مع استمرار التعديات عليها غابات اللاذقيــة تضيـع بيـن التحطيــب والتفحيــم .. فمن يوقـف الحـرائق؟

مع استمرار التعديات عليها غابات اللاذقيــة تضيـع بيـن التحطيــب والتفحيــم .. فمن يوقـف الحـرائق؟

أخبار سورية

الخميس، ١٢ أكتوبر ٢٠١٧

قرعت أمطار تشرين الأول باب فصل الشتاء، فيما وضع أهالي محافظة اللاذقية أيديهم على قلوبهم خشية اندلاع المزيد من الحرائق والتعديات على الغابات والتي تشهد في كل عام ازدياداً ملحوظاً، حيث تحولت مساحات شاسعة من الحراج والغابات إلى أراضٍ جرداء بطور التصحر. واقع الحال الذي لم يطرأ عليه أي جديد من ناحية اهتمام الجهات المعنية، وبذل المزيد من الجهود لحماية “غاباتنا الجميلة” لإيجاد حلول عملية لوضع حد للتعديات الجائرة على الأحراج والغابات، ولجم المعتدين، وكل من يقف خلفهم من مستفيدين، سواء من أجل التخريب بحد ذاته، أو التفحيم، أو التحطيب، أو لغايات أخرى لم تعد خافية على أحد.
إلى متى ?؟
في كل عام اعتاد أهالي ريف اللاذقية على سماع أكثر من  خبر يتحدث عن اندلاع حريق هنا أو هناك، فيما يؤكد أهالي المناطق والقرى الممتدة على خطوط اشتعال الحرائق أن فصل الشتاء يعتبر موسماً بالنسبة لتجار الحطب والفحم.
وبحكم العادة التي جرت منذ سنوات، تستبق الكثير من الحرائق فصل الشتاء، الأمر الذي جعل من مسلسلات الحرائق فرصة لتجميع الفحم وبيعه، وهي تجارة لا يختلف اثنان أنها مربحة، ولاسيما أن رأسمالها مجرد عود ثقاب يشعل حريقاً يأتي على الأخضر واليابس، ويبقى لسان حال الأهالي الممتعضين يطالب باتخاذ إجراءات للحد من حرائق الغابات، وفرض العقوبات الرادعة بحق الفاعلين عن قصد أو دون قصد، والمراقبة المستمرة، والمتابعة من قبل حراس الغابات، وعدم إشعال القمامة وبقايا المحاصيل الزراعية بالقرب من الحراج، متسائلين: إلى متى يستمر الاعتداء على الغابات بقصد التخريب، أو التحطيب، أو التفحيم لمآرب شخصية؟ وإلى متى سنبقى عاجزين عن حماية الغابات التي تحترق خلال ساعات، وتحتاج إلى مئات السنين لتعود إلى ما كانت عليه سابقاً؟ هذا إن تركها تجار الحريق تعود إلى سابق عهدها.

