صراع الطاقة.. إلى أين؟.. بقلم: كمال بالهادي

صراع الطاقة.. إلى أين؟.. بقلم: كمال بالهادي

تحليل وآراء

الخميس، ١٤ يوليو ٢٠٢٢

في الوقت الذي تكافح فيه الدول الأوروبية، لإيجاد حلول عاجلة لتعويض الغاز الروسي، تكافح دول ضعيفة أخرى من أجل البقاء على قيد الحياة، بسبب الضغوط الاقتصادية الكبرى الناجمة عن تداعيات أزمة الطاقة العالمية و مفاعيل الحرب الأوكرانية.
الأوروبيون يقولون إنهم يسعون إلى التخلص من «نفوذ» روسيا عبر إمدادات الغاز والتي تشكل نحو 40 في المئة من احتياجات دول الاتحاد. وهم جادون في هذه الخطوات قبل حلول الشتاء القادم، حيث يزداد الطلب على الغاز لغاية التدفئة، لكن لا أحد يمكنه التأكيد على أن الأوروبيين سيكونون قادرين فعلياً على التحرر من نفوذ الطاقة الروسي، دون مواجهة مشاكل قد تؤدي إلى غضب الشراع الأوروبي. روبرت هابيك، وزير الاقتصاد الألماني، عبّر عن مخاوف الحكومة في حال توقف إمدادات الغاز، وتحدث، عن «سيناريو الكابوس» الذي يمكن أن يحدث في حال حصول ذلك. 
 الموقف في ألمانيا يعتبر حذراً جداً، لأن ألمانيا تعتمد بنسبة 40 في المئة من احتياجاتها على الغاز الروسي. ولم تجد ألمانيا حلولاً فعلية تمكنها من تعويض الاعتماد على الطرف الروسي، بل إن ألمانيا كانت من الدول التي وافقت على فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، وهي تعلم أنها الدولة الأوروبية الأكثر اعتماداً على الطاقة من الدولة التي باتت مصنفة اليوم في خانة «الأعداء». وعلى الرغم من انتهاء أزمة صيانة توربينات خط التوريد الأضخم من روسيا إلى أوروبا والذي يعبر بحر البلطيق ويعرف ب«نورد ستريم1» إلا أن فرنسا قررت المضي قدماً في التخلص الجزئي من الغاز الروسي الذي يمثل 17 في المئة من احتياجاتها. وقال وزير المالية الفرنسي، على هامش مؤتمر اقتصادي في جنوب فرنسا: «أعتقد أن قطعاً تاماً لإمدادات الغاز الروسي هو احتمال حقيقي.. ونحن بحاجة إلى الاستعداد لهذا السيناريو».وعلى الرغم من أن فرنسا هي من أكثر الدول اعتماداً على التكنولوجيا النووية لتوليد الكهرباء إلا أنها لا تزال غير قادرة على تأمين احتياجاتها بعيداً عن الأفق الروسي، علماً أن باريس وقعت مؤخراً مع شركة «سوناطراك» الجزائرية عقوداً استثمارية لتأمين تزويدها بالغاز الطبيعي النابع من الصحراء الجزائرية. ولكن كل هذه الخطوات لا تكفي أمام غياب مؤشرات واضحة عن آفاق حروب الطاقة المندلعة الآن بين أكثر من طرف. وليس مجانباً للصواب القول إننا نعيش حرباً عالمية حول مصادر الطاقة لم يسبق لها مثيل.
 وإذا كانت الدول الغنية مثل مجموعة السبع و مجموعة العشرين، تتحسب خطراً داهماً في المستقبل نتيجة هذا الصراع المحتدم على الطاقة والذي من المحتمل أن يتحول إلى حروب طاحنة لا تبقي ولا تذر، فإن الدول الضعيفة ستكون هي الضحية الأبرز نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة مع استمرار استقرار معدلات النفط فوق المئة دولار للبرميل الواحد. وما حدث منذ أيام في سيريلانكا ليس إلا مؤشراً شديد الوضوح على مستقبل الدول ذات الدخل المحدود والتي أنهكتها المديونية العالية وأسعار الطاقة وانعدام الاستقرار الاجتماعي وارتفاع معدات الفقر. و يؤكد هذا الوضع التقرير الأحدث للبنك الدولي والذي وضع قائمة حمراء تتكون من 17 دولة قال إنها ستكون غير قادرة على سداد ديونها مستقبلاً نتيجة الأسباب التي أشرنا إليها سابقاً. 
 إن الصراع على منابع الطاقة سيزداد حدة، كلما شعرت الدول الصناعية الكبرى أن الحلول التي اتخذتها لا تجدي نفعاً أمام النقص الحاصل من انقطاع الغاز و النفط الروسيين. وعندها ستنفجر المواجهة التي يتحاشاها الجميع الآن. وعندما يتعلق الأمر بمسألة الحياة أو الموت لن يبقى من طريق سوى الحرب لفرض الحياة. والغاز الروسي هو مسألة حياة لدى الأوروبيين.