قوننة الدعارة بين مطرقة الرفض وسندان القبول

قوننة الدعارة بين مطرقة الرفض وسندان القبول

ثقافة

الخميس، ١١ مارس ٢٠١٠

تصاعدت مؤخرا الأصوات التي تنادي إلى شرعنة الدعارة وإخضاعها للرقابة الحكومية ، معتبرين أن ذلك أفضل من بقاءها حبيسة البيوت والأماكن السرية ، فهي شئنا أم أبينا، ظاهرة قائمة في مجتمعنا،لها زبائنها وفتياتها والعاملين بها بمختلف الأعمار والظروف والأوضاع .....ويعد الكبت الجنسي الذي يعيشه شبابنا والظروف الإجتماعية والإقتصادية التي تحول دون اقامة الشاب لعلاقة زوجية صحية من أسباب انتشار الدعارة في المجتمعات. 
تذرع المطالبون بقوننة وشرعنة الدعارة بأن في ذلك حماية لشبابنا من الأمراض الجنسية حيث تخضع الباغيات إلى فحص صحي دوري ،كما ستمارس هذه المهنة في بيوت مخصصة لها وفي أماكن محددة ،كما يرى البعض أن مهنة الدعارة قد تحسن الإقتصاد الوطني بشكل كبير.
يقول رئيف الخير35 سنة:" مشهد يتكرر بشكل يومي عند أحد الزوايا في شارع بغداد، فتيات تقفن بكامل زينتهن منهن سافرات الرأس ،وأخريات محجبات ، يسعين للحصول على زبون من المارة أو أصحاب السيارات على الطريق ،مقابل مبلغ تافه من المال إذا ما قورن بثمن وقيمة ما يقدم!السؤال هنا :هذا المنظر شبه اليومي على مرأى من أطفالنا ونساءنا وشبابنا ألا يخدش حيائهم وأحاسيسهم ،ويفتح عيونهم على أشياء قد لا تخطر على بالهم؟
أليست الرذيلة لصيقة بهم في هذه الحالة ؟
وعندما ترتدي هؤلاء النساء الحجاب أحيانا ،ومرات عديدة يبدون كباقي الفتيات المارات في الشارع ، ألن يجلبن الشبهة للبقيات الشريفات ؟
أرى أن شرعنة الدعارة وفق نظام وقانون محدد وتحت إشراف وزارة الصحة حل لكافة مآسينا وآفاتنا الإجتماعية على الأقل ممكن أن تحد من الفجور الذي بتنا نلمسه في الشوارع ".
رفض تام:
عندما يتم عرض وجهة النظر السابقة نجد في المقابل أصوات تتعالى مهاجمة ومستنكرة لهذه الدعوات معتبرين هذه النداءات مدخل لمزيد من الفلتان والانحلال الخلقي والاجتماعي، وتقليد أعمى للغرب  الأمر الذي يعود على مجتمعاتنا بنتائج لا يحمد عقباها.
يقول صادق سرمد :"أنا مع قوننة الدعارة وتحويلها إلى مهنة نظامية للحد من حالة الفلتان والعشوائية السائدة في المجتمع ،فعندما يكون لها بيوت معروفة في تجمعات معينة ،لا يذهب إليها إلا من يقصدها،بينما الآن تمارس الدعارة في بيوت تستأجر في أبنية تحوي أطفال وشباب ومراهقين يرون نساء ورجال يدخلون إلى بيت معين لممارسة الرذيلة.
ومن الذي قال أن قوننة الدعارة ستزيد من حالة الفلتان فهل من يمارس هذه المهنة مازال ينتظر قانون! فهي تمارس أردنا أم رفضنا!"
سعيد مرعشلي يخالف صادق ورئيف بالرأي فيرى أن في قوننة الدعارة وشرعنتها دعوة واضحة للفجور ،والتذرع بالوقاية من الأمراض والحفاظ على اقتصاد البلد ماهي إلا حجج واهية فيقول:"بدل من فتح بيوت نظامية لممارسة الدعارة ،فلتحاول الدولة ايجاد فرص عمل للشباب لتساعدهم على بناء مستقبل أفضل مما يسهل لهم عملية الزواج بشكل أسرع، كما يمكن أن تقدم الحكومة للشباب بيوتا وقروض طويلة الأمد .
