دمشق التاريخ ومعالمها التي لا تزول … قاسيون رمز بقائها وحافظ تاريخها الغني الطويل يحوي أسرارها ويروي حكايتها عبر الزمن

دمشق التاريخ ومعالمها التي لا تزول … قاسيون رمز بقائها وحافظ تاريخها الغني الطويل يحوي أسرارها ويروي حكايتها عبر الزمن

ثقافة

الأحد، ٢ يوليو ٢٠١٧

منير كيال

تعددت المعالم التي ارتبطت بمدينة دمشق، وكان لكل منها مكانة خاصة، حتى إن المرء لا يكاد يذكر واحدة من هذه المعالم، إلا ويتداعى إلى خاطره دورها في حياة الناس، وما لها وما عليها في حياة الدماشقة، فضلاً عن مكانتها التاريخية. ومن هذه المعالم، الجامع الأموي، وسوق الحميدية وسوق مدحت باشا وكذلك سوق البزورية وقلعة دمشق وقصر العظم وخانات هذه المدينة، وأوابدها الأثرية… فضلاً عن نهر بردى الذي كان في فترة من تاريخ دمشق ترياق هذه المدينة، ولا يزال يُمدّ دمشق وغوطتيها بالماء اللازم للحياة.
وسنحاول في هذا البحث التوقف بعض الشيء مع جبل قاسيون وساحة المرجة والمرج الأخضر والربوة. وما ارتبط منها بذاكرة الأجيال، وذلك بعد أن نلقي بعض الأضواء على ما أطلق على هذه المدينة من تسميات عبر التاريخ، وكان منها ما أطلقه الأدباء العرب والرحالون الأجانب من مسميات بعد زيارتهم لهذه المدينة، ومن هذه التسميات التي أطلقت على دمشق بأنها أقدم مدينة مأهولة في التاريخ، ولؤلؤة الشرق. وعتبة الصحراء، ومنهم من ذهب إلى وصف دمشق أنها زورق يتهادى في بحر من الخضرة مستلقياً بين الأنهار.

أسماء الشام
لكن أهم الأسماء التي أطلقت على هذه المدينة تسمية الشام وجلّق.
فبالنسبة لإطلاق تسمية الشام على مدينة دمشق، فهنالك من يذهب إلى القول: إن إطلاق هذه التسمية على مدينة دمشق إنما هو نسبة إلى سام بن نوح، وقد قلبت السين شيناً. وهناك من يذهب إلى أن إطلاق كلمة الشام على مدينة دمشق يعود إلى الرواة العرب قبل الإسلام. ذلك أن كلمة شام تعني مصطلحاً جغرافياً يطلق على ما يعرف بسورية الطبيعية التي تشمل بلاد الشام الشمالية وهي سورية ولبنان، وبلاد الشام الجنوبية وهي فلسطين والأردن. وربما أطلقت تسمية الشام على دمشق تشبيهاً بالشامات الحمر والسود والبيض لتنوع أرضها وكثرة بلداتها وتمييزاً للشام التي هي دمشق عن المناطق التي عرفت باسم الشام كما هي الحال في فلسطين، لذلك فقد عرفت دمشق باسم دمشق الشام.
أما تسمية دمشق باسم جلّق، فينسب ذلك إلى صنم بقرية شمالي شرقي دمشق، وكان هذا الصنم على شكل امرأة يخرج الماء من فمه وعينية وأذنيه إلى بركة ماء.
وهناك من يذهب إلى أن كلمة (جلّق) فارسية الأصل. وهي من قسمين القسم الأول هو «جل» وتعني الوردة أو الزهرة والقسم الثاني هو «لق» بمعنى ألف زهرة. فيكون معنى جلق أن مدينة دمشق إنما هي مدينة الألف زهرة أو وردة.
ولعل من الأصح القول: إن إطلاق تسمية جلق على مدينة دمشق إنما هو من أصول آرامية تعود إلى الألف الأول من الميلاد.

قاسيون الجبل
وفي جميع الأحوال فإن من الممكن القول إن جبل قاسيون من المعالم المميزة التي ارتبطت بمدينة دمشق، وقد كان جبل قاسيون مكسوّاً بأشجار الأرز والنخيل التي عمل تيمور لنك على اقتطاعها.
وقد كان جبل قاسيون من المعالم المهمة التي ارتبطت بمدينة دمشق، وقد عرف باسم جبل الصالحين، بعد نزول المهاجرين المقادسة بسفحه. أطلق عليه قيسون، فغلب عليه اسم قاسيون.
ونجد بالجزء الغربي من جبل قاسيون قبة تعرف باسم قبة السيار، وهي تشرف على خانق الربوة، وقد تعود إلى زمن المماليك، كما أن هناك من يذهب إلى القول: إن المرصد الذي كان بهذه القبة يعود إلى زمن الخليفة العباسي المأمون.
كما كان بهذا الجبل قبة تعرف باسم قبة النصر وهي المعروفة باسم كرسي الداية. وهي تعود إلى زمن المماليك أيضاً وقد سقطت إثر زلزال أصابها، وأزيل ما بقي منها زمن الفرنسيين، وتقوم في مكانها اليوم محطة التلفزيون العربي السوري.
والربوة من معالم مدينة دمشق منذ الأزل فهي مقصد المتنزهين لما هي عليه من الخضرة والماء. وقد وصفها ابن بطوطة بأنها أجمل مناظر الدنيا ومتنزهاتها، لما بها من التخوت والمقاصف فضلاً عن القصور التي على طرفي واديها، وهي غير الربوة التي نعرفها اليوم، وإنما هي وادٍ تتدفق منه المياه.

