آكلو البطاطا.. مقلية ومحمّرة ومقرمشة.. بقلم: يوسف أبو لوز

آكلو البطاطا.. مقلية ومحمّرة ومقرمشة.. بقلم: يوسف أبو لوز

تحليل وآراء

الاثنين، ١٨ أبريل ٢٠٢٢

كانت البطاطا، وما زالت إلى اليوم، الطعام الشعبي المُتاح وشبه اليومي للفقراء، أو تحديداً لناس الطبقة الوسطى في مجتمعات العالم، هذا إذا كان للآن من طبقة وسطى موجودة فعلاً في الترتيب الاقتصادي للشعوب، فهناك من يقول إن هذه الطبقة بالذات قد ذابت وانتهت تماماً على المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية في غالبية شعوب بلدان العالم التي تراوح بين طبقتين: طبقة متوحشة الثراء، تقابلها مباشرة طبقة متوحشة أيضاً ولكن في الفقر. وحتى الترتيب الاقتصادي الآخر الذي يحدد بلدان العالم الفقيرة بكونها بلدان العالم الثالث قد انتهى وتلاشى هو الآخر، فهناك كما يرى اقتصاديون وعلماء اجتماع عالمان فقط: عالم درجة أولى أو «سوبر ستار»، وعالم ممدد على بطنه من الجوع تحت خط الفقر.
ولكن، ما شأن كل ذلك بالبطاطا؟ هذه النبتة الدرنية تخجل من مزارعيها الفقراء فتنمو تحت الأرض بعكس التفاح المغرور، مثلاً، الذي يتفرعن، ويتباهى بحمرته وخضرته واصفراره، وينمو فوق الأرض بألوانه الثلاثة، فيما للبطاطا المسكينة لون واحد، ترابي أو ذابل. لون لم يستطع فان جوخ تحديده بالضبط حين رسم لوحته الشهيرة «آكلو البطاطا» في عام 1885 في بلدة تقع جنوبي شرق هولندا تدعى نوينين، ويبدو أن هذه البلدة التي عاش فيها جوخ حين كان في أول الثلاثين من عمره قد عرفت زراعة البطاطا على أيدي فلّاحين فقراء عاش بينهم صاحب «عبّاد الشمس»، الزهرة الصفراء المغرورة أيضاً حين نقرأ جيداً مدى التواضع وشظف العيش والفقر الهادئ في لوحة البطاطا المعتمة، والتي تتناقض من حيث الضوء والنور مع «عباد الشمس» الأكثر شهرة اليوم في العالم، والأغلى، مع أن الإنسان الفقير في كل زمان  ومكان هو في حاجة أولاً إلى كيس بطاطا قبل زهرة عبّاد شمس.
يظهر في لوحة «آكلو البطاطا» خمسة أشخاص متشابهي الأعمار والملامح يلتئمون على مائدة بطاطا، وثمة امرأة على الطرف اليمين من اللوحة تسكب الشاي أو القهوة، وفي خلفية اللوحة نوافذ مغلقة، ولكن نرى بوضوح القنديل ذا الإضاءة المتواضعة وراء الأشخاص الخمسة حول عشاء البطاطا، ومن الواضح أنه عشاء، فطبيعة الإضاءة المعتمة أو شبه المعتمة، وكذلك القنديل.. كل ذلك يوحي بأنه عشاء.
وعلى أي حال، فلا فرق إن كان هؤلاء الفلّاحون قد أكلوا البطاطا في العشاء أو في الفطور أو في الغداء، فالبطاطا بالنسبة لهؤلاء هي لكل الأوقات، وتؤكل مشوية أو مقلية أو مسلوقة، ويا لهؤلاء الفلّاحين المتشابهين من بذخ يومي وهم يتناولون البطاطا ثلاث مرّات على هذا النحو الإبداعي تحت قنديل.
حظيت لوحة «آكلو البطاطا» بالكثير من الكتابات التحليلية والتأويلية، وذهب البعض إلى رمزية البطاطا بكونها إحالة على عيشة الفقر، ولكن هناك اليوم من يرى العكس تماماً في رمزية بطاطا فان جوخ، فالبطاطا بعد 135 عاماً من رسمها بريشة فنان مجنون، هي الأعقل بين زراعات العالم، ومن امتيازاتها الطبقية الآن أنها تؤكل مع الهمبرجر، مقلية، ومحمّرة، ومقرمشة..