بيدرسون بعد سنتين ونصف السنة.. الآلية غير مجدية.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

بيدرسون بعد سنتين ونصف السنة.. الآلية غير مجدية.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الاثنين، ١٣ يونيو ٢٠٢٢

لم تؤد الجولة الثامنة من اجتماعات «اللجنة الدستورية»، التي انعقدت في جنيف 30 شهر أيار الماضي، إلى أي نتائج تذكر إلا إذا اعتبرنا أن مجرد حدوث الفعل هو نتيجة يمكن ذكرها، ولا كان مقدراً لها أن تفضي بعيداً عن الذي أفضت إليه قياساً لحالة التشابك الإقليمي والدولي الحاصلة على الساحة السورية منذ مطلع العام، والتي وصلت، ما بعد 24 شباط الماضي، إلى حال أشبه بـ«المتاهة» التي يتضح فيها فقط سهم يشير إلى «الدخول» وآخر في نهايتها يشير إلى «الخروج».
يمكن توصيف المناخات التي سادت الجولة الثامنة على أنها كانت أقرب إلى «نصف انفجار»، وما حال دون أن تبلش تلك الحالة حدود الانفجار الكامل، الذي كانت تتيحه حالة التشابك آنفة الذكر وكذا الملفات المطروقة، هو أن أطراف الحوار كانت مدركة لحقيقة أن حدوث فعل كهذا لن يكون في مصلحة أي طرف في ظل المناخ الدولي السائد الذي أدى إلى تراجع اهتمام الخارج بأزمتهم للدرجة التي غاب فيها ذكر لاجئيهم لمصلحة الاهتمام بلاجئين «عليهم القيمة» أو هم من «عظام الرقبة» بحكم انتمائهم «الأوروبي» الذي يضعهم على مرمى العين ومسند القلب، وما جرى هو أن الكل كان يمارس ضبط الأعصاب بدرجة أتاحت انتهاء أعمال الجولة باتفاق على تحديد موعد الجولة القادمة الذي سيكون في 24 تموز المقبل، وتلك سابقة لم تحدث منذ الجولة الثالثة، ثم إن فترة خمسين يوماً هي فترة قصيرة لها مدلولاتها.
جرى خلال الجولة مناقشة 4 أوراق مقدمة من الوفد الحكومي ووفد المعارضة، إضافة إلى ورقتين مقدمتين من وفد «المجتمع المدني» الذي انقسم إلى مكونين اصطلح على تسمية الأول منهما «القادم من دمشق» والثاني «القادم من خارج سورية»، وفي الوقت الذي ركزت فيه الورقة المقدمة من الوفد الحكومي على تعزيز مؤسسات الدولة وحمايتها مع التركيز على مؤسسة الجيش العربي السوري ودورها، كانت كلمة «العربي» قد أثارت حفيظة البعض فيما البعض اعترض عليها ما أدى إلى «نصف توتر» سرعان ما تم احتواؤه، ولربما كان حل هذا اللغز، نعم هذا لغز في ظل تركيبة الوفود التي يمثل العرب فيها نسبة 95 بالمئة إن لم يكن أكثر، يكمن في الورقة المسماة «سمو الدستور» التي تقدم بها وفد المعارضة، التي طالبت في أحد بنودها أن يكون «للمعاهدات والاتفاقات والمواثيق الدولية التي يتم المصادقة عليها ونشرها أصولاً، قوة تفوق قوة القوانين المحلية»، والملمح الذي يشير إليه هذا الطلب كفيل بفك الشيفرة المتولدة عن اعتراض البعض على ورود كلمة «العربي» في تسمية الجيش السوري، فنوع كهذا من البنود لا، ولم، ترد إلا في دساتير الدول التي هي أشبه بـ«المحميات» أو الدول التي توصف عادة بـ«الحيادية»، وكلا الصنفين يرتكز في استقراره على المعاهدات الخارجية بشقيها الأمني والاقتصادي، حيث «يحق» هنا لثقل الخارج الضامن للاستقرار، الرجحان على كفة الضرورات الداخلية التي توثقها القوانين المحلية، والتي يجب أن تكون هذي الأخيرة انعكاساً للأولى بالضرورة.
