اغتيال أديب الشيشكلي ..تفاصيل - خفايا - آراء(5-6)

اغتيال أديب الشيشكلي ..تفاصيل - خفايا - آراء(5-6)

ثقافة

السبت، ٧ يوليو ٢٠١٢

القاتل يروي وقائع الجريمة:
قبل وفاة نوّاف غزالة أدلى بحديث مطول إلى إذاعة الجبل اللبنانية حول اغتياله للشيشكلي، وقد ورد في حديثة، إنه بعد اغتياله للشيشكلي فرّ هارباً من المنطقة التي وقعت فيها الجريمة بمساعدة بعض الشبان، في الوقت الذي قامت قوات كبيرة من رجال الأمن بالبحث عنه في أنحاء البلاد، وبعد أيام اكتشفت الشرطة البرازيلية الشبان الذين ساعدوه على الهرب فتم اعتقالهم وتعذيبهم بطرق شتى بهدف الاعتراف بمخبئه مما حمل نواف غزالة على تسليم نفسه بحضور أحد المحامين في مركز الشرطة.... 
و أثناء المحاكمة سأل القاضي نواف غزالة: هل أنت نادم على ما فعلت؟
فأجاب: كلاّ يا سيدي لست نادماً، فإن مثل هذا المجرم لا يستحق الحياة ووجوده عبء ثقيل على كاهل البشرية والإنسانية بأجمعها ولا يجب اعتباره إنساناً مطلقاً لأنه لا ينتمي إلى طبيعة البشر... (وتكلم نواف بكلمات قاسية جداً بحق الشيشكلي). 
بعد ذلك نُقل نواف غزالة إلى السجن في ولاية غويّانه حيث يتواجد الشبان الذين ساهموا بتهريبه من برازيليا، وكان يتردد عليه طيلة أيام سجنه أصدقاؤه وأقاربه، وقد عمل الكثير من أبناء الجالية السورية في أمريكا اللاتينية للعمل على إطلاق سراحه، ويشير نواف في لقائه هذا مع إذاعة الجبل، أن أبناء الجالية في فنزويلا كان لهم اليد الطولى في هذا المجال وأن البعض الآخر استغل قضيته ولم يوضح نواف كيف كان هذا الاستغلال.
ويذكر نواف أن المعاملة في السجن كانت ممتازة جداً وأنه استلم صيدلية السجن لكونه مارس مهنة التمريض، وبذلك أصبح مشرفاً من الناحية الصحية على المساجين، ويشير إلى أن الصحافة لعبت دوراً إيجابياً تجاهه حتى أن حاكم الولاية زاره في السجن وكذلك عدداً من الشخصيات البرازيلية، وتطرق نواف إلى أمور تمسّ بعائلة الشيشكلي وأن محامي الدفاع البرازيلي (فاولو باشيكو) طرحها أثناء مجريات المحاكمة وبوجود ابن الشيشكلي موفق.
وعن الحكم الذي صدر بحقه يقول نواف: (وبعد عملية التصويت والتي انتهت بست أصوات لصالحنا من قبل المحلفين وصوت واحد ضدنا باعتبار أن لجنة الحكم كانت تضم قضاة سبعة كان ذلك في الجلسة الأولى وكانت الجلسة الثانية استأنف محامي الشيشكلي...). 
حكم على نواف غزالة حسبما يقول، بست سنوات وكان قد مضى على وجوده بالسجن أربع سنوات، فأخلي سبيله على أثرها وقبل انقضاء المهلة المحددة نظراً لسلوكه ومعاملته الحسنة التي ساهمت في تخفيف الحكم وبالإضافة إلى ذلك أن الجنرال ديغول رئيس فرنسا كان قد أعطى شهادته في العشيرة المعروفية أثناء زيارته للبرازيل أثناء فترة المحاكمة رداً على سؤال طُرح عليه وكانت في الواقع شهادة حق لها تأثيرها وفعاليتها حيث قال بالحرف الواحد: (إن هذه العشيرة من أشرف العرب وأكرمها، بيوتها ومضافاتها فنادق مجانية إنها تحب الحق وتموت في سبيله لا تتعدى على أحد ولا تنام على ضيم، تحمي الضيف والدخيل بالدم وتبذل الغالي والرخيص فداء كرامتها وحمايته واجب مقدس عندها عاداتها وتقاليدها من أشرف العادات، حاربناها ولكنها هزمتنا ولم يذلل الجيش الفرنسي إلا أمام العشيرة المعروفية فقط رغم كل الانتصارات التي حققها في أكبر المعارك المصيرية).
