السيطرة.. الثقة.. واسترجاع الأمان

السيطرة.. الثقة.. واسترجاع الأمان

الأزمنة

الأحد، ١٠ أبريل ٢٠١٦

زهير جبور
جلبت الحرب الغادرة المؤسفة التي عشناها مفاهيم لم نكن لنعرفها من قبل، وكانت حياتنا متميزة بالاستقرار والأمان، وقد أفقدتنا ونحن نتوقع في كل وقت قذيفة حاقدة تودي بحياة أبرياء، أطفال. كنا نرى الحواجز التي تتمركز في الشوارع من خلال أفلام السينما التي شاهدناها عن الحروب، والجندي يقف مدججاً بالسلاح الفردي، ليدقق في وثيقة عبور المارة، تكررت الصورة في مدن العالم التي تعرضت للحروب، وبطبيعة الحال فهذه تغير من طبيعة البشر، وهم يشعرون بالخوف، وكان تواجدها عندنا ضرورة مؤسفة لا بد منها، والعصابات تتربص بنا، وتبحث عن الثغرات للتسرب منها، تقتل. تفجر. كيفما اتفق، وحين يفرغ الحاقد من مضمونه الإنساني يتحول إلى مجرم. لا تهمه حياة البشر لأنه ينسلخ عنها تماماً، ويغدو وحشاً مفترساً من دون انضباط، وقيمة الحاجز أنه يحمي الناس من شر هؤلاء، الذين يمارسون الخدع للنيل من استقرار الحياة، وفي السابق لم نكن مضطرين أن نحمل هوياتنا الشخصية خاصة داخل مدننا، وعدم حملها من الأخطاء التي علمتنا الحرب الشريرة أن نتفاداها، وأن نبقي الهوية معنا، لكن ذلك الخطأ بحد ذاته كان يوحي بأماننا، واستقرارنا، ظهرت مع بداية الأزمة الحواجز الثابتة، والطيارة، ومع مرور الزمن التأزمي اللعين تم الاعتياد على حمل الهوية، وتفقدها والمحافظة عليها، وتكشف أن استعمالاتها تتكرر وبشكل يومي، والهوية تعني الانتماء الفكري والثقافي للوطن، وحمايته والدفاع عنه، والاستشهاد من أجله، وتلك البطاقة الصغيرة ما كانت ترمز إلا لذلك الانتماء العظيم الذي تغنى به كل مواطن واجه شراسة الحرب، ومخططاتها الدموية بروح الإباء، وقد تحلى بها أبناء سورية الشرفاء، وتعلمنا أن الحواجز لا تتساهل أبداً في حال عدم إبرازها أو ما ينوب عنها في التعريف للشخصية.
•    الثقة والسيطرة
أزيحت في بعض شوارع اللاذقية حواجز كانت قائمة منذ بداية الأزمة، وجدت الجهات المعنية بعد أن تعززت الثقة وتمت السيطرة أن لا حاجة لها في أماكنها، واعتبرت المبادرة منطقية، وفيها الحكمة الأمنية وقد تعاملت معها في البداية كعامل للأمان، وانتشرت على نطاق واسع، واستغلت من بعض أشخاص لديهم مركبات نقص مع قليل من نفوذ لم يحسن استعماله للمصلحة العامة، ليأخذ جانب الفردية المفرطة بأنانيتها وليحصل هؤلاء على قطع من الإسمنت يقيمونها حول بيوتهم، ويستحضرون بطرق مختلفة عناصر الحماية، ولم يكن لهذا أي مبرر يذكر، فلا هم بذلك القدر الكبير من الحساسية ولا الاستهداف، وما هي إلا عرقلة للسير واستكمال وهمي للنقص، هذا على الصعيد الفردي، أما الحواجز الأخرى فقد ظهرت وقتذاك كنوع من الحماية لأماكن وجودها وانتشرت على نطاق واسع، جاءت الإجراءات الأخيرة لتثبت ما هو ضروري لخدمة الحالة الأمنية والمواطنين، ولتزيل ما يجب ألا يبقى، والخطوة الأولى التي تمت بهذا الاتجاه أن السيد محافظ اللاذقية فتح الطريق التي أغلقت عند مبنى المحافظة، وأعادها إلى واجهتها الطبيعية، وسمح بالمرور ذهاباً وإياباً، وهذا الإجراء لقي الارتياح