آخر ورطات الثقافة

آخر ورطات الثقافة

ثقافة

الأربعاء، ٢٧ يوليو ٢٠١٦

محمد خالد الخضر
بعد أن ظهر البعض منَ دعاة الثقافة وخناثها على الساحة الثقافية، ففرزوا نقاداً في البيوت البلاستيكية يشتغلون على ثقافة الهرمونات الذكرية بنصائحهم المجانية المتكاثرة والمترادفة زمراًزمراً، تشجعت نساء كثيرات في أوقات فراغهن ونشرن كتباً كثيرة لا حصر لها، بعد أن تشرفت المنابر باستضافة هذه النصوص المكونة لهذه الكتب، فجاءت الكتب لا تحمل إلا جمل الإخراج والشكل.
والمآل الثقافي: لا بد لهذه الكتب بعد أن تنشر من أن تتلقفها أيادي كتاب ونقاد وأدباء، فلا يجوز لهؤلاء إلا أن يكتبوا كما تشاء فاتنات الساحة الثقافية، ولا بد من أن تكون القصة الحكائية مبرمجة، وعلى فنجان قهوة ونارجيلة، وبالمحكي (أركيلة) يتم الاتفاق كيف تكون المادة النقدية التي يجب أن تنشر، وإلا الطامة كبيرة والمواجهة خطيرة، ولاسيما إذا كانت صاحبة الكتاب قادرة على الحركة والتحرك، ولا سيما إذا كانت تجيد الاستماع، فهناك أوشاب الذكور المدعية على خط الجمال يؤلفون حكايات وقد تصل إلى إقناع إحداهن أو أكثرهن بأنهن قيمة عليا مقصودة ومحسودة، ولابدَّ أن يتصدى جميعهن، أو دعمهن لكل من يحاول النيل من متشاعرة وافدة بفعلة فاعل.
والحد الأكبر أن الناقد الإعلامي إذا كتب فسيتعرض إلى عشرات الشكاوى الطاعنة للظهر والصدر والقلب. وكثيراً ما تعرضت أنا على سبيل المثال إلى عشرات الطعنات حتى لا أكتب ولا أنقد ولا أقترب من كتاب تنشره حسناء، حتى ولو كان هذا الكتاب لا يمتلك مقومات ولا يمتلك أسساً، ولا بد من الصحافة أن تصفق وأن تتشدق وأن تزمر وتطبل، وإلا هناك ما ينتظر.
نواقيس الخطر مهمة جداً الحالة لا تحتمل ولم يعد هناك فرق بين حذاء أي صاحبة كتاب مشوه وبين القيمة التي تقام لهذا الكتاب أو النص الذي يقرأ على منبر، ولا يخفى على أحد أن الوسائل الرقابية كافة تراجعت بسبب الحرب الغاشمة على سورية واستغلال ضعفاء النفوس لهذه الحرب، وأن هناك عدداً من الإعلاميين لا يمتلكون قدرة احترام الذات. فالوسيلة الإعلامية التي تعتبر أخطر أدوات الرقابة غالبا ما أصبحت ضعيفة الحضور، ما دام أغلب القائمين على المفاصل الثقافية لا يفرقون بين الحرف والجرف، ولا يعرفون إذا كان هذا وزناً أم رهناً. وإنني أمتلك كثيراً من الشواهد والأدلة والبراهين،فماذا ستفعل وسيلة إعلامية، إذا كانت صفحتها الخلفية الرئيسة أحيانا يتصدرها الفاعل منصوباً.
إذاً لا بد من استيقاظ على حواس الساحة الثقافية، فليخفف الناقد الرجل بعض تهويمه ومدحه ودجله، وليتذكر أن الكلمة التي تذهب إلى غير مكانها أشد نذالة من تفجيرات داعش، ولتسمو المرأة وتتحلى بالصبر أمام تقبل النقد حتى تذهب باتجاهاتها راضية مرضية قبل أن تقابل أسرتها وهي مدججة بالخذلان.
الآن أيها المثقفون الكرام أصبح الشعر مرهوناً بآلة التفقيس وصناعة البيوت والدجاج، فبمقدور أي تجمع أن يمنح شهادة وأن يمنح صفة وأن يمنح منبراً وحضوراً ووصلت (الوقاحة) إلى جرأة أي شخص ليكون صاحب كرم وتكريم من دون أن يعرف ماتعني الشهادة التي يقدمها، وثمة أمور خطرة قد تأتي بالمستقبل القريب، وبرغم أنني أعرف فداحة المعاناة التي قد أعيشها في هذه الطروحات ولكن أذكر تماماً أن المنبر الثقافي السوري كان شامخاً.  أذكر هذا، فلماذا أيها القائمون عليها، ستجلسون على التلة بلا معيار، وماذا ستقولون للتاريخ عندما يستجوبكم أمام الضمير.
أما عن الألقاب فلا بد للشنفرى أن يتحرك في قبره، ولا بد لجميل بثينة أن يستنهض، ولعنترة أن يستل سيفه، والمتنبي آه من المتنبي أين خيوله؟ وأين جميلات نزار؟ وأين حامد حسن ورضا رجب؟ وأين بحر طرطوس الذي كان يغرق الغث ويقبض بكفيه على السمين، أين المعري، فهل كل هؤلاء ناموا، أمام تسميات اليوم وأمام الألقاب الخلبية التي باتت تمنح بلا معيار.