أيها الاقتصاديون: كيف نشجع الصادرات؟ … تشغيل الأموال المودعة في المصارف يشجع الإنتاج والتصدير

أيها الاقتصاديون: كيف نشجع الصادرات؟ … تشغيل الأموال المودعة في المصارف يشجع الإنتاج والتصدير

مال واعمال

الأحد، ٢ أكتوبر ٢٠١٦

بعد مرور الاقتصاد المحلي بحرب خلال السنوات الخمس الماضية، أصبحت الصادرات واحداً من أهم التحديات التي تواجه صناع القرار الاقتصادي، وخاصةً مع تراجع ومحدودية الموارد الداخلية وزيادة الحاجة للاستيراد وتراجع التصدير بشكل كبير.
فزيادة حجم المستوردات جعلت مخزون القطع الأجنبي في البلاد يتراجع بشكل كبير، وترافق هذا التراجع في مخزون القطع مع عدم وجود صادرات تساعد على إعادة ملء هذا المخزون من جديد، الأمر الذي دفع الحكومة السورية لإيجاد مخارج بديلة لدعم خزينة الدولة من القطع الأجنبي، كقيامها بفرض رسوم يتم سدادها بالقطع الأجنبي معظمها يتم فرضه على المواطنين السوريين المقيمين خارج القطر.
واليوم مع بدايات الحكومة الجديدة وضعت هدفاً أساسياً ضمن مخططاتها يتمثل بضرورة تشجيع الصادرات والبدء باتخاذ السبل الكفيلة للقيام بذلك.
ولكن المشكلة الأساسية تتمثل في انعدام أو توقف شبه جزئي للإنتاج، فإذا لم ننتج فماذا نصدر؟
هذا السؤال وضع الحكومة الحالية أمام موقف صعب، وبالتالي عليها أن تتساءل لماذا لا ننتج؟ وعند الدخول في التفاصيل نلاحظ أن الإنتاج في هذه الظروف قد يكون صعباً أو حتى مكلفاً بشكل كبير، فالإنتاج مهما كان شكله بسيطاً أم معقداً فهو يحتاج إلى الطاقة، والطاقة أصبحت اليوم مفقودة نوعاً ما، الأمر الذي جعل من توافرها مكلفاً بعض الشيء، ما يرهق المنتجين ويزيد في تكلفة الإنتاج بشكل كبير.
إلى جانب ذلك فالإنتاج بحاجة إلى مواد أولية قد تكون مفقودة في الكثير من الأحيان وقد يُضطر المنتج إلى استيراد المواد الأولية بأسعار قطع مرتفعة، الأمر الذي يساهم في رفع تكلفة المنتج من جديد.
كذلك الأمر، فخروج بعض المناطق عن السيطرة الحكومية جعلت الكثير من المنشآت الصناعية تتوقف عن العمل، وبالتالي خروج عدد لا بأس به من فرص إعادة الإنتاج بهدف التصدير من المعادلة الموجودة على الطاولة في الفترة الحالية.
إضافة إلى ذلك فارتفاع تكلفة النقل وحماية المنتجات المنقولة يسهمان في رفع تكلفة المنتج وبالتالي يصبح المنتج أمام هذه التكاليف الإضافية غير اقتصادي.
هذه المشاكل وغيرها الكثير تقف أمام عودة الحركة للصادرات ضمن الظروف الحالية. ولكن لا مشكلة بلا حل، فهناك بعض الحلول الجزئية التي يمكن للحكومة اتخاذها للبدء بعملية التصدير من جديد.
فالخطوة الأولى التي يجب على الحكومة اتخاذها في هذا المجال تشكيل لجنة موسعة لدراسة التصدير وتشجيعه، واعتبار التصدير خطاً أحمر، وعدم تركه لقرارات فردية، وإنما يجب أن تكون القرارات التي تخص التصدير جماعية، وذلك بهدف الابتعاد عن التجارب من جديد.
