لا تعطِ أحداً العصا كي يضربك بها ...بقلم: الباحثة النفسية الدكتورة ندى الجندي

لا تعطِ أحداً العصا كي يضربك بها ...بقلم: الباحثة النفسية الدكتورة ندى الجندي

تحليل وآراء

الأحد، ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٢

كيف ذلك؟ وهل يعقل أن يقدم الإنسان العصا للآخر حتى يضربه بها؟!
هل من الممكن أن يسلم الآخر بيديه أداة تعذيبه؟!
ومن هذا الآخر؟ هل هو العدو...هل هو المنافس في العمل.. المدير.. الجار...القريب، قد يكون عدواً خفياً، ولكنه قريباً جداً منا، وربما يكون الصديق؟!
"لا تعطِ أحداً العصا كي يضربك بها"
مثل فرنسي تتردد أصداؤه كثيراً بين طبقات المجتمع الفرنسي، وخاصة في الدورات التدريبية التي يتم بها إعداد الكوادر وتأهيلهم للعمل والخوض في ساحة الكبار، حيث يكون الصراع والتنافس جوهر العلاقات القائمة بين الأفراد، تحكمه لغة المصالح، لغة المال، كل فرد يسعى لتحطيم الآخر وكأن وجوده مرهون بفناء الآخر!
الصراع على الكرسي.. على الثروة.. على المرأة.. الصراع من أجل امتلاك ما بحوزة أخيه الانسان.
 ولكن أي معنى يعبر عنه هذا المثل الفرنسي، وأي رسالة يدلي بها؟
كيف يكون الإنسان هو المسؤول عن سقوطه؟
"لا تعطِ أحداً العصا كي يضربك بها"
عن أي عصا يتكلم؟ ما ماهيتها؟
ربما تكون كلمة تنطق بها، تدفع حياتك ثمناً لها، ربما سلوك تقوم به، يعطي الآخر الحجة لينال منك، سلوك وردة فعل عبثية ناجمة عن الجهل وافتقار للبصيرة، سواء على الصعيد الفردي أو الدولي، وريما يكون حلماً جميلاً يدغدغ خيالك، تطرب له روحك.. وتطوق له نفسك...لطالما سمعنا عن حالات ابتزاز عاطفي، يعزفون على أوتار أحلام البسطاء ويستغلونها بحيث تكون البوابة التي يتم من خلالها استدراجهم، شعوب برمتها تم استثمارها وفق مآربهم عن طريق أحلامهم!
كلمة خاطئة.. سلوك غير مدروس.. ردة فعل طائشة.. حلم عميق.. جميعها تمثل نقطة ضعف يستثمرها الآخر المنافس لنا والذي يسعى الى فنائنا، نقطة ضعف هي الحجة التي يتم من خلالها مهاجمتنا، يروى أن ملك الحيرة النعمان أراد أن يشيد قصراً فاخراً يضاهي قصور الملوك العرب و الفرس فاستدعى مهندسا من الروم يدعى سنمار شهرته واسعة في البناء، وطلب منه أن يبني تحفة نادرة ، سنوات عديدة مرت وسنمار منغمر في العمل الخلاق، شيد قصراً خيالياً، دقة عالية في التصميم والزخرفة،  بعد انتهائه من العمل ، في جولة له مع الملك في أرجاء القصر متباهيا بإبداعه قال للملك " مولاي شيدت هذا القصر الفريد وقد تركت هذه الطوبة في هذا المكان إنها بمثابة نقطة استناد عظمى إذا تم إزاحتها من مكانها سقط القصر بكامله وتهدم ، فإن تعرضت يوما ما للهجوم من قبل الأعداء ما عليك إلا تحريكها من مكانها وستسقط على رؤوسهم وبالتالي يمكنك أن تنجو بسلام ، سأله الملك ونظراته مشبعة بالتوجس من يعرف هذا السر ؟
أجابه سنمار : لا أحد إلا أنا وأنت مولاي

فدعاه الملك إلى الصعود معه إلى قمة القصر وبلحظة غدر دفعه من الأعلى وكانت نهاية سنمار!
أي خطأ اقترفه سنمار حتى ينال جزاء الموت؟؟؟
الا أنه أبلى بلاءً حسنا في عمله لقى حتفه؟
إنه يعلم السر الذي يودي بحياة الملك !
هل المعرفة خطرة ؟
ألم يتم استهداف الكثير من العلماء ؟
سنمار أدلى بكامل معرفته وكان هذا خطأه الفادح!
أي خطأ نرتكبه هو بمثابة نقطة ضعف!
نقطة الضعف هي السلاح الذي يتم محاربتنا به ……هي بمنزلة البوابة التي يتم اختراقها من قبل العدو، فكيف العمل على تجنب ذلك؟

