«كورونا».. الكارثة عامّة لو كانوا يعلمون.. بقلم: الهاشمي نويرة

«كورونا».. الكارثة عامّة لو كانوا يعلمون.. بقلم: الهاشمي نويرة

تحليل وآراء

الاثنين، ٨ نوفمبر ٢٠٢١

أعلنت منظمة الصحّة العالمية، الجمعة الماضي، أنّ العالم يشهد موجة خامسة من انتشار وباء «كورونا» وخصّصت المنظمة الدولية، الحديث عن أوروبا، بالتأكيد على أنّ هذه البقعة من الأرض، سيعصف الوباء فيها بقرابة 500 ألف شخص.
وبالتدقيق في بيان منظمّة الصحّة العالمية، تبيّن أنّ الدول المعنية بالنسبة الكبيرة من الرقم المعلن، هي الدول التي شهدت أضعف النسب في التطعيم، وهي بالأساس روسيا وأوكرانيا وبولندا، وعدد آخر من الدول الشرقية، ومن الدول المعنية كذلك، بأن تشهد أكبر النسب من ضحايا الجائحة، تلك التي تهاونت وتردّدت في اتخاذ الإجراءات والتدابير الوقائية، لمنع انتشار الوباء.
الاستنتاج الأول إذن، هو: أنّ التقدّم في عملية التطعيم أو التلقيح، مثّل ويمثّل الضمانة الأساسية، والحاجز الأوّل للحدّ من انتشار وباء «كورونا»، والتقليل من تداعياته السلبية على حياة البشر بصفة عامّة، وبالتالي، وقعت الدعوة إلى اتخاذ كافة التدابير، من أجل التعجيل بوتيرة التطعيم.
الاستنتاج الثاني هو: أنّ القناعة باتت راسخة لدى الدول الغربية، والدول الكبرى عموماً، بأنّ تعميم التطعيم على كلّ دول العالم، يبقى الضمانة الحاسمة للقضاء على الوباء، وهو الحاجز الذي لا محيد عنه، من أجل التصدّي الجماعي لجائحة أثّرت بشكلٍ سلبي ومباشر في كافّة الأنشطة الإنسانية، وفي النشاط الاقتصادي بصفة خاصّة.
ومعلوم أنّه لو مسّت هذه الموجة الخامسة من الوباء، الدول معدومة الإمكانات، ستكون الأرقام كارثية.
ورغم هذه الاستنتاجات، لا يبدو أنّ قرارات الدول الغربية (الأوروبية تحديداً)، كانت في مستوى تحدّيات المرحلة، ذلك أنّ نسبة التطعيم في عدد هامّ من الدول الأفريقية والآسيوية، وحتى بعض الدول العربية، تراوح بين 1 و14 في المئة من نسبة السكان، في حين أنّ النسبة العامّة من التطعيم، تراوح بين 26 في المئة (تطعيم كامل)، و35 في المئة (تطعيم جزئي)، في مجمل دول العالم، وهو ما يعني أنّ البشرية لا تزال بعيدة كلّ البعد عن الأهداف واجبة التحقيق، حتّى تتجاوز محنة هذا الوباء.
وهذا الأمْرُ يفرض بكلّ جدّية، المطالبة بواجب تعميم التطعيم والتلقيح، وهو ما ينسجم مع حقوق الإنسان الأساسية، التي تمكّنه أينما كان من حياة كريمة، وهذه الحقوق هي: الحقّ في الحياة، وفي الغذاء، وفي الصحّة، وفي التعليم، وفي الحرّية.
وبالرغم من أنّ بعض الدول التي سمحت إمكاناتها بذلك، قامت بجزء من هذا الواجب تجاه الدول معدومة الإمكانات، إلّا أنّ هذا الواجب، هو موكول بالأساس لمنظمة الأمم المتّحدة، وللمنظمات الأممية المختصّة، وهي الجهات التي تمتلك آليات فرض ذلك على الجميع، إذا توفّرت بالطبع الإرادة لدى بعض القوى المتحكّمة في مصير هذا النظام العالمي.
وتبيّن الشواهد التاريخية، أنّه إذا تعلّقت همّة بعض هذه القوى بتحقيق بعض أهدافها، جنّدت من أجل ذلك، كلّ ما يوفّره القانون الدولي، وكذلك موازين القوى الدولية على الأرض، لخدمة هذه الأهداف.
وإذا كانت كلّ الحقوق لا تستوي بالضرورة في منظور الغرب، فإنّ بعضها على الأقلّ حظي باهتمام كبير، ومن ذلك، ما له علاقة بالحقّ في الحريّة
وقد لا يختلف اثنان في أنّ الحقوق في الغذاء والتعليم والصحّة، ارتدّت في الغالب إلى مراتب ثانوية في اهتمامات الدول المتحكّمة في مصير النظام العالمي، ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو ما يترجمه استمرار وجود المجاعة والأوبئة، وتدهور النظم التعليمية في عدد من دول العالم، نتيجة سياسة تجفيف منابع المنظمات الدولية المختصّة، ومنها «اليونيسكو»، ومنظمة إغاثة اللاجئين.
وفي المقابل، لم تترك هذه الدول أيّ طريق إلّا وسلكته، من أجل فرض «حقّ التدخّل الإنساني»، في الدول التي تزعم أنها لا تحترم حقوق الإنسان السياسية، وكذلك إلزام باقي دول المعمورة، باعتماد نمط سياسي على مقاسها، استناداً لما تسميه في أدبياتها بـ «المشروعية الديمقراطية».
إنّ العالم، كلّ العالم، ينزع بالتأكيد إلى الحرّية والديمقراطية، وهو يتّجه رأساً إلى تحقيق هذه القيم، بعيداً عن بعض المحاولات المسمومة في تجميع مَنْ مِنَ الدول خضع للإملاءات والموديلات الديمقراطية الجاهزة، إلّا أنّ اختيار النموذج، يجب أن يبقى من المسائل السيادية الراجعة لكلّ دولة.
وإنّ هذا العالم، يعي كذلك، وبنفس مكانة الحرية لديه، أنّ الحقوق الأخرى (التغذية والتعليم والصحّة)، الضامنة لكرامة البشر، يجب أن يُنظر إليها بالجدّية المطلوبة، لأنّ مصير الإنسان واحد، وإن تعدّدت لغته، واختلف لونه وعرقه وجنسه، وموقعه على الأرض، وكذلك، فإنّ الكارثة لو حلّت بمكان، أو هي مسّت أمّة من الأمم، ستكون عامّة، لو كانوا يعلمون.