الكبير من قبل المواطنين، الذين أثنوا فعلاً على المبادرة، وهي بالتالي خففت حالة الازدحام المروري التي كان يشهدها الكورنيش القديم، وتبعها العديد من الحواجز الأخرى، التي ساهمت أيضاً بفتح الشوارع وخففت كثيراً من أزمة العبور اليومية خاصة في حالات الذروة، وخففت من أوقات الانتظار على مواقف الباصات، وأجور العربات العامة، وكانت تحتاج إلى وقت أطول ومسافة مضاعفة أحياناً للوصول إلى المكان المطلوب، أما في الجانب النفسي فمن المعروف أن مفردة الحجز تعني الفصل، يشعر الناس بأن إلغاء المنع يعني عودة الأمان، وأن حالة التواصل توحي بالاستقرار الذي افتقدوه، وكانت قذائف العصابات تهددهم في بيوتهم، وأماكن عملهم، وقد دحرت بعد أن تم الانتصار عليهم في معارك خاضها جيشنا العربي السوري، محرراً ريف المحافظة بكامله، طارداً الأشرار من جميع المناطق التي تمركزوا فيها.
•    الخطوة الواثقة
هي من دون شك خطوة السيطرة. الثقة. استرجاع الأمان. أنجزت لتبشر بعودة الحياة إلى ما كانت عليه وترجعها بعد أن غابت، هو ما عبر عنه من التقيناهم، ووجدوها لفتة مهمة تحققت من الجهات المسؤولة، وعبروا عن أملهم في أن تستكمل بخطوات تحقق المزيد من المطلوب، مثل قمع السرقات الليلية، ومكافحة العصابات التي تظهر في طرق الأرياف وتمارس القتل والنهب، وكذلك ضرورة المتابعة الجادة للعربات (المفيمة) أو تلك التي لا تحمل اللوحة الرقمية، وظهور السلاح في الأماكن العامة، ومن المستحسن لقاء الحبيبة أو الخطيبة من دونه إن كان الموعد في حديقة أو (كافتيريا) مع ملاحظة أن تحية الرجال الذين يتجمعون في نقطة ما بلباسهم الميداني منتظرين المركبة التي تقلهم إلى أرض المعركة ومن الواجب تقدير عملهم العظيم، وكثيراً ما استوقفهم في الطريق وهم عائدون لأسألهم عن سير المعركة، والانتصار الذي حققوه، يستجيبون لسؤالي رغم استعجالهم للوصول إلى بيوتهم، لا اختلاف في الآراء التي تلقيتها حول موضوع التخفيف من الحواجز، وقد سهل عليهم ذلك الكثير من المصاعب، حدثتني شابة تقيم في السكن الجامعي أن الحاجز الذي كان يطل على شرفة سكنها قد أزيل من مكانه، وكانت قد اعتادت وجوده، وألفت وجوه عناصره، شعرت بفقدانهم عندما أخلوا المكان، لكنها بالمقابل أدركت أن الإجراء جاء ليعيد الشارع إلى طبيعته السابقة، وهذا ما جعلها تطمئن إلى أن السيطرة على الوضع مكتملة، ومع زميلاتها الأخريات شعرن أن الأمان قد أحاط بدراستهم وإقامتهم، وحمايتهم لم تعد تتطلب وجود الحاجز بالقرب منهم، وفي عدة أماكن أخرى سمعت ذلك، وحدثني سائق العربة العمومي أن العودة التدريجية للطبيعة السابقة بدأت تظهر، وأن دحر العصابات قد تم وكانوا يهددون حياة الناس، وينشرون القلق، ولا بدَّ أن الرجاء الأول أن تعود بلادنا بكاملها إلى ما كانت عليه من ألفة ومحبة وتعاون، وأن نتخلص كلياً من هؤلاء الأشرار.
الانتصار قادم، والإنسان السوري المتجدد دائماً بتحفزه وإيمانه قادر على النهوض، والاستمرار والبناء، خطوة الحواجز تلك بداية الانتهاء من إلغاء الحواجز النفسية، وإعادة صياغة الحياة كما يتطلب المستقبل الذي سننجزه كما نريد ونشاء وليس كما يخططون.