تدمير للنظام البيئي
الدكتور إبراهيم نيصافي المختص في التلوث، وعضو الهيئة التدريسية في جامعة تشرين، قال لنا: إن حرائق الغابات تؤدي إلى أضرار كارثية، أولها تدمير النظام البيئي في تلك الغابات، وغالباً ما تقضي على كافة أنواع الحياة فيها، إما بموت الكائنات الحية أثناء الحريق، أو هجرتها للغابة التي لا يتبقى منها سوى الرماد، وبعض الأشجار المتفحمة، وهو ما يجعلها غير مناسبة لعيش كثير من أنواع الكائنات الحية، وتدمير كميات هائلة من الأشجار المعمرة ذات القيمة العالية والتي تصل أعمارها أحياناً إلى مئات السنين، ناهيك عن أضرار الزحف السريع للتصحر نحو المناطق الخضراء، إذ تشكل الغابات موانع ممتازة لحماية المناطق الخضراء من زحف الكثبان الرملية القادمة من المناطق الجافة، كما تعمل على الحفاظ على التربة وتخصيبها، وتمنع تدهور بيئتها، وبذلك تحميها من التصحر، ويضيف نيصافي: من التأثيرات البيئية للحرائق تآكل التربة وانزلاقها، وشح المياه، إذ تحافظ أشجار الغابات على المياه الجوفية التي تساعد التربة على امتصاص مياه الأمطار، وتقوم جذورها بتصفية المياه الجوفية من بعض المواد الضارة قبل أن تصل إلى الينابيع، ومن هنا يتضح لنا سبب غياب عدد كبير من الينابيع التي كانت تنتشر ضمن المناطق النباتية، ولاسيما في المناطق الساحلية، كما أن ظاهرة إزالة الغابات في العالم تسفر عن إطلاق ملياري طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يتسبب في زيادة الاحتباس الحراري بحسب (الفاو)، حيث كل هكتار من الأشجار يمكن أن يمتص حوالي 5 أطنان من ثاني أوكسيد الكربون.
وتابع نيصافي: كما تسبب حرائق الغابات في إنتاج كميات هائلة من غاز ثاني أوكسيد الكربون بالإضافة إلى كميات أخرى، لا تقل ضرراً من دقائق الغبار التي تصل إلى مناطق تبعد مئات الأميال عن منطقة الحريق، ويمكن أن تسبب مشاكل صحية وبيئية، ونظراً لكميات غاز ثاني أوكسيد الكربون التي تطلقها فإن حرائق الغابات تعد أحد العوامل التي تساهم في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
ومن جملة التأثيرات التغير المناخي، حيث تساعد الغابات على تلطيف المناخ عبر التأثير على سرعة الرياح، وتقلل من حدوث الإعصارات والفيضانات، وتمتص بعضاً من أشعة الشمس، وتعدل حرارة الهواء، كما أن الأشجار الضخمة تستطيع أن تخفف من التلوث بنسبة 70% أكثر من الأشجار الصغيرة، وبالتالي فإن حرق وتدمير هذه الغابات المعمرة يقلل من فعالية الأشجار بامتصاص ثاني أوكسيد الكربون، خاصة أنّ هكتاراً من الغابات يمكن أن ينتج الأوكسجين الذي يكفي لـ40 شخصاً، كما تؤثر حرائق الغابات على الاقتصاد لما تتضمنه من كلفة إعادة التشجير، وإخماد الحرائق، وتأثيرها على الزراعة، ونوعية الحياة، والسياحة البيئية، فضلاً عن الدخان الناتج عن احتراق الغابات، والحبيبات المتناثرة من الأشجار المحترقة، والغازات التي تنتج عن هذا الحرائق يمكن أن تؤذي العينين، وتسبب حالات اختناق، وتزيد من حدة أمراض القلب والرئة.

العدو الأكبر للغابات
الحرائق تعد العدو الأكبر للغابات التي تحمي التربة من الانجراف، كما أنها تمتص ثاني أوكسيد الكربون، وتعطي الأوكسجين، ويضيف المهندس صالح حمد، عضو الجمعية العلمية البيئية: إن الحرائق تقسم إلى نوعين: حريق زراعي، وحريق مخلفات حراجية، موضحاً أن معظم المزارعين يتخلصون من الأعشاب عن طريق الحرق، مشيراً إلى أن الحرائق تعد العدو الأكبر للغابات الحراجية التي تمتد على نحو 85 ألف هكتار، منها 50 ألف هكتار مكونة من أشجار أوراق ابرية، وأشجار صنوبرية، و35 ألف هكتار تسمى بأشجار عارضات الأوراق.
وحول أهمية الغابات أشار حمد إلى أنها تلعب دوراً كبيراً في حماية التربة من الانجراف، كما أنها تمتص ثاني أوكسيد الكربون، وتعطي الأوكسجين، ووفق دراسات فإن الهكتار الواحد من الغابات يعمل على تصفية 18 مليون متر مكعب من الهواء سنوياً، ولها دور كبير في التنوع الحيوي (نباتات وحيوانات)، وتؤثر على التوازن البيئي من خلال حماية المحاصيل والمزروعات، حيث تعمل كمصدات للرياح، كما أن لها دوراً كبيراً في السياحة البيئية والشعبية، حيث إننا كلما ارتفعنا 150 متراً تنخفض درجة الحرارة درجة مئوية واحدة، بخلاف الغابات التي تقوم بتخفيف درجات الحرارة بمقدار 5 درجات مئوية.
وبيّن حمد أن من أسباب الحرائق وجود الأسلاك والشبكات الكهربائية بالقرب من الغابات، والتي ينتج عنها ماس كهربائي يؤدي إلى اشتعال الحرائق، بالإضافة إلى الآلات الزراعية التي تدخل الأراضي الزراعية والحراجية، وتنتج عنها شرارة تؤدي إلى الحرائق، ناهيك عن اللامبالاة وعدم الاهتمام من قبل رواد الغابات الذين يقومون برمي أعقاب السجائر، أو عن طريق أشخاص يتاجرون بالفحم غير المرخص، ويكون ذلك أثناء إعداد الحطب وتحويله إلى فحم ضمن الأراضي الزراعية أو الحراجية.
وأضاف حمد: نحن كجمعية نقوم بالتعاون مع الجهات المعنية بإعادة تأهيل الغابات التي تعرّضت للحرائق، والتعديات، والرعي الجائر، ورمي القمامة، أو وجود بلديات ترمي القمامة بالقرب من الغابات بدلاً من إرسالها إلى مكب البصة، بالإضافة إلى التلوث الذي ينتج عن رمي النفايات ضمن الغابات.

