دمشق أكبر مدينة مأهولة بالسكان تعيش تحت ظل غمامة سوداء

دمشق أكبر مدينة مأهولة بالسكان تعيش تحت ظل غمامة سوداء

الأزمنة

الجمعة، ٢٥ مايو ٢٠١٢

باتت مسألة تلوث الهواء من أهم المسائل البيئية والصحية في دمشق وأصبح لابد من ضرورة لاتخاذ تدابير فعالة وسريعة للتخفيف من هذه المشكلة، وأجمعت أغلب الدراسات التي تُعنى بشأن التلوث الهوائي على ضرورة تشجيع النقل العام واستخدام الدراجات في الطرقات الفرعية وتحسين المستوى الصحي للمتضررين من أشكال التلوث الهوائي كافة، ويجب العمل بشكل جدي على دراسة موضوع التلوث من قبل مختصين واعتماد أساسَيْن هما إلزام وسائط النقل على تركيب التقنيات الحديثة لمنع التلوث والتوجه نحو المحروقات البديلة الأقل تلوثاً واعتماد تطبيق ومراقبة مواصفات ومقاييس انبعاث عوادم السيارات ومراقبة المنشآت الصناعية، كما يجب تطبيق الأنظمة والقوانين المتعلقة بهذا الأمر.
 كما يعدّ تلوث الهواء سبباً أساسياً في العديد من المشكلات الصحية مثل أمراض القلب وأمراض الجهاز التنفسي كالربو والانتفاخ الرئوي والسعال وتصلب الرئة... إلخ ونتيجة لزيادة عدد السكان وتوسع الخدمات والمرافق العامة ودخول مدن صناعية وانتشار المعامل الخاصة ساهمت كثيراً في ازدياد التلوث كما أشارت تقارير البنك الدولي في العام 2007 أن نحو 4000 حالة مرضية ووفاة بسبب التلوث في دمشق، وبيّنت العديد من الدراسات والإحصائيات العالمية أن التلوث في الهواء لا يختصر فقط على الأمراض التي ذكرناها سابقاً بل يتعدى لأمراض في الدماغ وحالات تشوه جيني.
أطلقت وزارة الإدارة المحلية والبيئة آنذاك مبادرة قبل أن تنفصل لتصبح وزارتين لمعالجة هذه المشكلة وحضّت على ضرورة تضافر الجهود للحد من الانبعاثات الصادرة عن وسائل النقل التي تعدّ من المسبب الرئيسي لتلوث الهواء، فبحسب الإحصائيات عام 2008 هناك ما يزيد عن 215 ألف مركبة في دمشق أي ما يشكل ثلث آليات سورية، وبيّنت الإحصائيات أن استهلاك مادة المازوت في دمشق تضاعف كثيراً في السنوات السبع الأخيرة إلى 4.5 ملايين ليتر وتعتبر الميكروباصات هي المسؤولة عن التلوث وخصوصاً خلال ساعات الذروة ولابد من ضرورة إيجاد وسائل نقل جماعي (ليس على سبيل الدعاية للقطاع الخاص) ويجب تخفيض حركة المرور في الأماكن المكتظة بالآليات وإيجاد حلول مرورية لذلك.
دراسة جودة هواء مدينة دمشق
بدأ مشروع الدراسة نهاية 1998 من قبل مركز الأبحاث العلمية والبيئية السورية بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون التقني وكان الهدف الرئيسي منه إجراء تقويم أولي لجودة الهواء وقد نُفذ المشروع في شهر تشرين الأول عام 1999 واستمر حتى شهر تشرين الثاني من عام 2000 وأُجري مسح تقريبي لانبعاث ملوثات الهواء في دمشق معتمدين على المعطيات المتوافرة من العام 1996 كمرجع وشمل المسح قطاع نقل في مدينة دمشق وريفها واختيرت ثلاث مناطق في دمشق وتم التركيز على نوعين من الملوثات هما ثاني أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد الكبريت حيث قُدر الانبعاث السنوي عام 1996 بـ 6300 طن لغاز ثاني أوكسيد الكبريت و149700 لغاز ثاني أوكسيد الكربون؛ وهذا طبعاً خاص بقطاع النقل، أما بالنسبة لقطاعات السكن والصناعة والتجارة فقد تم البحث في أحياء (مشروع دمر – القصاع – شارع بغداد – ابن عساكر – ساروجة) وكانت النتائج 300 طن لغاز ثاني أوكسيد الكبريت و3500 طن لثاني أوكسيد الكربون، وتعتبر المعايير هذه متجاوزة حسب المعيار الموضوع من قبل منظمة الصحة العالمية، وتم تنفيذ البرنامج الرئيسي لمراقبة جودة الهواء باستخدام أحدث التجهيزات المتوفرة للرصد وهي أجهزة تحليل آلية موضوعة في أماكن مختلفة من دمشق، وتم تحليل العينات المأخوذة بواسطتها في مخبر مركز الأبحاث العلمية والبيئية، وقد بيّنت الدراسة أن نسبة العوالق الهوائية الكلية تتراوح بالمتوسط في معظم مناطق المراقبة ما بين 200 – 300 ميكروغرام / متر المكعب.
