البيتكوين.. عملة إلكترونية أم مصدر جديد للتلاعب المالي والنقدي؟

البيتكوين.. عملة إلكترونية أم مصدر جديد للتلاعب المالي والنقدي؟

مال واعمال

الثلاثاء، ١٦ يناير ٢٠١٨

مع ازدياد وتطور التجارة الإلكترونية، وتطور نظام الصراف الآلي في المصارف التجارية، أصبحت الحاجة ماسة لتأسيس مصارف إلكترونية تقوم بتمويل هذه الصفقات التجارية وتسهل عمليات الدفع والقبض وتحويل العملات بين الشركات والدول.
هذه المصارف ليس لها وجود مادي، ودائماً على شبكة الإنترنت، أي يأخذ الزبون رقماً سرياً ويفتح حساباً له، ثم يجري عمليات السحب والإيداع، وتكون العملة المتداولة هي عملة رقمية قد يكون لها صورة وعليها رسومات محددة ولها تسلسل رقمي وتحمل شعار الدولة التي هي فيها أو إذا كانت العملة عالمية يكون لها شعارات عالمية وأرقام متسلسلة بحيث لا يستطيع أحد قرصنتها أو تزويرها.

وتأخذ العملة الإلكترونية الأشكال التالية:
1- عملة محلية ليرة سورية يصدرها المصرف المركزي السوري أو المصرف الأردني أو المصرف المركزي البريطاني.. وهكذا.
2- عملة عالمية تصدرها شركات مالية عالمية لها سمعة وثقة الأفراد والمؤسسات قادرة على الاستمرار وتتمتع بكل أشكال الحماية خوفاً من القرصنة والتزوير.
3- عملة تصدرها مصارف عالمية من الـ100 مصرف الأوائل في العالم ذات الثقة العالية بين جميع المصارف العالمية.
هذه الأنواع من العملات سوف تسود السوق العالمية خلال الأعوام القادمة وسيصبح التعامل بها عادياً في عام 2030 فما فوق وستكون جميع الحكومات والدول والشركات والمصارف والأفراد مؤهلين لهذه العملات.

المصارف الإلكترونية
اعتاد الأفراد التعامل مع المصارف من خلال فروعها المنتشرة في المحافظات والمناطق، يدخل المواطن ويطلب من الموظف خدمة معينة، ويقوم الموظف بتقديم هذه الخدمة، فتح حساب- تحويل أموال- سحب- إيداع- فتح اعتماد مستندي.. وهكذا.
أما المصارف الإلكترونية وهي المؤسسات المالية القادمة فليس لها وجود فيزيولوجي، ليس لها مكان، ليس لها فرع في أحياء المدينة، لكن أين نجدها للتعامل معها؟
سوف تكون في أجهزة الكمبيوتر وعبر شبكة الإنترنت، سوف يملك المصرف الإلكتروني بناءً معيناً يضع فيه الأجهزة والموظفين لإدارة أعماله، ويتعامل الأفراد والشركات معه عبر شبكة الإنترنت، أي يدخل المواطن أو الشركة على موقع البنك ويطلب منه أداء الخدمات المصرفية، فتح حساب، سحب، إيداع، فتح اعتماد مستندي، تحويل الأموال وغيرها.
فالمصرف الإلكتروني حسب رأيي: «هو مؤسسة مالية تعمل عبر الإنترنت تعنى بخدمات السحب والإيداع والتمويل وتمويل التجارة الإلكترونية الداخلية والخارجية، وتقديم خدمات مصرفية متنوعة».
واستناداً لذلك يقوم الأفراد والشركات بالتعامل المصرفي وقد يكون جهاز الموبايل هو وسيلة التعامل المصرفي، وأقرب ما يكون التعامل «مثل تحويل الوحدات بين الأفراد»، فالوحدات تكون الأموال مقابل عمليات تجارية أو مقابل مشتريات الأفراد من السوبر ماركت والمحال التجارية.

البطاقات المصرفية العالمية
ظهرت عدة أنواع من البطاقات النقدية المصرفية العالمية أمثال: فيزا كارت العالمية- أميركان اكسبريس- ماستر كارد العالمية. وجميع هذه البطاقات صدرت عن مؤسسات مالية عالمية مشهورة وذات ثقة لذلك قبلها الأفراد والشركات وتعاملوا بها، وأصبح بإمكان الفرد أن يودع أمواله بأي مصرف ويطلب البطاقة التي يرغب بها لسحب أمواله من أي بلد من بلدان العالم.
ولقد استطاع أي مصرف محلي أن يصدر بطاقة خاصة به ويضع صرافات آلية على الطرقات العامة ليقوم الأفراد بالسحب منها أو قد يتعامل مع مصارف عالمية تميز له السحب ويقوم بالتمويل مقابل هذا السحب.