حيث توجد الغابات تكثر التعديات
باسل دوبا مدير حراج اللاذقية قال: مادامت هناك غابات خضراء فإنه توجد تعديات عليها، مشدداً في الوقت ذاته على أنه تم التعامل مع المخالفين عبر تنظيم ضبوط، وإحالتهم للقضاء، ومصادرة عدد كبير من الآليات التي تقوم بعمليات تهريب الأخشاب والحطب التي لا تحمل ترخيصاً.
ولفت دوبا إلى أن الحرائق ازدادت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، وأخذت منحى آخر غير معتاد، وذلك بسبب شدة التداخل بين الأراضي الحراجية، والأراضي الزراعية، ووجود القرى ضمن الأراضي الحراجية، مشيراً إلى أن ارتفاع تكلفة الخدمة للأراضي الزراعية، وقلة الأيدي العاملة أديا إلى هجرة الفلاحين لأراضيهم، وبالتالي نمو الأعشاب التي تعتبر فتيلاً لاشتعال الحرائق، حيث إن 85 ألف هكتار من الأراضي الحراجية متداخلة مع الأراضي الزراعية القابلة للاشتعال.
وبيّن دوبا أنه تم تخريب أكثر من 50 مركز حراج بين محرس، ومخفر، ومركز إطفاء، وشعبة حراج، ومركز مراقبة، ويضيف: نبذل جهوداً كبيرة جداً لإطفاء الحرائق بالرغم من الإمكانيات البسيطة الموجودة لدينا، حيث لم يتم تحديث أية آلية لدينا منذ عام 2010، إضافة إلى خروج 10 صهاريج من الخدمة من أصل  42 صهريجاً، لافتاً إلى إنه استشهد خلال السنوات الخمس الأخيرة  13 عاملاً أثناء تأدية واجبهم بإطفاء الحرائق في ريف اللاذقية الذي يعد أكثر المناطق تعرّضاً للحرائق بفعل الإرهاب، حيث إن الحرائق امتدت على مساحات كبيرة منه، ولم نتمكن من الدخول إلى مناطق نشوب الحرائق نتيجة وجود المجموعات الإرهابية المسلحة.
وتابع دوبا : بناء على طلبنا تم عقد اجتماع برئاسة السيد المحافظ، ومندوبين من كافة الفعاليات والجهات المعنية، تم التأكيد خلاله على أن حماية الحراج تقع على عاتق الجميع، كما تم تشكيل دوريات مشتركة من كافة الجهات الأمنية والشرطية، إضافة إلى ضابطة الحراج هدفها قمع المخالفات الحراجية أينما وجدت، وكذلك صدور تعاميم من نائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة، ووزير الداخلية، والأمانة العامة للدفاع الوطني، تتضمن ضرورة المحافظة على الأشجار الحراجية في مناطق انتشار المجموعات العسكرية.
وأكد دوبا على أنه بموجب هذه الإجراءات تعتبر حراج اللاذقية أقل تضرراً، وهي الأفضل على مستوى سورية، أما بالنسبة لما يقال بأن هناك حالات تحطيب وقطع أشجار، فقال دوبا: ألقينا القبض على أشخاص يقومون بعملية التحطيب، واتخذنا الإجراءات القانونية بحقهم.
باسل يوسف