مستقبل الاتحاد الأوروبي على المحك.. بقلم: مارتن وولف

مستقبل الاتحاد الأوروبي على المحك.. بقلم: مارتن وولف

تحليل وآراء

الاثنين، ١٣ مارس ٢٠٢٣

«سيتأسس قانون الأمم استناداً إلى اتحاد من الدول الحرة»، هكذا وضع الفيلسوف الألماني الأشهر، إيمانويل كانط، حجر الأساس لخطته التي سماها «السلام الدائم». ولا توجد بقعة في العالم اعتنقت هذا الفكر المثال على نحو شبه تام، بأكثر ما فعلت أوروبا في حقبة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. لكن، وبعد مرور ما يزيد على 7 عقود على بداية هذا الحلم المثالي العظيم، هل يمكننا القول الآن إنه قد مات؟ يقول الدبلوماسي البريطاني، روبرت كوبر، إننا يمكننا تقسيم العالم إلى «عالم ما قبل الحداثة»، ويعني به الأجزاء من العالم التي ما زالت تسودها الفوضى، والعالم «الحديث» أو «العصري»، ويعني به الدول المتقدمة بمفهومها الحديث الذي نعرفه اليوم، و«عالم ما بعد الحداثة»، ويعني به الدول التي تسعى إلى تحقيق تصور كانط المثالي. ويرى كوبر أن نهاية عام 1989 لم تكن نهاية للحرب الباردة بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة والكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفييتي المنهار فحسب، بل وإنما أيضاً كانت لأنظمة سياسية ظلت سائدة في أوروبا على مدى ثلاثة قرون.
لقد حلمت دول أوروبا بعد نهاية عام 1989 بعالم مثالي يتأسس على النمط الذي حلم به كانط، وبدأت تسعى بخطى حثيثة لتنفيذ هذا الحلم على أرض الواقع، وذلك من خلال خطوات عدة كانت أهمها «معاهدة ماستريخت»، وهي الاتفاقية المؤسسة للاتحاد الأوروبي وأهم تغيير في تاريخه منذ تأسيس المجموعة الأوروبية في نهاية الخمسينات. تم الاتفاق عليها من قبل المجلس الأوروبي في مدينة «ماستريخت» الهولندية في ديسمبر 1991. وتوالت بعد ذلك الخطوات، حتى صار الاتحاد الأوروبي، وبدأ حلم كانط قريباً من التحول إلى حقيقة على أرض أوروبا، ولكن الذي حدث بالفعل أن الولايات المتحدة اختطفت هذا الحلم واستأثرت بقيادة العالم لنفسها، وحصرت الاتحاد الأوروبي في دور التابع.
دعنا من الرطانة التي تعج بها وسائل الإعلام الأمريكية وأحياناً الأوروبية عن كون الاتحاد الأوروبي حليفاً للولايات المتحدة، ولكن الحقيقة المرة التي يعرفها مسؤولو الاتحاد الأوروبي جيداً، وكذلك قادة الدول الأوروبية الكبرى في الاتحاد أنهم لم يكونوا فعلياً حلفاء للولايات المتحدة، وإنما كانت واشنطن تنظر لهم في واقع الأمر باعتبارهم تابعين، وكانت تتعامل معهم فعلياً على هذا الأساس.
اليوم، بعد أن بدأت الهيمنة الأمريكية طريقها نحو الزوال، وبدأت أكثر من وجهة في العالم تتحدى واشنطن وترفع راية العصيان علناً في وجهها، ما هو مستقبل الاتحاد الأوروبي؟ لقد دخلت موسكو في صدام مباشر مع واشنطن. على الرغم من كون مركز هذا الصدام ميدانياً هو كييف، إلا أن الجميع يعلم أن الصراع الفعلي في الحرب الروسية الأوكرانية الراهنة ليس بين موسكو وكييف، وإنما بين موسكو وواشنطن. وها هي بكين تشير إلى تحالف عسكري مع موسكو من خلال تزويدها بمساعدات عسكرية ترجح كفتها في الحرب الأوكرانية. وإذا حدث ذلك، لن تكون كييف التي انهزمت في أرض الواقع، وإنما واشنطن. كل ما سبق ذكره إشارات نسردها وتؤكد أننا بصدد مولد نظام عالمي جديد. ولقد بات مستقبل الاتحاد الأوروبي في هذا النظام الجديد على المحك.
والسؤال الآن هو ما دور بروكسل ومؤسساتها في هذا النظام الجديد؟ يتعين على بروكسل أن تتخذ قراراً واضحاً حول طبيعة دورها وتوصيفه على وجه التحديد في النظام.. هل ستواصل أداء الدور الحليف شكلياً، والتابع فعلياً؟ أم تتدنى لما هو أقل من ذلك، وتصبح جسراً بين نظامين عالميين جديدين، أم تضطلع بالدور اللائق بها، والذي كان من المفترض أن تضطلع به منذ نهاية عام 1989، وهو دور السلطة الفعلية القادرة على تولي أمورها دون فرض وصاية أو هيمنة، أو حتى دعم من جانب أي طرف؟ إنه خيار بين ثلاثة أدوار مستقبلية يتعين على الاتحاد الأوروبي الاختيار بينها.