البيتكوين «العملة الرقمية العالمية»
أصدر «ساتوشي ناكاموتو» ولا أحد يعرف ما إذا كان هذا الاسم شخصاً أو مؤسسة وحسب الاسم هو ياباني الجنسية، أصدر عملة رقمية على الإنترنت باسم (بيت كوين). كان سعر الوحدة منها عام 2009 نحو 6 سنتات، كل 1 بيتكوين = 6 سنتات أميركية.
ومعنى البيتكوين: بيت: أصغر وحدة تخزين على الكمبيوتر. وكوين: عملة حديدية.
لذلك ترجمتها عملة رقمية يتم التعامل بها على الأجهزة الإلكترونية. وأطلق بعض الاقتصاديين على هذه العملة كريبتو كرتسي «عملة رقمية مشفرة» وظهر من هذه العملات الأنواع التالية: بيتكوين- لايت كوين – نيم كوين – ماستر كوين – أورورا كوين – روبل كوين – اشيريم.
وقد حددت الجهة المصدرة لهذه العملة إمكانية إصدار 21 مليون عملة فقط حتى 2040، ويعد هذا الإصدار من العملات الرقمية المشفرة نقلة نوعية في عالم المال والنقد وذلك للأسباب التالية:
1- لا يكلف نقل الأموال أو تمويلها من بلد لآخر أو من شخص لآخر أي مبلغ أي من خلال عملية بسيطة على جهاز الهاتف تنتقل الأموال للشخص الآخر أو للشركة الثانية.
2- لا تستطيع أي دولة أو أي مصرف مركزي مراقبة تحركات هذه الأموال ولا تضع القيود عليها.
3- السرعة في وصولها إلى الأفراد والشركات، فهي أسرع من شركات تحويل الأموال حيث تصل في اللحظة.
4- لا يحتاج إرسالها للوثائق أو فتح الاعتماد المستندي إذا كانت الشركة ترغب في الاستيراد، فالمصدر حين وصول الأموال يشحن البضاعة.
5- لا يحتاج تحويل البيتكوين لموافقة أي دولة أو شركة لأنها عملة عالمية، فتحويل الدولار يحتاج لموافقة المصرف المركزي الأميركي، وتحويل اليورو يحتاج لموافقة المصرف المركزي الأوروبي وهكذا.
إن هذه المزايا تجعل منها عملة قابلة للتعامل ويرغب الأفراد والشركات بالتعامل بها بهدف الحصول على المزايا والأرباح. فإذا أردت تحويل مبلغ 50 ألف دولار عبر شركات تحويل الأموال من سورية إلى اليابان فسوف تدفع (50000×4. 5 بالمئة= 2250 دولاراً) أما تحويل 50000 بيتكوين فيكون من دون عمولة (صفر)، أي الأرباح لصاحب المال 2250 يعني 4. 5 بالمئة، وهذا ما يخفض تكاليف التحويل ويخفض نفقات الاعتمادات المستندية وتنخفض تكاليف البضائع المستوردة والمصدرة ويكتسب الأفراد والشركات معاً.

آلية التعامل
نظراً لأن الأشخاص الذين يصورونها حالياً ليس لهم عنوان، ولا يعرفون بأنفسهم لذلك يصعب الحصول عليها إلا عن طريقين:
1- الشراء من شركات البيتكوين التي أصدرتها بعد البحث عنهاالإنترنت.
2- التنقيب عنها في الإنترنت عبر معادلات معينة أو عبر البلوك شاين ودفع ثمنها عبر تحويلات يحددها صاحب الحساب الذي وضع اسمه على الموقع.
وفي حال حصولك على هذه الأنواع تستطيع تحويل المبالغ التي تريدها إلى الأشخاص والشركات الأخرى.

