أول مؤتمر للمرأة الشرقية عُقد بدمشق 1930 م .. (1 من 3)
ثقافة
الجمعة، ٢ أغسطس ٢٠١٣
شمس الدين العجلاني
كانت ولم تزل المرأة السورية سبّاقه في كل المجالات، وتسعى على الصعد كافة لتحقيق ذاتها والمساعدة في صون وحفظ بلدها. لذا عُقد أول مؤتمر للمرأة الشرقية بدمشق منذ أكثر من ثمانين عاماً، في وقت لم تكن العديد من الدول "الشقيقة" قد ظهرت على الخارطة الجغرافية، فالمرأة إلى هذه اللحظة في عدد من الدول العربية تعاني الأمرّين! وهي محرومة من أبسط حقوقها السياسية والاجتماعية والإنسانية..
ففي دمشق عُقد أول مؤتمر للمرأة الشرقية عام 1930، واهتمت بمتابعة فعاليات هذا المؤتمر الصحافة السورية وعلى رأسها جريدة الشعب التي واكبت المؤتمر منذ اللحظات الأولى لانعقاده وأفردت له الصفحات العديدة..
المؤتمر النسائي الأول في دمشق عام 1930:
استضافت دمشق في مطلع عام 1930 المؤتمر النسائي الشرقي الأول، بحضور وفد من نساء سورية برئاسة نور حمادة (وكانت أيضاً رئيسة المؤتمر) وعضوية عدد من السيدات السوريات، واستمر المؤتمر عدة أيام، ناقشت فيه نساء الشرق قضايا المرأة، وألقت معظمهن خطباً عن الحركة النسائية في بلادهنّ. وألقت نساء سورية الكلمات الاجتماعية المثيرة وتطرقن للعديد من القضايا التي تمسّ واقع المرأة الشرقية، وسبل تحررها، ودفعها لتأخذ مكانتها بالمجتمع والدولة.
كما شارك في المؤتمر عدد كبير من السيدات الشرقيات من لبنان، والعراق، ومصر، وأفغانستان، وإيران، والحجاز... وعدد من المنظمات الدولية. ومن النساء الشرقيات اللواتي شاركن في المؤتمر، وفد إيران وهو مؤلف من الآنسة قديسة أشرف والآنسة كيمهان قربان والآنسة يمنة دانا والدكتور ذبيج قربان، ومن حلب السيدة فائقة المدرس زعيمة النهضة النسائية في الشهباء ترافقها الآنسة بهية كواكبي والآنسة نظلة الموسوية وسيدتان عن حماة كريمات معالي وزير الزراعة. ومن بيروت إيفا ثابت وحرم صالح بك حيدر ومينا طراد وأسما قليلات وماري شامي وكرتين سعد ومارتيلدا سعدو، وعن جمعية العصبة المحمدية في بيروت السيدة سلمى صديق، والسيدة أديل صباغة رئيسة مأوى العجزة للروم مع رفيقتيها اميلي فارس رئيسة جمعية العاملات، والسيدة أمينة توفيق رئيسة الجمعية الخيرية للمصنع الإسلامي..
المؤتمر النسائي الشرقي الأول عُقد في مبنى الجامعة السورية، ولكن ما لبث أن منعت إدارة الجامعة السورية المؤتمر من متابعة أعماله على مدرجاتها، فانتقل إلى باحة مدرسة الجامعة العلمية. كما شهدت قاعات فندق فكتوريا (الذي كان قائماً في ساحة المرجة) العديد من نشاطات نساء المشرق، حيث استضاف هذا الفندق العديد من الوفود المشاركة في المؤتمر ومنها الوفد النسائي السوري برئاسة نور حمادة وعضوية عدد من نساء سورية منهن، حرم جميل مردم، حرم حقي العظم، وأسماء جبرائيل عيد حرم فارس الخوري، الآنسة طلعت مردم بك، الآنسة أسمى العظم، كما كان للسيدة نازك العابد، صاحبة مجلة "نور الفيحاء" الداعية لتحرر المرأة، ومؤسسة "النادي النسائي الشامي" الدور الفعال في هذا المؤتمر وترأست عدة جلسات في المؤتمر.
كانت المشاركات في المؤتمر من العديد من المحافظات السورية، حيث شارك في المؤتمر إضافة للوفد الرسمي السوري أكثر من ثلاثمئة امرأة سورية، وعشرات النساء من الدول العربية والمشرقية المختلفة، ومن الأمور التي أقرها المؤتمر كما ورد في جريدة الشعب الدمشقية يوم 6 تموز 1930 العدد 869 "قضية الطلاق فبحث المؤتمر ضرورة منح حق الطلاق للجنسين على أن يقيد هذا بقيود ثقيلة فلا يمنح إلا في ظروف استثنائية وإذا كلّف الزوج الزوجة أو الزوجة الزوج بدون سبب معقول ترفع القضية للمحاكم التي يجب أن تحكم بتعويض مادي لا يقل عن نصف أملاك المعتدي".
في كتابات الدكتور مهيار ملوحي عن الصحافة السورية، العديد من الصفحات للحديث عن المؤتمر النسائي، وينقل ما تناقلته الجرائد السورية آنذاك عن فعاليات هذا المؤتمر وخاصة جريدة الشعب الدمشقية...
