تركيا وروسيا.. الشراكة عبر الغاز.. بقلم: محمد نور الدين

تركيا وروسيا.. الشراكة عبر الغاز.. بقلم: محمد نور الدين

تحليل وآراء

السبت، ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٢

عرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على نظيره التركي رجب طيب أردوغان إقامة مركز كبير للغاز في تركيا. وقد رحب أردوغان على الفور بالقرار وما لبث أن أصدر تعليماته، ولما يزل في الطائرة في طريق عودته من لقاء بوتين في كازاخستان، بالشروع في إقامة هذا المركز. وأكثر من ذلك فقد أعلن أردوغان أن منطقة تراقيا التركية في الجزء الأوروبي من البلاد ستكون مركز الغاز هذا.
من الضروري الإشارة أولاً إلى أن هذا المركز يعني تجميع الغاز المستورد من روسيا وتخزينه في مستودعات ضخمة، ومن ثم بيعه في السوق الحرة لمن يريد أن يشتري؛ أي أن شراءه ليس محصوراً في فئة محددة من الدول التي يمكن أن تحتاج إليه. وهذا يتطلب أن تكون إدارة هذا المركز مشتركة بين روسيا وتركيا، وربما شركات أخرى، وهي التي تحدّد سعر المتر المكعب المبيع، وفقاً لمعايير السوق.
اختيار منطقة تراقيا مؤشر قوي على أن وجهة بيع هذا الغاز هو الدول الأوروبية.
وهذا أكثر من طبيعي لسببين: الأول أن أوروبا تواجه هذا الشتاء مشكلة غاز كبيرة جداً، بعد توقف إمدادات الغاز الروسي بنسبة عالية، نتيجة لعمليات التخريب التي طالت خطوط نقل الغاز «نورد ستريم واحد واثنين»، وثانياً بسبب تقليص روسيا صادراتها من الغاز إلى أوروبا، وثالثاً بسبب الحظر الذي فرضته أوروبا على واردات الغاز من روسيا.
وبالتالي تعتبر إقامة مركز الغاز في تركيا محاولة التفاف روسية على العقوبات الأوروبية، وبديلاً للخطوط التي طالها التخريب، وبالتالي بيع الغاز عبر طرف ثالث يبدو مستقلاً، ولا علاقة له مباشرة بالمورّد الروسي.
كما يمكن لمركز تجارة الغاز هذا أن يصدّر الغاز إلى أسواق شرق آسيا، ولا سيما في فصل الشتاء، باعتبار أن طرق إمداد الغاز الروسي إلى تلك المناطق تتأثر سلباً بأحوال الطقس والجليد، كما أن المركز سيكون أقرب جغرافياً من ناقلات الغاز التي تنقل الغاز الروسي من منطقة البلطيق لتذهب إلى شرق آسيا.
وفي الواقع، فإن إقامة مثل هذه المشاريع ليست الأولى، فهناك في أوروبا مثلاً ثمانية مراكز كبيرة لتجارة الغاز أهمها في هولندا.
إلى جانب الفائدة الواضحة التي تجنيها روسيا من مثل هذا المركز في خضم الحرب في أوكرانيا واحتمال تصاعدها، فإن المركز يشكل بالنسبة لتركيا، مكسباً مهماً من أكثر من جهة.
فهو يضيف إلى تركيا ورقة أخرى من أوراق امتلاكها للطاقة. فتركيا بموقعها الجغرافي الوسطي بين الدول المنتجة مثل روسيا وأذربيجان وكازاخستان وتركمانستان وإيران والعراق، وبين الدول المستوردة وهي معظم القارة الأوروبية، ستكون المكان الأنسب لنقل الطاقة وبأسعار أرخص من القنوات الأخرى البرية أو البحرية. ويضاف إلى ذلك احتمال أن يتم تصدير الغاز الإسرائيلي ومن شرق المتوسط عبر تركيا إلى أوروبا.
وهذا بالطبع، سيزيد من التأثير التركي الاقتصادي والسياسي في المنطقة وفي العالم، لكنه في الوقت نفسه، سيعني المزيد من الارتباط التركي بالشراكة الاقتصادية والسياسية مع روسيا.
على الصعيد الداخلي التركي، فإن مثل هذا المركز يعني خلق فرص عمل كثيرة لليد العاملة التركية في ظل أكبر أزمة اقتصادية خانقة تعيشها البلاد منذ عقود، كما سيزيد الناتج القومي التركي نتيجة لذلك، ويتحسن الاقتصاد ولو بعض الشيء.
وقد نشهد أيضاً طفرة في تركيا لاحقاً، على صعيد دورها في مجال الطاقة ولا سيما الغاز في حال تمكنت من اكتشاف حقول غاز ونفط في منطقتها الاقتصادية الخالصة في شرق البحر المتوسط، وربما في البحر الأسود، وتصبح تركيا منتجة للغاز ومركزاً وسيطاً لنقله في الوقت نفسه.
وهذا كله يعتبر أمراً حيوياً للرئيس التركي عشية الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في حزيران/يونيو المقبل؛ إذ إن العامل الاقتصادي سيكون مؤثراً في الانتخابات.