ميزانية السعودية للعام 2017: عجز تفاؤلي؟

ميزانية السعودية للعام 2017: عجز تفاؤلي؟

مال واعمال

الجمعة، ٢٣ ديسمبر ٢٠١٦

حتى عام 2020، سيتحقق، بحسب الرهانات السعودية، جزء مهم من أفق رؤية ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الاقتصادية للحد من تعويل المملكة على النفط كمصدر أساسي لإيراداتها، وسط توقعات سابقة بأن تكون الطريق إليها صعبة ومكلفة على المملكة، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. لكن الضجة والتغطية الإعلامية التي رافقت أمس إعلان الرياض عن ميزانية عام 2017، كانتا بمثابة دعاية جيدة التحضير لخطة الأمير الطموحة، التي بحسب أرقام وزارة المالية بدأت تعطي ثمارها، ومحاولة لقلب الطاولة في وجه جميع التكهنات بتدهور أكبر اقتصاد عربي، لا سيما بسبب انخفاض سياسة أسعار النفط والإنفاق السعودي الاستثنائي على التسلح وتكلفة حرب اليمن التي لم تضع أوزارها حتى الآن.
ومع عجز في الميزانية أقل من المتوقع، بسعر 55 دولاراً لبرميل النفط، حاولت السعودية أن توجه أمس رسالتين للداخل والخارج، عبر طمأنة مواطنيها اولاً، والقطاع الاستثماري ثانياً الذي فرمل تطلعاته خلال العام الحالي في المملكة النفطية، مؤكدة تأكيدا لافتا أن أرقامها «شفافة» وأنها ستعتمد «الشفافية» أكثر في السنوات المقبلة.
وستكون 2017 رابع سنة توالياً تعلن فيها المملكة، أكبر مصدر للنفط في العالم، عجزا في ميزانيتها، نظرا الى الانخفاض الكبير الذي تشهده أسعار النفط، اذ فقد برميل النفط قرابة نصف سعره منذ حزيران 2014.
وأعلنت السعودية عن أول ميزانية لها منذ الكشف عن «الرؤية 2030» التي أطلقها بن سلمان في نيسان الماضي، متوقعة أن تشهد ميزانية 2017 عجزا بنحو 52.8 مليار دولار، في تراجع كبير عن العجز الذي سجلته الميزانية السابقة.
وتبلغ معدلات الإنفاق المتوقعة في الميزانية المقبلة لأكبر اقتصاد عربي 890 مليار ريال سعودي، أي نحو 237.2 مليار دولار، بزيادة بنسبة ثمانية في المئة عن الميزانية السابقة. وتبلغ قيمة الإيرادات المتوقعة 692 مليار ريال، بما يعادل 184.4 مليار دولار. وبذلك، يكون العجز المتوقع 198 مليار ريال سعودي، أي حوالي 52.8 مليار دولار.
وفي عام 2015، شهدت الميزانية السعودية عجزاً قياسياً بلغ 98 مليار دولار.
وأعلنت الحكومة أن العجز في ميزانية عام 2016 بلغ 79.1 مليار دولار (297 مليار ريال سعودي) في انخفاض بنسبة 8.9 في المئة عن قيمة العجز الذي توقعته الرياض قبيل بداية العام المالي وقدرته حينها بحوالي 87 مليار دولار.
وحققت المملكة في 2016 إيرادات بقيمة 528 مليار ريال سعودي، في زيادة عن قيمة الإيرادات المتوقعة والبالغة 513.7 مليار. في مقابل ذلك، أنفقت الرياض 825 مليار ريال سعودي، أي بأقل من 1.8 في المئة عما توقعت إنفاقه.
وقال الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز «نعلن ميزانية السنة المالية المقبلة التي تأتي في ظروف اقتصادية شديدة، ما أثر على بلادنا، وقد سعت الدولة إلى التعامل مع هذه المتغيرات بما لا يؤثر على ما نتطلع إلى تحقيقه من أهداف»، مشدداً على أن السعودية عازمة «على تعديل مقومات الاقتصاد الوطني»، ومضيفاً أن «اقتصادنا يملك القوة الكافية لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية الحالية».
وكانت الحكومة السعودية قد اتخذت خلال الاشهر الماضية سلسلة خطوات تقشف، شملت رفع أسعار مواد أساسية كالوقود والمياه والكهرباء، وتخفيض رواتب الوزراء والتقديمات السخية للموظفين في القطاع العام.
وأوضح وزير الطاقة السعودي خالد الفالح أن أسعار المنتجات النفطية في السعودية ستشهد ارتفاعا إضافيا في 2017 لتنسجم في أفق 2020 مع أسعار السوق العالمية، موضحاً ان هذا الارتفاع «سيكون تدريجيا» وستواكبه مساعدة لرعايا المملكة لتحمل تأثير ذلك على قدرتهم الشرائية. وأكد وزير المالية محمد الجدعان انه لن تكون هناك ضريبة على دخل السعوديين والمقيمين والشركات السعودية في السنوات الأربع المقبلة.
