هل المصالحة مع تركيا ممكنة؟.. بقلم:  عبد المنعم علي عيسى

هل المصالحة مع تركيا ممكنة؟.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الأحد، ٣١ يوليو ٢٠٢٢

لابد قبيل محاولة الإجابة عن السؤال الوارد أعلاه، أو بمعنى أدق مناقشته لجهة تحديد المحفزات والموانع، التي تدفع نحو الفعل أو تلعب دور المانع من حدوثه، من تثبيت قاعدة أساسية في السياسة وهي تقول إن الصداقة والعداوة بين البلدان غالبا ما تستولدها ظروف محددة، أو تفرضها حالة احتياج معينة، وكلا الحالتين غالبا ما تأخذ شكل «مصفوفة حسابية» لها بداية ونهاية، ثم تأتي ظروف أخرى تفرض عودة «المصفوفة» من جديد بشكل أو بآخر، وإن كان شكل «المصفوفات» يختلف في أشكاله ومضامينه تبعاً للظروف ولحالة الاحتياج سابقتي الذكر.
تجد أنقرة نفسها، في ظل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، اليوم مضطرة لمراجعة حسابات السنين العشر السابقة التي شهدت انفجار سبع دول عربية كان الأبعد منها تونس ومن بينها الجواران السوري والعراقي، والمراجعة تتضمن بالتأكيد استعراض الكثير من المحطات والكثير من الخلاصات التي تفرض في النهاية سؤالا هو الأهم: ماذا جنينا؟ بمعنى ما المكاسب التي تراكمت في الجعب التي أفرغناها ظناً منا أن الثمار سوف تتساقط فيها، فيما المهمة، مهمتنا، كانت في تحديد الأجود منها؟ ومن الجائز القول إن تلك المراجعة باتت ملحة اليوم بدرجة كبيرة، ليس بفعل انكسارات المشروع التي كانت محطة 3 تموز 2013 هي الأهم فيها وإن لم تكن الوحيدة، وإنما أيضاً بفعل عاملين اثنين تبدو حركتهما أشبه بكرة الثلج التي تدحرجت من قمة جبل، أولهما هو الانتخابات الرئاسية التي ستجري في غضون أقل من 11 شهراً من الآن، وفي تراسيمها يبدو أن احتمالية هزيمة أردوغان، ومعه حزبه، في تلك الانتخابات أمر وارد بفعل عوامل عدة أبرزها العامل الاقتصادي ثم خسارة حزب العدالة والتنمية، لثلث ثقله بعد انشقاقي أحمد داؤود أوغلو وعلي باباجان، ناهيك عن احتمالية أن تستطيع المعارضة توحيد صفوفها والاتفاق على مرشح واحد فيما تبقى من الوقت، وثانيهما هو المناخات الإقليمية والدولية، غير العربية، السائدة وهي في مجملها سلبية تجاه حكم «العدالة والتنمية»، أقله في الإيديولوجيا الأمر الذي يجهد راسم خطوط السياسة العليا ويثقل عليه في الموازنة ما بين خطي الإيديولوجيا والسياسة، اللذين إن افترقا بدرجة كبيرة كان ذلك مقدمة لاهتزازات تطول تركيبة النظام ومشروعية قيامه في سدة السلطة، أما استثناء المناخات العربية هنا فهو يعود إلى أن هذي الأخيرة كانت قد دخلت تلك المناخات المشار إليها بوقت سابق لها وهو غير قصير.
قد تشكل السياقات السابقة حالة هي أقرب لضيق الخيارات التركية التي تبدت بشكل كبير في قمة طهران 19 تموز التي قال فيها الرئيس التركي إن على «الحكومة السورية أن تساعد في تقدم اللجنة الدستورية»، والقول يوضح تماما عقم الخيارات التركية الهجومية، ناهيك عن أنه يفصح عن «لين» واضح في طريقة التعاطي مع الأزمة السورية وهو غير مسبوق بالدرجة التي وصل إليها عبر هذا القول الأخير، لكن من ناحية أخرى ترى أنقرة أن من الصعب عليها التراجع بعد تحقيق مكاسب وازنة في سورية من نوع السيطرة على ما يقرب من 10 بالمئة من مساحة البلاد وهذا كانت له أثمانه الداخلية، فالتراجع سوف يقوي موقع المعارضة التي ستقول: إذا لماذا كان كل ذلك؟ ثم إن التراجع في سورية سيقود حتما إلى انهيار ما تحقق في ليبيا والعراق، وحينها ستزداد مشروعية التساؤل السابق بدرجة أكبر، الذي سيسلط الضوء أكثر على جدوى المغامرات العسكرية التي كانت لها أثمانها السياسية والاقتصادية المتداخلتان بشكل كبير.
بدورها دمشق التي تدرك أن لا مناص من الدور التركي لحل أزمتها التي باتت متعددة الجوانب، تشترط لحدوث تقاربات، من أي نوع كانت، وجوب انسحاب أنقرة من كل المناطق التي تسيطر عليها، وكذا وجوب تفكيك الجماعات التكفيرية التي قامت ببنائها وإعادة تأهيلها تبعا للمستجدات والاحتياجات، وهذا سيفتح المجال أمام الحديث عن «اتفاق أضنة» 1998 بما فيه إمكانية إجراء تعديلات عليه، ومن الصعب على دمشق، القبول بحوار سياسي مع أنقرة في الوقت الذي تسيطر فيه الأخيرة على ما يقرب من 10 بالمئة من الجغرافيا السورية، ناهيك عن حالة «وضع اليد» الحاصلة على ما يقرب من 7 ملايين سوري نصفهم في الأراضي السورية ونصفهم الآخر يعيشون داخل مناطق السيطرة، فالذهاب إلى حوار، في ظل هكذا أوضاع، سيعطي أنقرة جملة من الأوراق من شأنها أن تكون شديدة التأثير في ملفات حاكمة عدة، هذا إن لم يضعها في حالة من يمسك بخيوط ملفات سيادية على درجة عالية من الأهمية، ومن المؤكد أن دمشق سترى أن احتمالية الذهاب إلى حوار سياسي مع الأتراك هو أمر مرتهن بتحجيم الدور الذي يقومون به على الأراضي السورية، وهي ستستند، لتحقيق ذلك، على تحالفها مع موسكو وطهران، فيما الرهان الأهم هنا سيقوم على قرب تخلي الأميركيين عن «مسد» و«قسد»، ولا نظن أن ثمة رهاناً يمكن أن يقوم على احتمال أن يخسر أردوغان انتخابات حزيران المقبل، إذ لطالما كان هكذا نوع من الرهانات خاسرا بالتأكيد فمطامع الدول نادراً ما تتغير بتغير أنظمتها.
كخلاصة يمكن القول: إن «مصالحة» سورية تركية تبدو صعبة في الوقت الراهن، بل صعبة على المدى المتوسط، دون أن يعني ذلك نفياً قاطعاً لحدوثها الأمر الذي يمكن أن تدفع إليه حسابات تركية تقوم على استشعار لحظة حرجة يمكن لها أن تشكل مقبلاً حالة تتهدد النظام القائم.