كيف نمسك بالعصا جيداً بأيدينا؟
ألا يتطلب ذلك الدقة وقوة الملاحظة؟
ألا يتطلب ذلك الثبات وقوة تحكم عالية في أقوالنا وأفعالنا؟
في حالة التوتر يختل التوازن، وتخرج الأمور من أيدينا.
ألا يتطلب ذلك العودة إلى ذاتنا، والكشف عن مكامن الضعف ونوازع الصراع في داخلنا؟
ألا يتطلب مراجعة آرائنا ومواقفنا؟
ألا يتطلب إعادة النظر في علاقتنا؟
ألا يتطلب ذلك تطبيق مقولة:
"احذر عدوك مرة وصديقك ألف مرة"؟
لست بصدد الدعوة للابتعاد عن الأخرين، ولكن العلاقات الاجتماعية معقدة يشوبها الكثير من الغيرة والحسد والأصدقاء المخلصين قلة وهذا يدعونا الى ضرورة الحذر وحسن الاختيار والأهم معرفة من يكن لنا الحب والإخلاص الحقيقي.
اليوم نواجه حرب شرسة، الصراع في أوجه، ما إن نتوقع أننا نجحنا في اجتياز محنة، حتى تتراءى لنا جولة أخرى أشد ضراوة وأكثر شراسة، فكيف المواجهة ونحن نتخبط في حالة عبثية، لا نعرف أنفسنا جيداً، ولا ندرك من عدونا الحقيقي!
وقد تم اختراق أكثر من بوابة!
أين نحن اليوم من عصر التكنولوجيا والتطور الإعلامي الهائل ووسائل الاتصال الاجتماعي، حيث تتلاشى الحدود، ويغدو الإنسان عارياً، مجردا" من أي سلاح يتم بسهولة اختراقه!
الفيسبوك.. تويتر.. انستغرام.. واتس آب..
تقنيات حديثة يعرفون من خلالها تفاصيل دقيقة عن حياة أي فرد منا.
ماذا يحب؟ من يكره؟ أين يذهب؟  مع من؟ أين يقطن؟
ماهي ميوله؟ اتجاهاته؟ معتقداته؟
كيف يفكر وكيف يستثار؟ معلومات شاملة من خلالها يستطيعون قراءة الإنسان واختراقه باللعب في الغرف السوداء بحيث يتم توجيه فكره وحمله على تبني رأي ما ودفعه باتجاه السلوك المرسوم، برمجة عقلية مدروسة.
أين نحن من هذه الحرب الذكية التي تمس وجودنا برمته؟
إذا كان الإنسان يملك الثقة والوعي الكافي والثقافة العالية، فهل بالإمكان استجراره بسهولة؟
ألا يمثل الجهل هذه العصا بامتياز؟
ماذا يريد الآخر؟ ومن هو الآخر؟ من هو العدو الحقيقي؟
ما الهدف المرسوم لنا؟ وما هو هدفنا؟
أسئلة كثيرة تثيرها هذه المرحلة في حياتنا، والعالم يسير بخطوات متسارعة لا بد أن نواكب في السرعة والتسارع، وإلا فقدنا الطريق، وتلاشى وجودنا في غمرة هذه العواصف التي تجتاح عالمنا، فأين نحن من هذا التطور العلمي الهائل؟
"لا تعط العصا لأحد كي يضربك بها"
هذا المثل يدعو في عمقه إلى توخي الحذر في العلاقات الاجتماعية والسياسية، مهما كانت العلاقة يسودها جو من الارتياح والثقة، ألا يجب توقع الشر؟ وخاصة في حالة تضارب المصالح
"لا تعطِ أحداً العصا كي يضربك بها"
ماذا لو أعطيناه عصا وهمية، يعتقد معها أنه امتلك السلاح الذي يحاربنا به؟
ألا نقوم بإفشال توقعاته؟
ألا نقوم بهدم مخططاته؟
ألا نستجره إلى السلوك الذي نريده نحن، وإلى الهدف الذي نسعى إليه؟