فيض الحب.. بقلم: حسن مدن

فيض الحب.. بقلم: حسن مدن

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٣ أغسطس ٢٠٢٢

لنقم اليوم بجولة في حدائق الشعر والأدب، نقطف منها زهوراً تفوح منها روائح الحب والأمل، علّنا نبعد، ولو قليلاً، عن صرامة الواقع وجهامته، ولنبدأ بأبيات الشاعر التركي ناظم حكمت: «أجمل الأيام/ تلك التي لم نعشها بعد/ أجمل البحارتلك التي لم نبحر بها بعد / أجمل الزهور/ تلك التي لم تتفتح بعد/ أجمل الكلمات/ تلك التي لم أقلها بعد/ أجمل القصائد/ تلك التي لم أكتبها بعد». وقد يجد بعضنا في هذه الأبيات دعوة للتفاؤل والتمسك بالأمل، فالحياة حبلى بالوعود الجميلة القادمة، التي علينا لا انتظارها، وإنما السعي لتحقيقها، كأن الشاعر يقول علينا أن نضحي اليوم كي نظفر بمستقبل أفضل.
معنى قريب إلى هذا قد نجده في قول محمود درويش: «عندما يَصِلُ الغَدُ سوف نحبُّ الحياة كما هي عاديّةً ماكرةْ، رماديّة أَو مُلوَّنةً»، لكن جلال الدين الرومي لا يذهب إلى هذا الرأي، هو الذي يحثنا على الاستمتاع بالحاضر، بنسيان الماضي بما له وبما عليه، وعدم التعويل على جمالٍ مقبل، قد لا يأتي، فهو القائل: «لا تُشغل البال بماضي الزمان/ ولا بآتِ العيشِ قبلَ الأوان/ واغنم من الحاضرِ لَذَّاتهِ/ فليسَ في طَبعِ الليالي الأمان».
ويبدو أن الشاعر التشيلي بابلو نيرودا يقترب من دعوة عمر الخيّام حين يقول في واحدة من أشهر قصائده: «يموت ﺑﺒﻂﺀ/ ﻣَﻦ ﻻ ﻳﺴﺎﻓﺮ/ ﻣَﻦ ﻻ ﻳﻘﺮﺃ/ من ﻻ ﻳﺴﻤﻊ ﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ/ ﻣَﻦ ﻻ ﻳُﺠﻴﺪ ﺍﻻﻫﺘﺪﺍﺀ ﺑﻌﻴﻨﻴﻪ/ ﻳﻤﻮﺕ ﺑﺒﻂﺀ/ ﻣَﻦ ﻳﺼﻴﺮ ﻋﺒﺪﺍً ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ/ ﻣَﻦ ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ/ ﻳﻤﻮﺕ ﺑﺒﻂﺀ/ ﻣَﻦ ﻳﺘﺠﻨﺐ ﺍﻟﻬﻮﻯ/ ﻭﺯﻭﺑﻌﺔ ﺍﻟﻤﺸﺎﻋﺮ/ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺪ ﺍﻟﺒﺮﻳﻖ ﻟﻠﻌﻴﻮﻥ/ ﻭﺗﺮﻣِّﻢ ﺍﻟﻜﺴﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ/ ﻳﻤﻮﺕ ﺑﺒﻂﺀ/ ﻣَﻦ ﻻ ﻳﻐﻴﺮ ﻭﺟﻬﺘﻪ ﺣﻴﻦ ﻳﺤﺲ ﺍﻟﺘﻌﺎﺳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺐ/ ﻣَﻦ ﻻ ﻳﺮﻛﺐ ﺍﻟﻤﺨﺎﻃﺮ ﻟﻴﺤﻘﻖ ﺍﻷﺣﻼﻡ/ ﻣَﻦ ﻟﻢ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﻣﺮﺓً ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺘﻤﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺼﺎﺋﺢ ﺍﻟﺮﺻﻴﻨﺔ».
هذا التمرد «النيرودي» هو نفسه ما عناه الطيب صالح في رائعته «موسم الهجرة إلى الشمال» وهو يقول: «أريد أن آخذ حقي من الحياة عنوة. أريد أن أعطي بسخاء، أريد أن يفيض الحب من قلبي فينبع ويثمر. ثمّة آفاق كثيرة لا بد أن تزار، ثمّة ثمار يجب أن تقطف».