الإصدار والاعتراف
أول من قام بإصدار هذه العملة هو ساتوشي ناكاموتو وقد حدد موقعاً يتسع لإصدار 21 مليون وحدة نقدية (بيتكوين) وقد أصدر منذ عام 2009 وحتى الآن 16 مليون بيتكوين والباقي هو 4.100 مليون بيتكوين.
والسؤال المطروح من الدول التي اعترفت بها؟
أولى الدول التي اعترفت بهذه العملة هي اليابان وقد تبعتها ألمانيا والسويد والدانمارك وكندا وفنلندا وبريطانيا… تسمح هذه الدول للأفراد التعامل بهذه العملة وتداولها والدفع بها مقابل العمليات التجارية. أما الدول التي لم تعترف بها فهي بالتأكيد الولايات المتحدة الأميركية والصين والسعودية وأكثر الدول العربية. ولم تعترف أميركا بهذه العملة لأن زوال سيطرة الدولار على العالم سيكون من خلال العملات الإلكترونية وسوف ينهار الاقتصاد الأميركي عندما يوقف العالم التعامل بالدولار ثم العائلات التجارية الأميركية التي تسيطر على التجارة العالمية وعلى حركة الدولار سوف تنتهي ويزول الاحتكار وستسود المعادلة التالية: (إنتاج…… استهلاك).
وسوف تزول الإمبراطوريات الحالية لتظهر إمبراطوريات حديثة قد يستغربها البعض في المستقبل على 2050 أو عام 2070.
أو قد يصبح العالم كله قرية صغيرة وبلداً واحداً، ودولة واحدة بفضل هذه التقانات وهذا التعامل النقدي.
كان سعر البيتكوين كل 1 بيتكوين= 6 سنتات أميركية عام 2009 اليوم كل 1 بيتكوين= 17000 دولار، ولا تنبؤات بقيمة هذه العملة، إذ إن جميع شركات المعلوماتية والمصارف المركزية تسعى لتطوير هذا الاختراع وجني الأرباح نتيجة استخدامه وتطويره، لأن هذه البدايات للعملة الإلكترونية تكون من دون تشريع، ومن دون قيود، لذلك سوف ترتفع أسعارها كما لاحظنا في البيتكوين فقد كان سعر البيتكوين عند الإصدار عام 2009 كل 1 بيتكوين= 6 سنتات أميركية، اليوم في عام 2017-2018 يعادل 17000 دولار كل 1 بيتكوين لقد بلغت نسبة الأرباح 283333 % من عام 2009 لعام 2017 يا له من استثمار مالي مضاربي خيالي.
يرجع ارتفاع أسعار عملة البيتكوين للأسباب التالية:
1- انخفاض العمولات عند تحويلها بين البلدان.
2- تستثمرها شركات الفساد العالمي لتهريب وتحويل الأموال، وذلك من خلال شراء العقارات والسيارات وتمويل الاستيراد لأشخاص وشركات ليس لها سمعة تجارية.
والسؤال المطروح: هل تستمر هذه الحالة أم ستظهر القيود والتنظيمات لكل أنواع العملات الإلكترونية؟
بالطبع ستكون هذه الأعوام القادمة من دون قيود ومن دون تشريع، وسوف يستفيد من هذه المخترعات أفراد وشركات تؤهلهم للوصول إلى مركز الصدارة. لذلك سوف تتنبه المصارف المركزية والحكومات لوضع القيود على حركة هذه الأموال، وقد بدأت أوروبا بمناقشة هذا الوضع لإيجاد الحلول المنطقية له، وسوف نصل إلى احتمالين:
الأول: أن تقوم كل دولة بإصدار عملتها الإلكترونية الخاصة بها وتنشرها عالمياً وتتعرف عليها المصارف وشركات الصرافة وتحويل الأموال وسوف تجيز حركة الأموال، أي لا يحق لأي دولة وضع القيود على حركة العملة الوطنية، وسوف يؤدي ذلك لارتفاع وانخفاض قيم هذه العمولات، أي سوف تحصل فوضى نقدية عالمية نتيجة التعامل والمضاربة، وتصعب المراقبة لها.
الثاني: أن تتفق دول العالم وذلك من خلال صندوق النقد الدولي الحالي أو من خلال شركة معلوماتية عالمية لإصدار عملة رقمية عالمية موحدة لكل دول العالم، ولها قيمة واحدة، وكل دولة تحصل على كميات منها بما يناسب حجم اقتصادها الوطني.
أو قد تتفق قارات: قارة آسيا، قارة أوروبا، قارة أميركا لإصدار عملة رقمية خاصة بها تحدد لها قيمة بالذهب أو بالإنتاج وتجيز التعامل بها ضمن الإقليم وتسمح بالتعامل العالمي لها، ويقوم الأفراد والشركات بتداولها.
أخيراً، إن استثمار المعلوماتية خلال السنوات الأخيرة استطاع أن يغير ويطور المفاهيم الاجتماعية والسياسية، وستشهد السنوات القادمة من عام 2030 وصاعداً تطورات تكنولوجية تؤدي لتطوير العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية (ظهور عالم جديد).