في حماة:
قامت الجهات الدبلوماسية السورية في العاصمة البرازيلية "ريودي جانيرو" باستلام جثة أديب الشيشكلي، وقامت بالإجراءات الرسمية لهذه الشخصية العسكرية والسياسية السورية، وكذلك فعلت الجالية السورية والعربية ولف التابوت بالعلم السوري وتم وداعه من المطار البرازيلي إلى مطار دمشق على خطوط الطيران السورية، وكان في وداع الجثمان من الدبلوماسية السورية حسن السقا القائم بالأعمال القنصلية في السفارة السورية، وفي صباح يوم الجمعة 9 تشرين الأول من عام 1964 م وصل الجثمان إلى مطار دمشق واستلمته وزارة الخارجية السورية وسلّمته إلى عائلته بدمشق، نقل الجثمان إلى مدينة حماة لدفنه هناك، وفي حماة كانت الجماهير وأهله وأصدقاؤه ومعارفه في انتظار جثمانه، وشيع في حماة من منزل قريبه إبراهيم الشيشكلي، وصُلي عليه في جامع المسعود الساعة الثالثة والنصف بعد صلاة العصر من يوم الجمعة 9 تشرين الأول 1964 م، ودفن في مدافن العائلة، وقبلت التعازي بمنزل إبراهيم الشيشكلي في حي المحالبة، وقبره موجود حتى الآن ويزار. وأسدل الستار على حياة الرئيس أديب الشيشكلي، ولم تزل سيرة حياته مفتوحة.
 لماذا تم اغتيال الشيشكلي؟
سبق وذكرنا أن الشيشكلي تعرض للعديد من محاولات الاغتيال وكان ينجو منها، وهذه المحاولات كانت نتيجة لجمعه الكثير من الأعداء حوله، وكان الشيشكلي دائم القول: (أعدائي يشبهون الأفعى. رأسها في جبل الدروز ومعدتها في حمص وذنبها في حلب) وكانت حوادث الجبل السبب الرئيسي في اغتياله، وحوادث الجبل روي عنها الكثير، وتشعبت الآراء والأفكار والروايات حولها، ولكن في المحصلة كانت أصابع الاتهام تشير إلى الشيشكلي. الرواية الرسمية تقول، بأنه تم اكتشاف كميات كبيرة من الأسلحة في جبل العرب، وأن هنالك مؤامرة على نظام الشيشكلي سيقوم بها آل الأطرش بالتعاون مع الهاشميين وأن مصدر السلاح كان الأردن، وقامت الجهات الأمنية باعتقال عدد من السياسيين... يوم 22 كانون الثاني عام 1954، أوقف رجال الأمن في السويداء منصور الأطرش نجل سلطان باشا الأطرش بتهمة حيازة الأسلحة والنشرات المعادية للعهد الشيشكلي... يوم 24 كانون الثاني قامت المظاهرات في السويداء احتجاجاً على اعتقال منصور.. وتطورت الأحداث بشكل سريع، وكان هنالك إشكالات كثيرة بين الشيشكلي وسلطان باشا، فصدرت الأوامر إلى اللواء السادس المرابط في منطقة إزرع في حوران بأن يزحف على السويداء ويطوقها ويعتقل سلطان باشا، وطُوقت السويداء في ليلة 26 و27 من كانون الثاني وفي صبيحة ذلك اليوم توجهت قوة عسكرية إلى قرية سلطان باشا بقصد اعتقاله، وتم تبادل إطلاق النار مع رجال الأطرش.. وتطورت الأمور