الهروب من الأرق.. بقلم: حسن مدن

الهروب من الأرق.. بقلم: حسن مدن

تحليل وآراء

الأحد، ١٩ ديسمبر ٢٠٢١

كيف أن نأتي على ذكر الأرق دون أن نذكر أبا الطيب المتنبي، والمطلع الشهير في قصيدته القائل: «أرقٌ على أرقٍ ومثلي يأرقُ/ وجوى يزيد وعبرة تترقرقُ/ جهدُ الصبابةِ أن تكون كما أرى/ عينٌ مُسهدةٌ وقلب يخفق».
والجوى هو «شدّة الشوق وما يُورثه من حزن»، وليست الصبابة ببعيدة عن هذا المعنى، فهي الشوق نفسه، برقته وحرارته. مثل المتنبي هم من يأرقون بسبب الجوى والصبابة، فتترقرق من العيون الدموع، ويخفق القلب، أليس هو القائل: «ومثلي يأرق»، وأرقه طبقات، طبقة فوق طبقة: «أرق على أرق».
ليس كل من يصابون بالأرق مثل المتنبي. قد يكون الأرق بعيداً عن الجوى والصبابة والعبرات المترقرقة والقلوب الخافقة. قد يكون السبب تافهاً جداً، كشرب كميات زائدة من الشاي أو القهوة أو سواهما من المنبهات. وقد يكون سبباً لا حيلة لنا فيه كألم لا يحتمل في أحد مواضع الجسد، وقد يكون ناجماً عن شواغل باعثة على القلق والخوف تطرد النعاس من الأعين، وتبقينا يقظين مُكرهين.
ماذا يفعل الواحد منا حين يصاب بالأرق ولا يجد سبيلاً للنوم مهما حاول؟
هناك نصائح كثيرة معتادة، كالاستماع إلى موسيقى هادئة عساها تخفف ما يعانيه المصاب بالأرق من توتر، وتحمله إلى النوم دون أن يشعر بذلك، لكن قد لا تفلح الموسيقى في حمل الجميع على النوم، ومع ملازمة هواتفنا النقالة لنا ونحن على أسرّة نومنا، فإن أيادينا ستندفع تلقائياً نحوها لتصفح ما «تجود» به، من مكارم أو ترهات، وربما يشغلنا ما نطالعه عما سبب أرقنا، لكنه لن يأخذنا إلى النوم بالضرورة؛ بل بالعكس قد يطيل أمد الأرق.
لكن حلاً يبدو غريباً وباعثاً على الفضول تم التوصل له في هونج كونج، هدفه تحديداً مساعدة الذين هرب منهم النوم، كي يناموا، والفكرة تكمن في تسيير حافلات تسير دون وجهة محددة، يصعد إليها ضحايا الأرق، خصوصاً في ظل جائحة «كورونا».
التقرير الذي أورد هذه المعلومة تحدث عن حافلتين كبيرتين من طابقين، واحدة هادئة تتيح لركابها النوم، أما الثانية فسياحية أكثر تُمكّن من الاستمتاع بالمناظر الطبيعية خلال الرحلة، وينضم إلى الرحلتين أناس من مختلف الأعمار؛ حيث تجد بينهم أطفالاً متحمسين أو أشخاصاً متقاعدين غزا الشيب شعرهم، وتقطع رحلة الحافلتين نحو 85 كيلومتراً؛ حيث تنطلقا من وسط المدينة، قبل سلوك الطرقات الساحلية السريعة.
وبينما يتمتع البعض بالمناظر التي تمر الحافلة بجوارها، يجهّز آخرون أنفسهم بسماعات عازلة للصوت وأقنعة حاجبة للضوء، ويخلدون إلى النوم لساعات الرحلة البالغة خمساً، التي تتخلل وقفات في مواقع سياحية عدة.