قوّة العادة.. بقلم: د. حسن مدن

قوّة العادة.. بقلم: د. حسن مدن

تحليل وآراء

السبت، ٢ أبريل ٢٠٢٢

حين يجري الحديث عن العادات، تنصرف أنظارنا  قبل كل شيء  إلى ما هو متوارث ومستقر في سلوك الجماعات، كأن نقول: «يجب مراعاة العادات والتقاليد»، أو «إن لكل مجتمع عاداته وتقاليده». العادات هنا قرينة التقاليد كما نرى، ولكن العادات يمكن أن تكون شأناً فردياً خاصاً بكل واحد منا، لا علاقة مباشرة لها بعادات المجتمع وتقاليده، بمعنى أن كل فرد اعتاد نمطاً معيناً من العيش والسلوك خاصاً به، قد يشبه فيه آخرين، وقد لا يشبههم، وحتى أوجه الشبه هنا، قد لا تكون متطابقة.
عادات الفرد تتصل بتفاصيل حياته، بالطريقة التي يدير بها هذه الحياة، ومجمل سلوكه اليومي المألوف الذي ليس من السهل تغييره، فحين يدرك المرء أن بعض عاداته سيئة أو مضرة، وأن عليه التخلص منها، فإن المطلوب منه نوع من مجاهدة النفس، الذي قد يكون صعباً، على الأقل في بداياته، حتى يبلغ المرء المرحلة التي يبدأ فيها اكتساب عادات بديلة، حميدة، لتحل محل تلك التي جاهد للتخلص منها.
ينقل سلامة موسى عن أحد المختصين قوله، إن «العادة ليست طبيعة ثانية، كما هو المثل الجاري؛ إذ هي تزيد على الطبيعة عشر مرات». والعادة المعنية هنا، والتي تتغلب على الطبيعة، تشمل حسب موسى، عادات العمل وعادات الفكر، الجيد منها والسيئ، وفيها تندرج عادات من نوع «المشي والحديث والأكل والتفكير»، التي يعتادها المرء وتصبح لصيقة بشخصيته ما حَيِيَ.
الروائي الإيطالي ألبرتو مورافيا كتب في «الاحتقار»  إحدى رواياته المعروفة  كلاماً مهماً عما دعاها الآلية التي تتيح لنا أن نعيش بلا تعب يتجاوز الحد؛ لأننا إذ نقوم بالأمور الاعتيادية وبصورة روتينية، فإننا غالباً ما نفعل ذلك من دون تفكير أو لا نكون واعين لما نفعل؛ لأن «خطوة واحدة تتطلب تشغيل كمية من العضلات، ومع ذلك فنحن نقوم بها من غير أن نعي ذلك، بفضل الآلية»، يقول مورافيا.
حديث سلامة موسى عن العادات أتى في مقال حمل العنوان نفسه، تضمّنه كتابه «فن الحياة»، ونعلم مدى شغف موسى بهذا الموضوع وهو الذي كرس الكثير من مؤلفاته ليعلّمنا أن نحب الحياة، ونتعلم كيف نحياها بحب، حاثاً إيانا دائماً على تطوير مهاراتنا الذهنية والعناية بصحتنا البدنية، كي تكون حياتنا أجمل وأكثر متعة. وفي مقاله هذا يرى الرجل أنه بإمكاننا تعلم أو اكتساب عادات جديدة، بصرف النظر عن العمر الذي نحن فيه، وهو القائل إن غداً هو أول أيام عمرنا القادم.
اكتساب عادات جديدة حميدة يتطلب، بالمقابل، امتلاك أو اكتساب القدرة على مقاومة «قوّة العادة» التي ألفناها ونرغب في الخلاص منها.