“حرك اللبن”.. بقلم: معن الغادري

“حرك اللبن”.. بقلم: معن الغادري

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٠ مايو ٢٠٢٢

لطالما تصدر ملف مكافحة الفساد ومحاربة الفاسدين جدول أعمال الإجتماعات بمختلف مستوياتها، مع التأكيد على دفع العملية الانتاجية قدماً ورفع مستوى الأداء والحرص على تقديم أفضل الخدمات للمواطن بإعتباره البوصلة والمقياس في التقييمات الدورية لأداء المؤسسات والمديريات الخدمية، وهو أكثر ما يتردد على لسان المعنيين في الآونة الآخيرة، إلا أن هذا الكلام على أهميته ما زال حبراً على ورق، فالفوضى هي السمة الأبرز لمعظم المؤسسات والمديريات في حلب، فـ “الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود”، حيث تفوح روائح الفساد والسمسرة والرشوة و”على عينك يا تاجر”، إذ لم يعد هناك أي حرج من طلب “الإكرامية”، أو استقبالك بعبارة “حرك اللبن”، وهو مصطلح جديد بات الأكثر تداولاً هذه الأيام للدلالة على “دفع المعلوم”، سواء بشكل مباشر أو عن طريق معقبي المعاملات والسماسرة الأكثر نشاطاً وانتشاراً على أبواب المديريات، وفي أروقتها، في وقت تتنامى فيه قوة ارتباطهم وصلتهم المباشرة مع المجموعات المتنفذة في عدد من الدوائر والمؤسسات الخدمية، والذين يلعبون دور الوسيط مقابل تقاضي مبالغ غير مشروعة لإتمام وإنجاز معاملات المواطنين اليومية.
ولعل ما يجري ونراه بأم العين في كواليس ودهاليز معظم الدوائر وعلى أبوابها يظهر حجم الفساد الذي يعشعش في النفوس والعقول ويكشف مدى التحايل والتطاول على القوانين والأنظمة النافذة. وهنا تبرز أسئلة كثيرة حول دور رأس هرم المديرية أو المؤسسة، بالاضافة إلى فاعلية مديريات الرقابة الداخلية في المؤسسات العامة، وآلية تعاطيها مع هذه الظاهرة المستفحلة، والتي تضرب معظم مفاصل العمل الإداري، وتفقد مؤسسات الدولة هيبتها عموماً، وهي ممارسات وتجاوزات إن دلت على شيء فإنما تدل على حجم الوهن والترهل الذي أصاب عملنا المؤسساتي الذي بات بحاجة ماسة إلى العلاج بالكي بعد أن طفح الكيل.
ولسنا هنا في معرض توجيه الاتهامات، ولكن في المقابل لم يعد خافياً على أحد أن الكثير من المؤسسات الخدمية والإنشائية والإنتاجية غارقة في الفساد من رأسها حتى قدميها، ما يفسر حقيقة تراجع مردودها وعجزها وتعثرها وخساراتها، الأمر الذي يتطلب صحوة رقابية وعقابية خارجة عن المألوف بإشراف جهة موثوقة تلغي العقلية المنفعية السائدة في أدق تفاصيل العمل المؤسساتي، خاصة ما يتعلق منها بطبيعة وتفاصيل التعاقدات مع المتعهدين من القطاع الخاص والعمولات التي تدفع على حساب جودة التنفيذ.
وبعيداً عن الغوص في التفاصيل نجد من الضرورة وضع ضوابط ونواظم صارمة لهذه الظواهر السرطانية واللاأخلاقية، والانتقال من مرحلة الكلام والتنظير والشعارات الفضفاضة إلى مرحلة التطبيق والمحاسبة، بما يسهم في تنظيف الجسم الوظيفي من الشوائب والأمراض، ويسد كل منافذ الإفادة والمنفعة غير المشروعة، ويضيق الخناق على كل من تسول له نفسه الإتجار بمصلحة المواطن والوطن.