تذكر مجلة "مصر الحديثة" في أحد أعدادها الصادرة عام 1930 م، افتتح المؤتمر في الثالث من تموز، واختتمت أعماله بعد خمسة أيام أُلقيت خلالها خطب تطرقت إلى مواضيع شتّى، منها "نشر العلم بين النساء، القضاء على زواج الصغار وتحديد سن الزواج، إبطال تعدد الزوجات، تعديل قانون الطلاق وجعله موافقاً لروح العصر، نزع الحجاب تدريجياً مع مراعاة المستوى التهذيبي، وإصلاح حال المرأة اجتماعياً ومدنياً وسياسياً واقتصادياً".
ملائكة الإحسان ترفرف في سماء دمشق:
قالت جريدة الشعب الدمشقية في أحد أعدادها الصادرة عام 1930: (نشطت الحركة النسائية في العالم بعد الحرب الكونية، وأخذت تنتقل من طور إلى آخر تشقّ الطريق إلى الحياة، إلى حيث تكون المرأة جنباً إلى جنب مع الرجل في طرازي التفكير والعمل.
وقد أتيح للمرأة الغربية أن تتمتع بكثير من الحقوق التي يتمتع بها الرجل، فكان لها في البرلمان ودوائر الحكومة ومجالس البلديات ووظائف الشرطة، وفي المستشفيات وفي المحاكم مناصب ومقاعد وأخذت تماشي الرجل في جميع أطوار الحياة حتى أنها لم تجبن تجاه الأخطار التي يتعرض لها الطيارون ورواد المجاهل البعيدة، والمغرمون بالسياحات الشاقة بل كان لها خطوات واسعة جريئة، في هذا المضمار، نالت الإعجاب والاستحسان ورأت المرأة الشرقية ما وصلت إليه المرأة الغربية، فهالها منها هذا التقدم السريع، وجرأتها النادرة في المطالبة بالحقوق والسعي وراء الكمال فراحت تقفو أثرها، وتتبع حركاتها وتقتبس منها، حتى رأينا في بلادنا – كما في البلاد الشرقية عامة – جمعيات نسائية كثيرة ترمي إلى أهداف شتى ولكنها في الحقيقة تقصد غاية واحدة هي النهوض بالمرأة الشرقية إلى مستوى راق، وتخليصها من الظلمات العميقة المشتملة عليها. وأخذنا نرى اهتمام المرأة الشرقية بالتربية والتعليم ونشر الثقافة والتهذيب، بادياً في كثير من مظاهر حياتها، وبما أن صدر الأم هو المدرسة الأولى للطفل، ومنها يتلقى تحت أجنحة الحب والحنان، دروس الفضائل والأخلاق الحميدة، وجب علينا أن لا نتوانى في تشجيع المرأة ومساعدتها، بكل ما لدينا من قوى وجهود، في هذه النهضة المباركة وأن نستقبل منها يقظتها هذه بالغبطة والابتهاج، لأننا في أشد الحاجة إلى أمهات متعلمات يحسن تربية أولادنا وتثقيفهم، فيزرعن في صدورهم المبادئ الحرة، والغايات النبيلة.
أجل، إنا لفي حاجة ماسة إلى جنود بارك نفوسهم الروح الأعلى الذي تستمد منه الأم القوة والصبر لتغرسهما بحنان في نفوس أبنائها…
إن نقائصنا الاجتماعية لا يبلها الحصر، وسلسلة التربية في البيت والمدرسة متفككة العرى، منفصمة الأجزاء، فإذا لم نجاهد لإيجاد أمهات صالحات، يخرجن لنا جيلاً يقصر همه على خدمة بلاده، شعاره الإخلاص والتسامح والتعاون، ظللنا على ما نحن عليه، نرسف في القيود، ونتخبط في الظلمات، ولا حيلة لنا على الخلاء ولا رجاء… إننا كأفراد نستطيع أن نقدم على أعمال كثيرة، وقد نتوفّق في إقدامنا وقد ننجح في مسعانا. ولكن الفرد مهما وفق في حياته، ومهما نال من نتاج مساعيه، فإنه أبداً مفتقر إلى المجموع، وليس له غنى عن التعاون مع الغير، وإذا دعتنا الحاجة – وما أكثر ما تدعونا – إلى العمل مجتمعين، لم نحصل على نتيجة من الجهود المشتركة، وكان نصيب مساعينا كلها الرجوع إلى الوراء، مع الخسارة المادية والمعنوية.
إذن نحن في حاجة إلى جهود المرأة ومساعيها في سبيل الإصلاح من جميع وجوهه وقد فهمنا هذه الحاجة ويا للأسف متأخرين فقد تقدمتنا الأمم المجاورة والبعيدة ولم يتسنّ لنا أن نفهم حقيقة موقفنا من الحياة، إلا في مثل هذا الظرف المتأخر، وعلى كل حال فإننا قادرون على تعويض ما فاتنا بنسبة الجهود التي نبذلها.. وها هي المرأة السورية قد تقدمت بجرأة إلى ميدان العمل وها هي تريد أن تعمل، فأفسحوا لها المجال، وناصروها فإن للمرأة فعالية قوية في الحياة.
وستثمر جهودها بعد أيام قليلة، وفي المؤتمر النسائي الشرقي الذي سيعقد في بناية الجامعة السورية ففي الثالث من شهر تموز تكون ملائكة الإحسان مرفرفة في سماء تلك البناية لتبارك جهود المرأة السورية في سبيل بلادها وفي سبيل الشرق عامة وستكون لدمشق ذكرى خالدة في نفوس الشرقيين لأنها ضمت ضلوعها على أول مؤتمر نسائي شرقي وصفقت في نشوة وطرب لصوت المرأة الشرقية يرتفع في حماس فوق منابرها. " جريدة الشعب العدد /866/ السنة الثالثة الصادر في يوم الأربعاء 2 تموز سنة 1930".
يتبع