ومن الممكن أن تُبث رسائل وتُقام حملات لتوعية أهل الفتيات وإقناعهم بتخفيض المهور والطلبات التعجيزية التي تُطلب من الشاب المُقدم على الزواج ،بينما قوننة الدعارة تسهل على الشباب تورطهم بالرذيلة وصرف اموالهم على نزواتهم مما يساعد على الانحلال الاخلاقي في مجتمعنا."
تتساءل باسمة محمد:لماذا لا نأخذ من الغرب الأشياء التي طورتهم ورفعت مكانتهم ؟لماذا نلهث وراء فجورهم وقلة أدبهم ؟أليست هذه العلاقات هي من نشرت الأمراض وعلى رأسها الأيدز ؟علما أنه في الغرب يوجد لكل فتاة صديق وعلى علم أهلها وأهله ،أصدقائها وأصدقائه ،فلا يضطرون إلى ممارسة دعارة مقوننة ...."
رضا المهايني يقول :"أنا أرفض ان أمارس الجنس مع فتاة مشاع لكل الرجال حتى لو كنت لا أنوي الزواج بها بالأصل ،فالموضوع يخضع لعوامل نفسية مئة بالمئة! وعندما يصبح هناك بيوت للدعارة وفتيات مخصصات لهذه المهنة سيكون الوضع مقرفا ومنفرا ،أم أننا تحولنا إلى حيوانات فقط تلهث وراء غرائز لا إنسانية؟"
لا حاجة للقوننة:
ماهر الأحمد يرى أنه ليس هناك من داعي للقوننة فيقول مستهزئا :"الفجور ينهش بمجتمعاتنا ،فلا يوجد حاجة إلى سن قوانين تسن على ممارسة هذه المهنة بحجة الحفاظ على صحة شبابنا واقتصاد بلدنا ،فالدعارة في سورية تمارس وعلى عينك يا تاجر ،فالكبت الجنسي يسري في صفوف شبابنا العاجزون عن الزواج  بسبب غلاء الحياة والمهور ،خاصة أن عملية الخطبة والزواج تحولت إلى صفقة تجارية!"
أسباب انتشار الدعارة :
بالرغم من رفض مهنة الدعارة في عاداتنا وتقاليدنا ودياناتنا و
مجتمعاتنا إلا أنها تمارس سرا وبشكل كبير جدا خاصة في الفترة الأخيرة ،وذلك لأسباب عديدة على رأسها الكبت الجنسي الذي يعاني منه الشباب الذين تمنعهم ظروفهم الاقتصادية من إقامة علاقة زواج طبيعية .
كما أن انتشار الفقر وسوء الأوضاع الاقتصادية دفع عدد كبير من النساء للجوء إلى هذه المهنة لكسب المال.
و تستشري في مجتمعاتنا الذكورية للأسف فكرة سيئة تصنف المرأة كأداة للمتعة ووسيلة للإشباع الجنسي.
ومع انتشار الفضائيات والإنترنت والمواقع والقنوات الإباحية الخارجة عن سيطرة الرقابة،و التي تبث صورا ومشاهد جنسية مثيرة بات توجه ولجوء الشباب العازب المحروم للدعارة أمرا لا مفر منه.
سمير الرافع يقول:"لا يمكن إنكار أن الدعارة هي مهنة كسائر المهن ومن أقدمها في التاريخ، ويتم تداولها في سوريا كما كل دول العالم سواء رفضنا أو وافقنا ، فلم لا تكون مراقبة من قبل الدولة لتفادي المزيد من المشكلات المترتبة على عشوائيتها؟ أما عن الكبت الجنسي المتفشي في مجتمعنا فهو يعود للمفهوم الخاطئ للجنس والجهل الجنسي لدى مجتمعاتنا التي تربطه دائما بمفهوم متعة الرجل وواجب المرأة بإرضائه وإشباع غرائزه."
تاريخ الدعارة في سوريا:
 الدعارة أقدم مهنة في التاريخ ،حيث كانت النساء يمنحن أجسادهن للرجال مقابل الحصول على المال.
