الفنانة التشكيلية المقدسية هائلة الوعري للأزمنة

الفنانة التشكيلية المقدسية هائلة الوعري للأزمنة

نجم الأسبوع

الأحد، ٢٣ أغسطس ٢٠٠٩

لمدينة القدس مكانة عظيمة لدى العرب كافة، فهي المدينة المقدسة الثالثة بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة وهي موطن الأنبياء عليهم السلام ومهبط الوحي عليهم، وهي مسرى النبي الكريم محمد صلى اللـه عليه وسلم ومنها عُرج به إلى السماوات العلى لقول اللـه تعالى: ( سبحان الذي أسرى بعده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) الإسراء آية 1.

فمنذ أن أقرت جامعة الدول العربية مدينة القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009 دأبت الأوساط الثقافية في القدس على الرغم من الظروف الصعبة التي تعاني منها بالعمل الجدي بمختلف جوانبه الثقافية والاجتماعية والسعي للتعريف بالتراث والإبداع والابتكار الذي حققه الشعب الفلسطيني عبر تاريخه الطويل، والانتباه إلى الخطر الذي يحيط بالمدينة متمثلة في عمليات محو الهوية الثقافية العربية، فكانت المعارض الاقتصادية والثقافية والحفاظ على التراث الشعبي وخصائصه الفنية، وإظهار أصالته من ( أزياء، حلي، الغناء الشعبي، الأفلام الوثائقية والتسجيلية والروائية، المسرحيات، الفنون التشكيلية... وغيرها ).

وفي ذات السياق استضافت صالة السيد ضمن احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية بالتعاون مع مديرية الفنون الجميلة بدمشق معرض الفنانة التشكيلية المقدسية هائلة الوعري وحمل عنوان ( القدس هنا وهناك )، حيث قدمت الفنانة هائلة خمسة عشر عملاً زيتياً بأسلوب تجريدي مميز يعبر عن هموم الارتباط بواقع العيش الإنساني للشعب الفلسطيني بصياغة تعبيرية مستمدة من أمكنة ووجوه غابت، والتي تجسدها بلا ملامح أو تفاصيل تحمل متغيرات الحياة في أزمنة الحرب والمقاومة والتفجيرات المتواصلة، فهي تعيش مأساة الشعب الفلسطيني بقوة مضاعفة على الرغم من أنها امرأة كبرت بعيداً عن مدينتها، ولكن لابد أنه توجد بقايا صور من الطفولة حركتها لترسم القدس كمدينة بمعالمها الدينية ( المسيحية، الإسلامية ) الشامخة فتجد ( المآذن، القباب، الأقواس، الأبواب، الأزقة والشوارع..)، بلمسات تجريدية قائمة على الاختزال، وعلى مسرحة المشاهد والشخوص الإنسانية وإظهارها بلغة بصرية تغني اللوحة بجمالها.

الفنانة التشكيلية هائلة الوعري من مواليد القدس عام / 1962/ وغادرتها بعد عدوان / 1967/ حصلت على بكالوريوس إدارة أعمال من جامعة البحرين عام / 1981/، ودبلوم فنون جميلة من معهد لندن للفنون الجميلة عام / 1990/.

من معارضها المشتركة: المرأة والإبداع في البحرين، وسبق لها أن أقامت عدداً من المعارض في الكويت والسعودية والصين والشارقة، ومن معارضها الخاصة: ألوان حرة بعمان، وتأملات بلندن، والمعرض التشكيلي العربي الأول بعنوان: فلسطين الهوية والوجود، وبقايا ذاكرة بقايا أثر في البحرين، والقدس في الذاكرة نالت الجائزة التقديرية لأفضل تصميم شعار 1992 في البحرين، وجوائز تقديرية في المعرض السنوي لجمعية الفن المعاصر.

تمتاز أعمال الفنانة الوعري بقوة اللون والانفعالات المقروءة في الحركات واللمسات السريعة، وتكثيف المادة اللونية الثرية بالألوان الأساسية ( الأحمر، الأصفر، الأزرق ) وتدرجاتها الاشتقافية التي تركتها على سطح لوحاتها الأبيض بعفوية وتلقائية فتمنح لوحاتها المزيد من التأمل والحوار.