وفي تشرين الاول الماضي، جمعت السعودية مبلغا قياسيا هو 17.5 مليار دولار أميركي، في أول عملية اقتراض لها عبر طرح سندات في السوق الدولية. وفاق هذا الرقم أقصى توقعات المحللين للإصدار الاول من نوعه بالنسبة الى المملكة. وأشار الإعلام الرسمي الى ان الطلب على الاكتتاب ناهز أربعة أضعاف المبلغ المذكور.
وفي إطار خطة تنويع الاقتصاد، تعتزم المملكة طرح اقل من خمسة في المئة من أسهم «ارامكو السعودية» للاكتتاب العام في السوق السعودية للمساعدة في إنشاء اكبر صندوق استثماري في البلاد في عام 2018.
وتتوقع السعودية ان تبلغ الايرادات النفطية 480 مليار ريال (نحو 128 مليار دولار) بارتفاع نسبته 46 في المئة عن الميزانية السابقة، بينما تقدر الايرادات غير النفطية لعام 2017 بنحو 212 مليار ريال (56.5 مليار دولار) بزيادة ايضاً عن عام 2016 بنسبة 6.5 في المئة.
ويشكل الإنفاق على القطاع العسكري أحد أكبر مجالات ميزانية 2017 اذ خصصت له 191 مليار ريال (نحو 51 مليار دولار). ويمثل هذا المعدل تراجعاً عن العام الذي سبق، حين خصصت للقطاع العسكري 214 مليار ريال (نحو 57 مليار دولار). وبالإجمال، فإن التعليم استحوذ على النصيب الأكبر من الميزانية، ثم القطاع العسكري ثم الصحة والمجتمع مرورا بالبرامج العامة.
وكانت التكهنات قد كثرت حول كم سيشكل العجز في الميزانية من الناتج المحلي الإجمالي، لكن الأرقام أتت أفضل من التوقعات حيث شكل عجز 2016، نحو 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ 2.97 تريليون ريال، في حين أن العجز المتوقع في 2017 من الناتج المحلي الإجمالي، سيكون عند ثمانية في المئة.
وبمقارنة هذه الأرقام مع توقعات المؤسسات العالمية، فإن صندوق النقد الدولي توقع عجزا بـ13 في المئة، ووكالة «إس آند بي» توقعت نسبة العجز كمتوسط من 2016 وحتى 2020 عند تسعة في المئة، ووكالة «فيتش» كمتوسط من 2016 وحتى 2021 عند 11.2 في المئة، و «موديز» بتوقعات لمتوسط خمس سنوات عند 9.5 في المئة.
ووضعت السعودية سيناريوهات عدة لمستقبل الوضع المالي والاقتصادي في البلاد، أبرزها تجاه الميزانيات التقديرية على مدار خمس سنوات، الذي يطمح لتسجيل فوائض عامي 2019 و2020.
وبحسب ماليتها، فإنه في عام 2017، من المخطط أن يبلغ الإنفاق 890 مليار ريال، وإيرادات عند 692 مليار يال، فيما سيكون العجز عند 198 مليار ريال، وهذه التوقعات في ظل متوسط سعر لبرميل النفط عند 55 دولارا. أما في 2020 فمن المخطط أن يقفز الفائض إلى 119 مليار ريال، عند سعر برميل النفط 66 دولارا، وبإيرادات تبلغ تريليونا و72 مليار ريال، ونفقات بقيمة 953 مليار ريال.
وقال وزير المالية إن الميزانية العامة للدولة لهذا العام «حققت إنجازاً جديداً، حيث تم تحقيق عجز أقل من المتوقع بنسبة تقل عن 10 في المئة، وهي تفوق التقديرات الأولية، إضافة إلى سيطرة الحكومة للمرة الأولى على الإنفاق، ليتم تحقيق إنفاق أقل من التقديرات السابقة، وذلك رغم انخفاض أسعار النفط، والصعوبات التي تواجه الاقتصاد المحلي»، موضحاً «انه تم اليوم إطلاق ثلاثة برامج هي الميزانية العامة للدولة، وبرنامج التوازن المالي 2020، وبرنامج «حساب المواطن»، مشيراً إلى ‏أن الميزانية العامة للدولة لهذا العام اتسمت بمعايير جديدة لرفع الشفافية، والحرص على أن تكون الميزانية معقولة».
واعتبر الجدعان أن إعلان الميزانية يدل على أن الميزانية «نامية» وليست «انكماشية» متحدثاً عن وثيقة تحمل اسم «التوزان المالي 2020» تشرح بوضوح خطة الحكومة للوصول إلى توزان مالي بنهاية العام المالي 2020 أو قبل ذلك.
من جهته، أوضح نائب وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد بن صالح الحميدان أن «حساب المواطن الموحد، المزمع إطلاقه يحقق ثلاثة أهداف رئيسية في مقدمتها دعم ذوي الدخل المنخفض والمتوسط وفوق المتوسط، لإيجاد التوازن الاقتصادي لهم، وعدم تأثرهم بخطة برنامج التحول الوطني 2020 ورؤية المملكة 2030.