كان العمل في هذه المهنة مسموح به في قانون الدولة العباسية ،فأسست مراكز خاصة بها في دمشق للحفاظ على الأمن العام وتجنبا لاغتصاب النساء من قبل الجنود الجوالين في الشوارع.
وكان هذا النظام سائداً عندما انهارت الدولة العثمانية عام 1918. ومن ثمّ جاءت الحرب العالمية الأولى حاملة معها ما حملت من دمار وفقر،الأمر الذي جعل  العديد من النساء السوريات يمارسن الدعارة لكسب لقمة العيش.
وعندما دخل الفرنسيون الى سوريا سمحوا بالدعارة بشكل قانوني في المدن الكبرى ،وكانت مراكز الدعارة مسجلة في السجلات الحكومية، وتتم حراستها من قبل رجال مسلحين أغلبهم من السنغال تابعين لجيش الاحتلال الفرنسي.
وكانت أي امرأة تمسك متلبسة بعلاقة جنسية غير قانونية أكثر من ثلاثة مرات تعتقل وترسل إلى مراكز الدعارة ، لتصبح موظفة رسمية هناك ، يتوجب عليها دفع الضرائب للحكومة المركزية والخضوع لفحوصات صحية مرتين في الأسبوع في وزارة الصحة.
حيث تم تسجيل 271 مومس رسميا في سوريا في بداية عام 1922.
كان الزبائن المعتادون على ارتياد تلك المراكز أثناء الانتداب الفرنسي غالباً من الأجانب والفرنسيين فلطالما اعتبر السوريون ارتياد هذه الأماكن أمر غير أخلاقي ومرفوض اجتماعياً ،إلا أن الأمر أصبح مألوفا للسوريين في عقد الثلاثينات من القرن العشرين.
وفي عام 1953 ظهرت أول حركة جدية لمكافحة هذه النزعة على يد الرئيس أديب الشيشيكلي، الذي أصدر قوانين صارمة لمنع الدعارة في سوريا.
عام 1957 طالبت مجموعة من رجال الدين بطلب الى الرئيس شكري القوتلي ورئيس مجلس الشعب ناظم القدسي بإغلاق الملاهي والنوادي الليلية، وأماكن الدعارة الغير قانونية إلا أن طلبهم رفض لعدة اعتبارات.
 بينما تم الغاؤها  في عهد الرئيس جمال عبد الناصر عام 1959 في ظل الجمهورية العربية المتحدة .
يقول المؤرخ الدكتور سامي المبيض:
"منذ نهاية العهد العثماني حتى عام 1958 كانت مهنة الدعارة مشرعة في القانون السوري أيام فرنسا وفي مرحلة مابعد الاستقلال،كان الاعتقاد السائد منذ عهد السلطان عبد الحميد أن الدعارة ستحصل سواء كانت برضا الدولة أو بعدم رضاها ،فبدل أن تمارس بالخفاء وفي الغرف الحمراء لتكن تحت إشراف الدولة.
وفقا للمسح الذي قامت به فرنسا عام 1920 للمهن الموجودة في منطقة الإنتداب كان هناك 271 امرأة تمارس الدعارة بشكل رسمي ،وقوننة الدعارة بدأت بشكلها العصري في عهد فرنسا حيث كانت الباغيات تزرن وزارة الصحة مرتين في الأسبوع ،وكان هناك وقت يبدأ فيه الدوام ،ووقت آخر لإغلاقه ،ويوجد ضرائب للدولة ،وأي شخص يمسك وهو يمارس المهنة خارج منظومة الدولة ومراقبتها  يخضع للمسآلة القانونية ويعاقب عقوبة شديدة تبدأ بالغرامة المالية وتصل إلى السجن.
وبقي الحال على هذا الوضع حتى أصدر الرئيس جمال عبد الناصر المرسوم رقم 10 عام 1958 منع من خلاله كل أنواع البغاء والترويج له."
يضيف الدكتور مبيض:"أرى أن ما جرى بعد سنة 1958 فشل لم يحد من ممارسة المهنة بل على العكس ارتفعت نسبة الأمراض وازداد العمل بالسر."
دارين صالح