في تقديمها للمعرض تقول الفنانة هائلة:

القدس.. وبيت المقدس.. ومدينة الأنبياء.. ومسرى الرسول عليه الصلاة والسلام.. أسماء عديدة لمسقط الرأس وشغف الفؤاد وقرة العين، القدس مدينتي أسند رأسي عليها كلما أثقله الهم وأتعبته الغربة.

محتلة.. حزينة.. غاضبة.. ولكنها في ذاكرتي.. حرة.. فرحة.. ملونة... يشع منها بريق وهاج تأتي في حلكة الليل ملوحة بقنديل في نهاية النفق.. تئن.. تنادي.. تغني.. وينطفىء القنديل.. وتثور ريشتي وأصابعي المحروقة.. ثم ترحل، وأرمقها بعين والجراحات التي خلفتها لذاكرتي بعين.. أترى؟ جاءت لتقول لي أنا هنا في وجدانك؟..أم أنا هناك!!!

كتب عنها الفنان محمد العامري تحت عنوان: الفنان المقدسية هائلة الوعري.. استذكار الألم في عيون غائمة.. في تجربتها هذه التي تستدرج بها الوعري مفردة المدينة المقدسة بكل حيواتها ومعانديها تفيض الذاكرة كما نهر جارف مملوء بالدموع لتصبح بريشتها عنيفة كردة فعل على قسوة الاحتلال الصهيوني الذي أفقدها حلم الطفولة فذهبت لتؤثث لوحاتها بمفردات المكان المقدس برموزه إلى جانب حركة الإنسان الفلسطيني، ذلك الإنسان الذي سجل تاريخاً من النضال والحب للحياة، وها هي الوعري تكمل تلك المسيرة بعشق آخر متمثلاً بالألوان والخطوط وضربات الفرشاة العنيفة التي تعكس انفعالاً خاصاً يؤشر على مناخات وحياة الإنسان الفلسطيني في منفاه.

فحين رحلت من هناك لم تنس أبداً تلك العيون والوجوه التي كانت تودعها لتصبح تلك الحالة مشهدية درامية تتحرك في أعمالها من خلال المجاميع البشرية المتلاصقة والقوية، والتي أعطت مشاهدها في سطوحها التصويرية مادة حيوية ومتحركة من حيث اتجاهات الحركة واندفاعاتها في بناء تكويناتها؛ حيث تتحرك الأشكال كعلامات بلا ملامح تماماً كما شاهدتها في لحظة الوداع من بعيد وكذلك نرى إلى تكريس المكان بصورته غير التقليدية حيث تكتفي برمز القبة عن مجمل المدينة وكذلك الأقواس والقناطر التي شكلت حاضنة للشخوص كعنصر أنثوي يحتوي ذكورة وقوة المجاميع الإنسانية.

وأضاف: وفي موضع آخر نجدها قد ذهبت إلى اختزالات أكثر حيوية حيث تنمحي القبة دون أن تفقد العلامة دلالة المكان وتذهب نحو تجريدية تعبيرية انفعالية أصبحت فيها ضربات الفرشاة أكثر جرأة، ضربات عريضة وانثيالات لونية تتحكم بصدفتها الفنانة لتوظفها توظيفاً ناجحاً في مناخ العمل نفسه، ونرى إلى تبادل المواقع بين حركة الإنسان وظهور المكان كعنصر أساسي، والذي يميز الوعري في هذه الأعمال ارتكازها الأساسي على انفعالاتها العاطفية التي قادتها إلى مغامرة في التلوين وحرية الخطوط وصولاً إلى استخداماتها لمواد مختلفة في السطح الواحد مثل المعاجين والرمل والغراء ما أعطى سطوحها التصويرية تنويعات في الملامس والحساسيات.

وقال: إن هذه التجربة تمتلك صفات خاصة بالنسبة للوعري، صفات الألم المشوب بلذة العاطفة وانثيالات الماضي الجميل، كما لو أنها تريد أن تصنع وجاءً من الحلم ليحمي غربتها ومنفاها.

 

ريم الحمش