله ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وحتى الرئيس الأفغاني المخلوع أشرف غني قبل فترة قصيرة من هربه من كابول