الزراعة والمصاطب
وقد أطلق على الجبل الذي إلى الغرب من الربوة اسم الدفّ، لكثرة الدفوف «المصاطب» المزروعة بالزعفران والتي أحرقها الصليبيون لدى حصارهم مدينة دمشق، وخرب ما تبقى منها على يد الإنكشارية ولم يبق من ذلك غير بقايا صخرة مكتوب عليها اذكريني. وهي لا تزال إلى يومنا هذا.
وقد كان ذلك الموقع مسلكاً بين الربوة وسفوح جبل قاسيون بالمهاجرين، وهو على شكل درج عبر التخوت.
المرجة رئة الشام

أما المرجة فقد كانت ساحة أشبه بالرئة التي تصل بين نواحي مدينة دمشق، فمن المرجة كانت تنطلق عربات الترام «ترامواي» إلى المهاجرين، وإلى حي الميدان وحي الشيخ محيي الدين والقصاع وباب توما، فضلاً عن انطلاق هذه العربات إلى دوما بالغوطة الشرقية.
تقع ساحة المرجة بين مسجد يلبغا ومسجد تنكز المملوكيين وبها يتفرع نهر بردى إلى فرعين، يحصران بينهما قطعة من الأرض على شكل جزيرة، عرفت باسم ما بين النهرين، التي كانت متنزهاً يقصده الناس.
أما بناية العابد القائمة اليوم إلى الجنوب الشرقي من ساحة المرجة، فتعود إلى عهد الوالي العثماني يوسف كنج باشا وقد اتخذ هذا البناء. داراً للحكومة آنذاك، الأمر الذي أعطى ساحة المرجة أهمية بالنسبة لمدينة دمشق، وزاد في هذه الأهمية تغطية نهر بردى لدى مروره بهذه الساحة، عند العدلية والبريد والبرق. ثم أنشئ بالناحية الغربية من المرجة بناء آخر اتخذ داراً للحكومة وهو البناء الذي جرى فيه تتويج الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على سورية بعد الثورة العربية الكبرى التي نجم عنها انسلاخ سورية عن الدولة العثمانية.
وقد نجم عن ذلك تركز الأسواق والفنادق ودور السينما في هذه الساحة وزاد في اكتمال هذه الساحة «المرجة» إقامة النصب التذكاري «في وسطها» للاتصالات بين دمشق والمدينة المنورة، وكان في أعلى هذه النصب مجسم لمسجد يلدز باستانبول.
وإذا وقفنا عند ما كان يُعرف باسم مرجة الحشيش، نجد أرضاً واسعة تمتد بين موقع التكية السليمانية بدمشق، وساحة الأمويين وقد عرفت هذه المساحات من الأرض باسم: مرجة الحشيش، وكان يفصلها عن الجامعة السورية «دمشق» أحد فروع نهر بردى، وأذكر عندما كنت طالباً بقسم الجغرافيا بالجامعة، كنت أعبر ذلك النهر على سلم خشبي وقطعة من الخشب فأكون بالملعب البلدي الذي أصبح يحتل تلك الأراضي بملاعب لكرة القدم وكرة السلة والمضرب بحجة أن ابن عمي كان موظفاً بإدارة هذا الملعب، وبالتالي كان العديد من طلاب الجامعة يجتازون ذلك النهر بقصد مشاهدة إحدى المباريات من دون رسم أو أجر دخول للمشاهدة.
ومرجة الحشيش التي نحن بصددها، كانت تعرف بالمرجة وقد كان هذا المرج متنزهاً لكثير من الدماشقة.
أما إطلاق تسمية المرج هذه فكانت زمن السلطان نور الدين الشهيد. الذي جعل هذا المرج مرتعاً للحيوانات العطيلة، ترعى فيه حتى يوافيها الأجل.
كما عرف هذا المرج بالعصر المملوكي باسم ميدان القصر، نسبة إلى القصر الأبلق الذي أقامه السلطان بيبرس بالمكان الذي أنشئت به التكية السليمانية فيما بعد.
وفي القرن العشرين أصبح هذا المرج برعاية أمانة العاصمة «محافظة مدينة دمشق» وقد أنشئت به ملاعب لكرة القدم والسلة، والمضرب، فضلاًً عن مضمار للجري.. كانت تجري على ملعب القدم مباريات محلية ودولية.
وأذكر أن البطل عدنان المالكي قد استشهد برصاصة غادرة حينما كان يشاهد مباراة لكرة القدم بين سورية وتركيا.
ثم آل مصير هذه الملاعب إلى الزوال عندما اتخذت لإقامة معرض دمشق الدولي عليها عام 1954م فأصبحت هذه الملاعب أثراً بعد عين… سقى اللـه أيام زمان. وسبحان مغير الأحوال.