ثانياً، بإمكان الحكومة التوجه نحو المنتجات اليدوية وتشجيعها وتأمين لوازمها على اعتبارها باباً رئيسياً من الممكن أن يبدأ تصديرها من جديد، ولاسيما مع وجود أسواق كبيرة تنتظر مثل هذه المنتجات.
أما الخطوة الثالثة والجريئة فتتمثل في ضرورة اتخاذ قرارات في تشغيل الأموال المودعة لدى المصارف ومنحها الفرصة لتشجيع عجلة الإنتاج من جديد لتكون هذه المنتجات جاهزة للتصدير والبيع في الأسواق الخارجية.
كذلك فمن واجب الحكومة تقديم التسهيلات الكافية لعمليات الإنتاج كالبحث في تقديم الطاقة بأسعار مناسبة ومرتبطة بحجم صادرات كل منشأة، أي أن تقوم الحكومة بتقديم التسهيلات الإنتاجية للمصدرين الأكثر نشاطاً بهدف تشجيعهم وللاستفادة من تكلفة الدعم التي تتحملها الحكومة.
إلى جانب ذلك فمن واجب الحكومة وأمام التغييرات التي تقوم بها خلال الفترة الحالية، إعادة النظر بدور اتحاد المصدرين ومدى قيامه بواجباته المطلوبة منه، وتفعيل دور غرفة الصناعة في هذا المجال وجعل اتحاد المصدرين وغرفة الصناعة يداً واحدة تعمل ببوتقة واحدة، فقد يكون دمج اتحاد المصدرين ضمن غرفة صناعة واحدة من الخطوات الجدية الواجب اتخاذها من الحكومة.
كما أنه بإمكان الحكومة تطوير بعض اتفاقيات التصدير للدول الصديقة الخاصة ببعض السلع المحلية كالحمضيات وزيت الزيتون والتفاح، وخاصة أن هذه المنتجات ذات أسعار اقتصادية وجودة منافسة مع الدول الأخرى ولكن بعد دراسة التجارب السابقة والعمل على إيجاد حلول لها.
إضافة إلى ذلك فمن واجب الحكومة أن تقوم بدراسة المستوردات والعمل على فرزها والتركيز على الضروري للإنتاج والتقليل من المستوردات المعدة للاستهلاك المباشر.
ومن واجب القائمين على تنظيم قطاع التصدير اليوم أن يقوموا بتنشيط تصدير الخدمات، كخدمات مكاتب المهن الفكرية كتصميم مواقع الانترنت والخدمات الأخرى التي تتم عبر الشبكة العنكبوتية، فهذا التصدير للخدمات غير مصرح عنه حتى الآن على الرغم من وجوده بشكل كبير، فعلى القائمين على قطاع التصدير أن يقوموا بتنظيم هذا القطاع وتشجيعه والعمل على تنميته بشكل صحيح وسليم ويصب في مصلحة الاقتصاد الوطني.
إذاً، الحكومة اليوم بحاجة لوضع خطة متوسطة المدى تمتد من ثلاث حتى خمس سنوات، ترسم فيها معالم حركة الصادرات وكيف ستقوم بالتصدير وماذا سوف تُصدر وبالتالي عليها أن تخطط ماذا سوف تنتج وكيف ولماذا وما احتياجاتها لذلك من الأموال واليد العاملة والمواد الأولية وما إلى ذلك من مستلزمات للإنتاج؟
وفي النهاية نقول: «لكي نعرف كيف سوف نُصدر علينا أن نعرف ماذا سوف نُنتج» وبالبحث عن الإجابة بشأن المنتجات القابلة للتصدير نستطيع التعرف على مقومات صادراتنا الحالية وكيفية القيام بذلك، مع التأكيد لضرورة اتخاذ قرارات حكومية جماعية لا فردية في هذا الخصوص.

حامد سيف الدين
عضو مؤسس في الجمعية السورية للمحللين الماليين