أي الكوارث تهدد الوجود البشري.. حقاً؟.. بقلم: محمد عاكف جمال

أي الكوارث تهدد الوجود البشري.. حقاً؟.. بقلم: محمد عاكف جمال

تحليل وآراء

الأحد، ٢٠ فبراير ٢٠٢٢

الحرب ظاهرة معروفة منذ فجر التاريخ أداة تحصد أرواح البشر، إلا أنها رغم ذلك لم تصبح في ذاكرة الشعوب التي ذاقت عذاباتها بهذا القدر أو ذاك السبب الرئيسي للويلات التي أحاقت بها، بل كانت كوارث أخرى هي من صنع ذلك مثل الجفاف والفيضانات والزلازل والأعاصير والآفات الزراعية، وبشكل خاص الأوبئة التي لم تقتصر على الإنسان، بل تجاوزت ذلك إلى النبات والحيوان كذلك، فقد خبر أسلافنا شدة عدوى وسعة انتشار أوبئة مثل الكوليرا والطاعون والسل والجدري.
الكوارث التي عانت منها البشرية بعضها طبيعية وأخرى من صنع الإنسان نفسه، النوع الأول كان الأكثر تأثيراً. لنا أن نتوقف قليلاً عند بعض المحطات المهمة في التاريخ البشري، حيث حصدت الأوبئة أعداداً هائلة من البشر تتجاوز عشرات الملايين على الرغم من صعوبة الاقتناع بيقينية ما ورد في كتب التاريخ من أرقام على الضد، مما هو موثوق به في زمننا الحاضر.
إلا أننا لم نعد نتحسب كثيراً لمخاطر الأوبئة منذ جاء عالم الأحياء الدقيقة الفرنسي لويس باستور في النصف الأول من القرن التاسع عشر وحدثنا عن كائنات لا ترى بالعين المجردة سميت فيما بعد «الجراثيم» وألزمنا بمبدأ «بسترة الحليب» لوقاية أطفالنا وأدخل في قاموسنا الصحي مصطلح «اللقاح»، وجاء علماء آخرون من بلدان أوروبية عدة في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ليخبرونا بوجود كائنات من الصعب اعتبارها «كائنات حية» لأنها لا تتكاثر إلا حين تسكن إحدى الخلايا في جسم الإنسان أطلق عليها تسمية «فيروسات» تعرفوا على وجودها في سياقات أبحاثهم.
ولكن هذه المعارف ذات الأهمية القصوى لم تستطع تحصين البشرية من الإنفلونزا الإسبانية التي حصدت بُعيد الحرب العالمية الأولى وبالتحديد في الفترة ما بين 1918 – 1920 ما يتراوح بين الخمسين والمئة مليون من أرواح البشر، فالتقنيات واللوجستيات لتحقيق الاستفادة مما تعرفنا عليه لم تكن قد نضجت بعد. ويبدو أنها لم تستطع تحصيننا ضد ما أحدثه وباء «كوفيد 19» الذي لم يكتفِ بحجم الملايين من البشر التي أخذها بل بالأضرار المادية الهائلة التي باتت الدول العظمى نفسها تنوء تحت أعبائها.
من جانب آخر، ألفنا على مدى عشرات السنين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية سماع علماء وسياسيين مرموقين يرددون في ندواتهم وتصريحاتهم عبارة خطيرة مفادها أن الأسلحة النووية هي من يمثل تهديداً حقيقياً للبشرية بالفناء وهي مقولة لا تخلو من صدق ولم تأتِ من فراغ خاصة بعد أن اطلعنا على ما فعلته قنبلتا هيروشيما وناكازاكي في السادس والتاسع من أغسطس 1945 من أهوال آنية وما خلفته من تداعيات استمرت فاعلية سلبياتها لعشرات السنين بعد ذلك. هاتان القنبلتان في ضوء الواقع الحالي ليستا غير لعبتين صغيرتين لا تغري أمراء السياسة ولا جنرالات الحروب التقاط مثيلاتهما عند وضع استراتيجيات المواجهات المحتملة. فهناك خزين هائل من القنابل النووية الحرارية التي تتفوق بقدراتها التدميرية عشرات بل مئات المرات على قنبلتي هيروشيما وناكازاكي والقادرة على تدمير كوكب الأرض مرات ومرات، والتي يتوافر منها الآلاف مودعة في مخازن جيوش الدول العظمى، وبشكل خاص لدى كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
الحروب الكبيرة وهي ليست مما يُستبعد وقوعها في ضوء ما نشهده من تشنجات في العلاقات الدولية، ستخضع لمدى تفوق القدرات الذهنية لهذا الطرف من الصراع أو ذاك ليس في توظيف الآلة الحربية التقليدية فحسب، بل بتوظيف ما كان يعد من صنع الطبيعة ولا سبيل لاتقاء مخاطره.
أخطر ما واجه البشرية منذ فجر التاريخ ولا يزال يواجهها «وجودياً» حتى يومنا الحاضر ليست الكوارث الطبيعية التي تمكن إنسان الماضي من امتصاص مخاطرها رغم مرارات مذاقاتها، وأصبح بقدرة إنسان الحاضر التنبؤ بقدومها وبحجمها ومن ثم التخفيف من تداعيات أغلبها، بل الكوارث المتأتية من الطموحات غير المشروعة التي يعتنقها البعض، والتي تتلخص في افتراض وجود شرعية للهيمنة على مقدرات الآخرين عبر الحصول على أسباب تحقيق ذلك بأحزمة «نووية» أو «كيماوية» أو «جرثومية» أو «فيروسية»، شرعية تكمن في مخيلة أفراد أو أقوام أو أحزاب أو حركات سياسية تجد تعاطفاً معها وتراجم لها في دراسات من يسهم في رسم استراتيجيات دول تُعتبر بعضها «دولاً عظمى».
* كاتب عراقي