من سينتصر في الحرب الروسية الأوكرانية؟.. بقلم: د. أيمن سمير

من سينتصر في الحرب الروسية الأوكرانية؟.. بقلم: د. أيمن سمير

تحليل وآراء

الخميس، ٢١ يوليو ٢٠٢٢

تقدم روسيا نفسها بأنها الطرف المنتصر في الحرب الروسية الأوكرانية، ليس لأنها سيطرت على كل لوغانسك وأجزاء كبيرة من دونيستك، ومدن مهمة في الجنوب والشرق مثل ماريوبول وخيرسون، بل تعتقد روسيا بأنها انتصرت لأنها لا تزال حتى يومنا هذا تقاوم العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة، وفي الوقت ذاته توجه ضربة قاسية للاقتصاد الغربي سواء كان الأوروبي أو حتى الأمريكي، على الجانب الآخر تقوم حسابات الولايات المتحدة على أن أوكرانيا هي التي انتصرت بالفعل في هذه الحرب لأنها أفشلت حتى الآن الخطة الروسية في السيطرة على كل أراضيها، وأن كييف لا تزال قادرة على صد القوات الروسية على تخوم إقليم دونباس، ومع مرور نحو 5 شهور من الحرب التي بدأت في 24 فبراير الماضي هل بات واضحاً من هو الطرف الذي سوف ينتصر في تلك الحرب؟ وما هي التداعيات التي يمكن أن تترتب على فوز هذا الطرف أو ذاك؟
فاتورة باهظة
حسابات المكسب والخسارة تقول إن كل أطراف الصراع تدفع فاتورة باهظة من الخسائر على كافة المستويات السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية والروحية، فموسكو تتعرض لحملة من العقوبات غير مسبوقة في التاريخ، ورغم أن الروبل لا يزال صامداً أمام العملات الأجنبية بفعل ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأولية التي تصدرها روسيا إلا أن الاقتصاد الروسي سوف يدفع ثمن هذه الحرب على المديين المتوسط والبعيد خاصة لو طالت الحرب لما بعد العام الجاري، وذلك بشهادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن نفسه عندما أقر بأن هناك صعوبات كبيرة ناتجة عن العقوبات الغربية على بلاده، خاصة في ظل تجميد أصول روسية في الخارج تزيد على 700 مليار دولار يمكن أن تحول لصالح إعادة إعمار أوكرانيا كما تهدد واشنطن وبروكسل، بالإضافة إلى حجز نحو 300 مليار دولار من الأموال الروسية في المصارف الغربية، كما أن انحصار الحرب لمدة 5 شهور كاملة في حوض دونباس الشرقي يقول إن القوات الروسية تواجه مشاكل كثيرة سواء في تأمين الإمداد والتموين للخطوط الأمامية أو في تقديم عدد ليس قليلاً من الضحايا بحسب البيانات الروسية في أول أسبوعين من الحرب، كما أن روسيا التي دخلت إلى أوكرانيا بغرض منعها من الانضمام لحلف الشمال الأطلسي «الناتو» الذي كان يضم 30 دولة سيصبح 32 بانضمام فنلندا والسويد لتضيف فنلندا نحو 1350 كلم جديدة من حدود روسيا مع «الناتو» الذي كاد أن يتفكك قبل الحرب الروسية الأوكرانية بشهادة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، كما أن الصورة النمطية لروسيا في العالم الغربي تضررت بشدة، وتحتاج ربما لعقود لإصلاح العلاقة خاصة مع جيرانها الأوروبيين.
كما أن أوكرانيا خسرت الكثير في هذه الحرب ليس فقط بإمكانية خسارة جزء كبير من أراضيها بل بهجرة ما يقرب من 6 ملايين أوكراني للخارج، وتحتاج نحو 600 مليار دولار لإعادة الإعمار، ناهيك عن أن انتشار السلاح في أوكرانيا يهدد بعدم استقرار طويل في كل الأراضي الأوكرانية في ظل الهدف الذي أعلنه الرئيس فولوديمير زيلنسكي بأنه يسعى لاستعادة الأراضي التي سيطرت عليها روسيا والانفصاليين في الشرق والجنوب.
توترات اجتماعية
أما عن الخسائر الأوروبية فأصبحت حديث العالم بعد أن تقلصت تدفقات الغاز الروسي عبر خط نورد ستريم الأول، وهو ما سيترتب عليه عدم ملء خزانات الغاز سواء لاحتياجات الشتاء أو للمصانع التي تعتمد على الغاز بعد أن أغلقت دول مثل ألمانيا المفاعلات النووية وأوقفت العمل بالفحم، وهو ما قد يدفع لتوترات اجتماعية وحتى سياسية في كل القارة الأوربية، كما أن ارتفاع التضخم لـنحو 9 في المئة في الولايات المتحدة لأول مرة منذ عام 1982، واحتمال خسارة الحزب الديمقراطي للأغلبية في انتخابات الكونجرس القادمة يؤكد أن واشنطن التي كانت تعتقد أنها بعيدة عن دخان الحرب تدفع جزءاً من فاتورة الحرب في أوكرانيا. أمام كل هذه الحقائق التي تقول إن الجميع خاسرون في تلك الحرب، فإن الحكمة تقتضي البحث عن «مقاربة جديدة» للخروج من هذه الأزمة.