الكتابة مزاج وروح وكيمياء.. بقلم: يوسف أبو لوز

الكتابة مزاج وروح وكيمياء.. بقلم: يوسف أبو لوز

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٤ ديسمبر ٢٠٢١

في يوليو 2007، أجرت «ماغزين ليترير» حواراً مع الروائي التركي أورهان باموك، بعد فوزه بنوبل بعام واحد، حيث حصل على شهرة واسعة في بلده وفي العالم، شأنه شأن أي فائز بنوبل، يجد نفسه في دائرتي الضوء الإعلامي والمال. لكن الأمر لا يتوقف عند الشهرة والثراء، بل، يصبح الفائز النوبلي عالمياً في لحظة الإعلان عن الجائزة، أما منصّة هذه العالمية فهي الترجمة، حيث تتراكض دور النشر لعقد صفقات لترجمة كتب الفائزين إلى لغات العالم.
قال باموك في ذلك اللقاء إن كتبه تُرجمت إلى 34 لغة حول العالم، وارتفعت مبيعاته في تركيا إلى 200.000 نسخة، وله كتب رائجة في الصين، وبإمكانه القول بكل بساطة إذ أصبح عالمياً إنه لا يعتبر نفسه في خدمة أية قضية.
توقفت عند عبارة لافتة على نحو شخصي على الأقل قالها باموك على نحو عرضي سريع. قال إنه إذا كتب صفحة واحدة في اليوم، فذلك أمر كافٍ لأن يكون سعيداً.
يبلغ باموك الآن من العمر 69 عاماً (مواليد 1952) ويبدو من سيرته أنه لم يتزوّج. أولى رواياته صدرت في 1982 بعنوان «جودت بك وأبناؤه»، ويتردد في الإعلام الثقافي - العربي والعالمي - عنوان روايته «اسمي أحمر».
صفحة واحدة في اليوم يكتب باموك الاستامبولي تماماً، المولود في بيت كلّه سجّاد وسط عائلة مثقفة، ووفق هذا المعدّل الكتابي اليومي، فمن الطبيعي أن تكون رواياته قليلة، وحين فاز بنوبل في العام 2006 لم يكن قد أصدر أكثر من عشرة كتب.
لا تُقاس الكتابة وجودتها وقيمتها بآلاف الأوراق أو مئات الروايات والمجموعات الشعرية، بل تقاس بالجوهر والمعنى والشخصية الثقافية والأدبية.
قال باموك إنه عاش في بيت استامبولي كلاسيكي فيه الكثير والجميل من السجّاد، ولعلّ صناعة السجاد نفسها تعلم الكاتب التأنّي في الكتابة. صفحة في اليوم الواحد، مثل حياكة بطيئة للسجّاد في يوم واحد أيضاً.
طريقة باموك في الكتابة البطيئة المتأنية أو لنقل «الاسترخائية» تذكر القارئ بابن بلده الروائي يشار كمال، الذي قال في حوار قديم إنه يكتب ستة شهور متواصلة ومنقطعاً للكتابة خلالها بتركيز وكثافة، ثم يتوقف تماماً ستة شهور أخرى لا يفعل فيها شيئاً سوى عيش الحياة بكل ما فيها من مسرّة. وأخيراً، كما يقولون في المثل لكل درويش طريقته وزاويته.. باموك لم يصل إلى 15 رواية، وإبراهيم الكوني يقترب من المئة رواية، ومثل هذا التدفق لا يمكن أن يصدر عن روائي يكتب صفحة واحدة في اليوم.
.. هل من علاقة بين الخصوبة أو الغزارة في الكتابة، وبيئة الكاتب أو المكان الذي يعيش فيه؟ ربما.. هل يكتب روائيو وشعراء الصحراء والبحر مثلاً أكثر من أدباء المدن؟
ما العلاقة بين الغزارة في الكتابة والمكان وطبيعته الجغرافية والجمالية والنفسية؟ أسئلة قد تصدر عنها إجابات متفاوتة أو متناقضة، فالكتابة مزاج وروح ونفس، كيمياء صعبة ومعقّدة لا يمكن أن تخضع إلى تفسير وتحليل بعينه.
 الكتابة إلهام.. حدس.. رؤية.. شغف.