الحب.. ذاك التعب المريح!.. بقلم: رشاد أبو داود

الحب.. ذاك التعب المريح!.. بقلم: رشاد أبو داود

تحليل وآراء

السبت، ٢٣ يوليو ٢٠٢٢

إن سألته من أنت غضب وأدار وجهه عنك ورحل. الحب لا تعريف محدداً له. هو لا شيء وكل شيء.
نهار وليل، دمعة وابتسامة، فرح وحزن. الحب لا دين ولا جنسية له. لا يعترف باللغات ولا بالمسافات ولا بالفروقات. فلم يكن قيس يحب ليلى لجمالها ولا لجاهها. ولو سألوه لماذا تحبها لأجاب: لا أدري!
ولو لم يكن حب حقيقي يربط بين جاك وروز حين غرقت السفينة تايتانيك في المحيط لربما لم يتشبث أحدهما بالآخر ونجا ولما تجمدا معاً في صقيع المحيط. لكن ثمة رباطاً غير مرئي كان يربط بينهما.. هو الحب.
لكن للشعراء رأياً آخر في الحب، فهو مزيج من الفرح الحزين، ومن العذاب المريح. يتحول معه المحب إلى مجرد قلب وبقيته أشياء أخرى غير مهمة. فها هو جدنا امرؤ القيس يخاطب حبيبته «أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل /‏‏ إن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي.. /‏ إلى: ‏أغرك أن حبك قاتلي/‏‏ وأنك مهما تأمري القلب يفعل.
نزار قباني عبر عن حالة التشظي التي يعيشها العاشق بقوله:
وعدتك أن لا أحبك /‏‏ ثم أمام القرار الكبير جبنت /‏‏ وعدتك أن لا أموت اشتياقاً /‏‏ وعدت ومت /‏‏ عدت مراراً وقررت أن أستقيل مراراً /‏‏ ولا أتذكر أني استقلت /‏‏ لقد كنت أكذب من شدة الصدق والحمد لله أني كذبت!
أما محمود درويش فقد حاول تعريف الحب، لكنه زاده غموضاً حين قال: ليس الحب فكرة، إنه عاطفة تسخن وتبرد وتأتي وتذهب، عاطفة تتجسد في شكل وقوام، وله خمس حواس وأكثر، يطلع علينا أحياناً في شكل ملاك ذي أجنحة خفيفة قادرة على اقتلاعنا من الأرض. ويجتاحنا أحياناً في شكل ثور يطرحنا أرضاً وينصرف. ينزل علينا أحياناً في شكل ندى ليلي حين تحلب يد سحرية غيمة شاردة.
الفلاسفة عرفوا الحب بأنه مجموعة من المشاعر المعقدة التي تنتج عنها العديد من التصرّفات والأفكار المنسوجة بعواطفٍ قويّة تحكم المرء وتُسيطر على كيانه وإحساسه، فتجعله يرغب بحماية الشخص أو الشيء الذي يُحبّه، ويشعر بمودّةٍ وألفة وعطفٍ كبير اتجاهه، فيحترمه ويُحافظ عليه ويُراعي مشاعره، ويرغب بإسعاده وحمايته من أي تهديدٍ أو خطر قد يُلحق الضرر به بأيّ شكلٍ.
وهو لا يقتصر على حبّ البشر لبعضهم فقط، فقد يُحب المرء حيواناً أليفاً ويُقدّم له العناية والرعاية والعطف ويسعى لحمايته والحفاظ عليه، أو أن يرتبط بحب شعور داخليّ خاص كالحريّة والاستقلاليّة والكيان والشخصيّة.
لكن أفضل تعريف للحب لم يأت من الفلاسفة ولا الشعراء، بل من تلك المرأة العجوز التي عندما سئلت عن الحب قالت: أول مرة سمعت فيها هذه الكلمة كانت من والدي وكنت طفلة، حينها قبلني وقال إني «أحبك». كانت تعني بالنسبة لي أن الحب هو الحنان والأمان والحضن الدافئ. عندما بلغت سن الرشد وجدت رسالة تحت باب المنزل أرسلها ابن الجيران وعليها اسمي فحواها إني «أحبك».
فقلت الحب هو جرأة وجنون. وعندما خطبت كانت أول كلمة قالها لي خطيبي «أحبك»، فقلت الحب هو طموح وعمل وهدف وإرادة. في ثاني يوم من زواجي قبلني زوجي على جبيني وأمسك يدي وقال «أحبك»، فقلت الحب هو شوق وحنين.
عندما أنجبت أول أولادي وكنت متعبة جاءني زوجي، أمسك يدي وقال «أحبك» فقلت الحب هو شكر وتقدير وعطف وحنان. مع مرور السنوات شاب الشعر وتزوج الأبناء فنظر زوجي إلى الشعر الأبيض في رأسي وقال مبتسماً «أحبك» فقلت الحب هو رحمة وعطف.
طال العمر وأصبحنا مسنين وفي كل مرة أكون فيها متعبة كان زوجي يقول لي «أحبك» فقلت الحب هو وفاء وإخلاص وعطاء.
هذا هو الحب، كلما تقدمنا في العمر اكتشفنا أسراره. يبدأ صغيراً فيكبر شيئاً فشيئاً. الحب لا يشيب أبداً.