وصدرت أخيراً الأوامر بقصف الجبل.. وكان ما كان من مجازر وتهديم للقرى والبيوت.. الشيشكلي نفى مسؤوليته حول هذه المجازر وتأتي ابنته وفاء أديب الشيشكلي لتقول عام 2012: (إن مسؤولية ما حدث في جبل الدروز ألقيت على عاتق أديب الشيشكلي وحده كرئيس للدولة فدفع ثمنها غالياً وهو بريء منها. لأن قائد حامية السويداء وقتها طالب بتعزيز حاميته العسكرية بعد التظاهرات والاشتباكات التي حصلت في الجبل حيث هوجمت مخافر الشرطة وقتل وأسر العديد من عناصرها. فقام رئيس الأركان العامة في دمشق شوكت شقير وهو المسؤول عن ذلك الأمر، بإرسال حملة عسكرية بقيادة رسمي القدسي لتدمير القوى الثائرة. وللأسف فإن ملابسات الأحداث في ذلك الوقت ألقت التبعات على عاتق الشيشكلي).
لم يعرف عدد الضحايا من الاعتداء على جبل العرب ومن الصعب حصرها لأنه لم تخرج أية أرقام رسمية عنها، والمعروف أن الشيشكلي كان يطالب خلال العملية أهالي منطقة الجبل، بأن يسلموه الزعيم الوطني سلطان باشا الأطرش، لكن الأطرش كان هرب مع مرافقيه إلى الأردن. وقيل حينها إن من جملة ضحايا هذه المجزرة كانت والدة نواف غزالة وشقيقته، فأقسم نواف على الانتقام لهما، وأخذ يتابع تحركات الشيشكلي ولما علم أنه استقر في البرازيل ترك قريته وهاجر إلى البرازيل وأخذ يرصد كل تحركات الشيشكلي إلى أن سنحت له الفرصة فقام باغتياله.
نواف غزالة:
ولد نواف غزالة (غزالي) عام 1927 في قرية مَلح التي تبعد عن السويداء حوالي 42 كم وكان يعمل فلاحاً وله خبرة في التمريض، ترك سورية سعياً وراء الشيشكلي إلى البرازيل، وقطن في عاصمتها برازيليا وعمل فيها بعدة مهن إلى أن استقر في عمل التجارة، اشتهر بأنه رياضي شجاع مقدام، وكانت له حسبما يذكر أبناء الجالية في أميركا اللاتينية مواقفه الوطنية والقومية، ويعتبره أهالي جبل العرب حتى الآن بطلاً شعبياً بامتياز ويغنون له" في الأعراس والأفراح والمواقف الوطنية" لأنه ثأر لهم من الشيشكلي، ومما يقولون فيه ما يسمى في السويداء "الجوبيات".
بعد خروجه من السجن إثر اغتيال الشيشكلي تابع حياته في البرازيل، وقام بزيارة سورية قبل وفاته، وعاد لقضاء باقي حياته في البرازيل إلى أن وافته المنية في 20/11/2005 عن عمر يناهز الثمانين عاماً، أرسل جثمانه إلى دمشق ولف التابوت بالعلم السوري، وشيعته الجالية السورية واللبنانية والسفيران السوري واللبناني في مطار البرازيل، ووصل جثمانه إلى دمشق ثم السويداء يوم الأربعاء 30/11/2005، وكان في استقبال الجثمان بمطار دمشق جماهير غفيرة من أبناء السويداء والقرى اللبنانية.
شيعته محافظة السويداء شعبياً ورسمياً وبمشاركة شخصيات دينية وسياسية لبنانية بموكب مهيب بعد ثلاثة أيام من وصول الجثمان إلى السويداء، ودفن يوم السبت 3/12/2005 في مسقط رأسه في مَلح بعد أن زار جثمانه في طريقه من السويداء "شهداء الكفر" والنصب التذكاري لـسلطان باشا الأطرش وسط الأهازيج.
يتبع


شمس الدين العجلاني - أثينا 
alajlani.shams@hotmail.com