إسرائيل تصارع شياطينها: كابوس «النووي» يتكرّر
أخبار عربية ودولية
الاثنين، ٢٢ أغسطس ٢٠٢٢
تترقّب إسرائيل، هذه الأيّام، خسارةً متعدّدة الأوجه، مع قرْب التوقيع على الاتفاق النووي بين إيران والقوى الغربية. خسارةٌ لا تقتصر على الملف النووي، بل تتعدّاه إلى مجمل مستويات المواجهة، خصوصاً مع فشل «الحليفة» الأميركية في إسقاط أو تطويع النظام الإيراني. من هنا، لا تغيّر العودة إلى الاتفاق من عدمها، الوضع القائم، فيما يُحكى في تل أبيب عن أن إسرائيل تُركت وحيدةً
خسارة إسرائيل حربها على إيران لا تقتصر على الملف النووي الإيراني فحسب، بل تتعدّاها إلى مجمل مستويات المواجهة المحتملة بين الجانبين، فيما تتوَّج هزائمها بفشل حليفها الأكبر، الولايات المتحدة، في إسقاط و/ أو تطويع نظام الجمهورية الإسلامية. وعلى نقيض ما يشاع نتيجة العمليات الاستعراضية الإسرائيلية في غير ساحة، فإن موقف طهران وحلفائها هجومي أكثر منه دفاعيّاً، في مقابل موقف إسرائيلي دفاعي. وليست الإشارة هنا إلى القدرة النووية فحسب، بل تعاظم قدرات إيران في مختلف الميادين، وخصوصاً العسكري، فضلاً عن تموضعها وحلفائها في الإقليم على تخوم الحدّ الإسرائيلي، بما يقرب التهديد عمليّاً إلى المسافة صفر، في ما لو قرّر أطراف «المحور» تفعيل هذه القدرات.
إزاء هذا الواقع، فإن العودة إلى الاتفاق النووي، من عدمها، لا تغيّر كثيراً من التموضعات أو التهديدات، وإنْ كانت تؤجّل الاستحقاق النووي الإيراني، من دون أن تلغيه. وفي المقابل، فإن من شأن الاتفاق أن يعزّز مكامن التهديد الأخرى، ويحصّنها في الوقت ذاته، في الداخل كما في الخارج، وتحديداً في الإقليم، وعلى تخوم الحدّ الإسرائيلي المباشر. وإنْ كان يتردّد في تل أبيب عبارات الخسارة مع اقتراب التوقيع على الاتفاق النووي، والحديث عن أن إسرائيل تُركت وحدها في مواجهة إيران، إلّا أن هذه التعبيرات تحتاج إلى تأمُّل:
- خسرت إسرائيل المعركة النووية، وربّما أيضاً المعركة برمّتها مع إيران، بعدما تمكّن الإيرانيون من الحصول على المعرفة النووية، من دون حاجة إلى استقدام أيّ من مكوناتها من الخارج. وهذا المستوى من المعرفة، جعل القدرة النووية العسكرية مسألة وقت، ومرهونة بقرار إيراني ذاتي.
- خسرت إسرائيل المعركة بعدما أدركت الولايات المتحدة أن كل الخيارات الأخرى التي جرى تفعيلها بقوّة وبإفراط في مواجهة نظام الجمهورية الإسلامية، باءت بالفشل.
- خسرت إسرائيل عندما قرّرت الولايات المتحدة، نتيجة لما ورد من محدّدات، أن تبتعد عن «المواجهة الصفرية» مع إيران، وترضى بالتسويات معها، وهو إقرار من جهتها، بأن العمل على إسقاط إيران لم يَعُد وارداً، وباتت التسويات هي مطلب الأميركيين الأوّل، ما يرفع القدرة الإيرانية إلى التساوي الندّي، في مواجهة أميركا الساعية إلى التسويات.
- كما خسرت إسرائيل عندما أذعنت واشنطن إلى المطالب الإيرانية الحاسمة: القدرة غير النووية، كما حال البرنامج الصاروخي والصناعة العسكرية باختلاف مستوياتها، هي خارج أيّ اتفاق، ولا يمكن لاتفاق نووي أو غيره، أن يشملها. وبذلك، خسرت إسرائيل أهمّ تهديد يواجهها خارج القدرة النووية، في موازاة نفوذ إيران وحضورها المتناميَين في الإقليم، حيث الاحتكاك المباشر مع إسرائيل، في دائرتها الأولى الداخلية، كما في الثانية المباشرة لها على حدّها من جبهات ثلاث.
على هذه الخلفية، فإن التوصّل إلى اتفاق من عدمه، لا يغيّر الكثير، وإنْ كان الاتفاق أشدّ وطأة على إسرائيل في أكثر من مستوى واتجاه: يؤجّل الاستحقاق النووي، لكنه يتيح الفرصة لإيران بأن تنمّي قدرات التهديد الأخرى، وأن تعزّز حضورها في الإقليم، مع حصانة نسبيّة يؤمّنه لها الاتفاق النووي نفسه. لكن اقتصار الحديث على تداعيات الاتفاق من عدمه على إسرائيل، غير مستساغ لدى الإيرانيين، وهم يشعرون بالمظلومية إن جرت مقارنتهم بإسرائيل، كون ما يعملون عليه، نووياً وعسكرياً واقتصادياً وسياسياً، مع حضور ونفوذ إقليميَّين، يهدف إلى تحصين إيران في مواجهة الولايات المتحدة، أما إسرائيل فمجرّد تابع في السياقات.