وسائط النقل والمنظومة الشاملة للنقل
يعدّ السبب الرئيسي لتلوث هواء دمشق هو زيادة عدد الآليات السائرة على طرقاتها وهذا الأمر أكدته الدراسات العديدة، كون الانبعاثات الغازية الصادرة عن الآليات تأتي من نوعية الوقود المستخدم والذي يدخل في تركيبه معدن الرصاص الذي يتحول على شكل رصاص حر وأكاسيد ضارة بالصحة لذا يجب تنظيم عمل الآليات وإزالتها من وسط المناطق السكنية، وهنا أصبح من الضروري إنشاء منظومة شاملة للنقل وإنهاء مشروع مترو دمشق المنتظر منذ سنوات.
مبادرة الهواء النظيف
واقع التلوث دفع وزارة البيئية إلى إطلاق مبادرة الهواء النظيف حيث رأت أن القياسات الأولية التي أجريت في المدن الرئيسية أشارت إلى تدهور واضح في نوعية الهواء وزيادة قيم الانبعاثات الملوثة عن الحد المسموح بها للمعايير السورية والعالمية بشكل كبير وتحولت البيئة في بعض المدن إلى بيئة ملوثة بالغازات والدخان والضجيج.
دراسات حول تلوث الهواء
أشارت الدراسات الهندسية للتخطيط البيئي أن دمشق تقع في منطقة جافة أو شبه جافة ولا يوجد حولها أحزمة خضراء إضافة إلى واقع التخطيط العمراني الموجود في المدينة القديمة، حيث تميزت شوارعها بالضيق ولا تسمح بالكنس الرياحي للملوثات بإضافة إلى تنامي مناطق السكن العشوائي على أطراف المدينة على حساب معظم المناطق والأراضي الزراعي (انتشار المخالفات في الآونة الأخيرة) وخصوصاً غوطة دمشق والمزة ومنطقة برزة وجرمانا والدويلعة وكشكول، وبالتالي المساحة المشجرة يجب أن لا تقل عن 40% من مساحة المدينة في حين تقدر المساحات الإجمالية للحدائق اليوم بـ 7% من المساحة العامة للمدينة، كما بيّنت الدراسات أن غاز ثاني أوكسيد الآزوت بلغ أعلى قيم له في المواقع التي تتواجد فيها حركة كثيفة (البرامكة – ساحة باب توما – المهاجرين – ساحة يوسف العظمة - جانب كراج انطلاق البولمان والعباسيين) وأن أعلى تواجد للعوالق الهوائية الكلية في ساحة باب توما حيث قدرت بـ 369 ميكروغرام / متر المكعب.
انتشار ظاهرة تدخين النارجيلة
انتشرت ظاهرة تدخين النارجيلة بشكل ملحوظ في السنوات الخمسة الأخيرة في الأماكن العامة والحدائق والأرصفة والساحات وخصوصاً الكافتيريات والمطاعم والمقاهي بين الشباب أكثر من كبار السن وأصبح دخانها ملحوظاً ومزعجاً وخصوصاً في دمشق القديمة وجرمانا وصحنايا ومناطق الاصطياف؛ رغم أن القوانين والمراسيم حددت شروط التدخين والأماكن، طبعاً هذا أضاف عبئاً جديداً لم يكن في الحسبان في ازدياد ظاهرة التلوث.
واجب التعاون الحكومي والأهلي
لا بد من ضرورة تطبيق العديد من الإجراءات الذي نصّ عليها قانون البيئة والمراسيم للقضاء على المسببات المتعلقة بتلوث الهواء والتخفيف من أضراره ولا بد من ضرورة العمل الجماعي وتوفير التوعية البيئية والصحية لهذا الشأن واستغلال المساحات البيضاء وتحويلها إلى حدائق حتى تصبح رئات للمدينة وإنشاء حزام أخضر على أطراف المدينة وتنفيذ نظام لتطوير أعمال إدارة جودة الهواء وتنفيذ برنامج رصد ملائم وتشجيع استخدام الطاقات البديلة والمتجددة.
غادة بقلة
ALSHAKAWE@HOTMAIL.COM