من جهة ثالثة ذهبت الورقة المقدمة من وفد «المجتمع المدني– جناح دمشق» على وجوب اعتبار العقوبات المفروضة على البلاد نوعاً من «الإرهاب الاقتصادي»، وعلى حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم من دون ربط ملفهم بأي شروط سياسية، على حين ذهبت الورقة المقدمة من «المجتمع المدني– جناح الخارج» للتركيز على «العدالة الانتقائية» التي تعني وجوب التزام الدولة بتبني نهج شامل للعدالة من دون أي تمييز أو استثناء.
قامت الآلية التي اعتمدت في هذه الجولة على تبادل هذه الأوراق بين الوفود، ثم قام كل وفد بتحضير ردوده على أوراق الوفود الثلاثة الأخرى، حتى إذا كان اليوم الأخير من الجولة، وكانت الردود جاهزة، تكشف أن المشتركات لا تزال عند الحدود صفر، الأمر الذي دعا المبعوث الأممي غير بيدرسون في ختام الجولة إلى القول إن «الآلية المعتمدة حالياً لا تجدي نفعاً ويجب تغييرها»، ووفق مصادر مقربة من بيدرسون فإن التفكير عند هذا الأخير يتجه نحو اجتراح آلية جديدة سوف يقوم بطرحها على الأطراف، والدول المعنية بعمل «اللجنة الدستورية»، من خلال جولة اتصالات موسعة سوف يجريها أواخر شهر حزيران الجاري، والتي يأمل من خلالها، وفق تلك المصادر، التوصل إلى آلية جديدة تكون «أكثر ديناميكية».
لا تكمن المشكلة القائمة راهنا أمام «اللجنة الدستورية» والتي جعلتها تراوح في مكانها على امتداد سنتين ونصف السنة من قيامها خيضت فيها ثماني جولات حتى الآن، في الآلية أو في اجتراح نماذج أخرى منها تكون قادرة على لحظ الرؤى والمصالح المتغيرة لأطراف الصراع المحليين والإقليميين والدوليين، وإنما تكمن في التجاذب الحاصل، بفعل داخلي خارجي، بين طرفي المفاوضات الأساسيين، وفد الحكومة ووفد المعارضة، وهذا ما يسعى كل طرف إلى تثبيت مصطلحاته ومحاولة تغليبها على مصطلحات الطرف الآخر، باعتبار أن الفعل أساسياً في العملية التفاوضية لا يقل أهمية عن عامل التوازن القائم على الأرض، وكذا القائم بين الحلفاء اللاعبين في الخارج، ومن شبه المؤكد أن أي آلية يمكن أن يجترحها بيدرسون لن تكون حظوظها أكبر من سابقتها، مهما تكن التأكيدات التي سيحصل عليها عبر مشاوراته، داعمة لآليته المقترحة، فهؤلاء لا تقوم أجندتهم على التأثير بقناعات ورؤى المبعوث الأممي، وإنما تقوم على رمي أثقالهم وراء المتفاوضين للوصول إلى أهدافهم المرجوة من التسوية.
كنتيجة يمكن القول إن ثماني جولات دارت في حلقة مفرغة، ويمكن لثمانٍ تليها أن تفعل الفعل عينه، ما لم يتم التوصل إلى تقاطعات مشتركة في موضوع المصطلحات وماذا تعني وصولاً إلى إنضاج «مشروع وطني» تتحدد عبره تلك المفاهيم ويعطي تعاريف واضحة لها؟ ثم يكون تناول كل الموضوعات العالقة، على كثرتها، من خلال ذلك المشروع.