من مجرد أفكار إلى مشاريع على أرض الواقع ..مشروع دعم الشباب.. توظيف لقدراتهم ودافع لتحدي الظروف الراهنة

من مجرد أفكار إلى مشاريع على أرض الواقع ..مشروع دعم الشباب.. توظيف لقدراتهم ودافع لتحدي الظروف الراهنة

أخبار سورية

الخميس، ٢٢ ديسمبر ٢٠١٦

    إلهام العطار
عندما تجلس بينهم، وتتابع حركاتهم وضحكاتهم التي يتشابهون فيها مع كثيرين من الشباب السوريين، لا يخيل إليك، للحظات بأن هؤلاء هم أصحاب مشاريع منتجة، حجزت لهم مكاناً في سوق العمل وحولتهم من باحثين عن فرصة عمل إلى رواد أعمال.
48 شاباً وشابة جاؤوا من عدة محافظات سورية، رشحتهم21 جمعية أهلية من الجمعيات المرخصة، واحتضنهم صندوق الأمم المتحدة للسكان في مشروع دعم الشباب، الذي عمل على تحويل أحلامهم بعد التدريب والتأهيل من مجرد أفكار على الورق إلى مشاريع حقيقية على أرض الواقع، فما هو هذا المشروع؟ ما أصل فكرته؟ ما المعايير التي استند إليها عند الاختيار؟ كيف يرى الشباب تلك التجربة التي شكلت انطلاقة نوعية لهم ومن خلالها ساهموا بتأمين فرص عمل لعدد من الأسر والأشخاص الباحثين عن باب للرزق في ظل الظروف الحالية؟
أصل الفكرة
يهدف مشروع دعم الشباب الذي ينظمه الصندوق بالتعاون مع عدد من الجمعيات الأهلية إلى حشد طاقات الشباب وتحفيزهم على الإبداع والمبادرة للاعتماد على أنفسهم في تأسيس مشاريع خاصة بهم، وتطوير مهاراتهم في التخطيط لها ومساعدتهم على تنفيذها والإقلاع بها، وذلك حسبما أوضح ماسيمو ديانا الممثل المقيم للصندوق خلال وقفة مع «تشرين» قال فيها إن فعاليات المشروع انطلقت العام الماضي، وقد غطت كلاً من دمشق وريفها وحمص وطرطوس، وأهميته لا تتمثل في الجانب الاقتصادي فقط، فهو استثمار اجتماعي لأنه يعمل على تعزيز الروابط والعلاقات الاجتماعية بين الشباب أثناء الدراسة والتدريب، فهناك مثلاً مشروع يجمع بين شاب من حلب وشاب من طرطوس.%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a93
وأضاف: الشباب السوري يتمتعون بالجرأة والشجاعة والأفكار الخلاقة وهم يمتلكون الإرادة القوية، وهذه الصفات هي التي جعلتهم يواجهون ظروف الأزمة، صحيح أن التهجير وفقدان فرص العمل والتعلم والأهل والأحبة تحديات كبيرة تقف الآن في وجههم، ولكن أعتقد بأنهم سوف يغيرون ذلك الواقع بما يحملونه من طاقات إيجابية وحب للعمل إضافة إلى شغفهم ورغبتهم في تقديم أفضل ما يمكن من أجل تطوير مجتمعهم.
41 مشروعاً متميزاً
بدورها كندة قطرنجي مسؤولة الإعلام والتواصل في الصندوق بينت أن هدف الصندوق العمل على تعزيز قدرات الشباب، من مختلف البيئات الاجتماعية، عبر تنفيذ مشروع دعم الشباب الذي يتميز بأنه يربط بين فئة الشباب واحتياجات سوق العمل، وكيفية التعامل معها، فسوق العمل يتطلب مهارات وأدوات خاصة لدخوله بقوة، وهذا ما تم تقديمه للشباب المشاركين أثناء الدورات التدريبية التي أفضت عن 41 مشروعاً متميزاً تم تنفيذ 17 منها في دمشق وريفها و 24 مشروعاً في محافظتي حمص وطرطوس، وأشارت إلى أن المشروع ناجح بامتياز وحقق أكثر من غاية، للعاملين والمشرفين والمدربين الذين كانوا يتابعون العمل باستمرار لتقديم المزيد، و للشباب ولا سيما الذين تأثروا بظروف الأزمة.
شروط ومعايير الاختيار
وللدخول أكثر في تفاصيل الاختيار ومعايير التمويل يقول المهندس المدرب نواف زيدان: بداية تواصلنا مع الجمعيات وهي من قامت بترشيح الأسماء حيث وصل العدد إلى 400 مرشح، بقي منهم بعد الفرز حوالى 170 مرشحاً، خضعوا لمقابلة شخصية بقي منهم 81 شاباً وشابة اتبعوا دورة تدريبية أشرف عليها أشخاص أكفاء يتمتعون بالخبرات المهنية العالية، تضمنت تعريفهم واطلاعهم على مواضيع متعددة في ريادة الأعمال والابتكار والقيادة والمهارات والإدارة والتواصل والتسويق والتعرف على مبادئ المحاسبة التجارية وكيفية دراسة السوق وخدمة الزبائن والأمور الإدارية وأخلاق المهنة وآلية ودراسة الجدوى الاقتصادية للمشروعات ووضع خطة العمل، في نهايتها قدم المشاركون أفكاراً لمشاريع ومبادرات اقتصادية عرضت على لجنة مختصة بالصندوق لتحصل الفائزة منها على منح مالية للمباشرة بتنفيذها على أرض الواقع، وقد تنوعت بين تقليدية كالخياطة وتصميم الملابس والحلاقة النسائية والطباعة على الملابس وصيانة التجهيزات الالكترونية ودورات تعليمية ومشاريع متميزة كصناعة المنظفات وزراعة الفطر والزهور والأشجار المثمرة وهناك المبتكرة كتعليم لغات برمجة الكمبيوتر باللغة العربية، وهو الأول من نوعه في الوطن العربي ونال جوائز متعددة.
نماذج متميزة
لم يقدم المشروع الدعم التدريبي والمالي للمتدربين فقط، فهو أعطاهم الدافع لتحدي الظروف الراهنة كما قالت قطرنجي، وهو ما أكدته نور تركي العلي التي هجرت وأسرتها بفعل إرهاب التنظيمات المسلحة في مدينة دير الزور، فقد رأت أن مشروع صالون الحلاقة وتجميل السيدات الذي تديره بالتعاون مع شريكتها سعدى عيسى من دمشق، شكل بالنسبة لها انطلاقة جديدة وعلّمها كيف تنظر للحياة بعين الأمل، وهي التي كادت أن تصاب بالاكتئاب من جراء ما حصل معها، تقول نور: شاركت وزميلتي في مشروع الصندوق من خلال جمعية البركة، وبعد أن تلقينا التدريبات اللازمة قدمنا فكرتنا وحصلنا على التمويل اللازم وها نحن الآن نعمل على إدارة المشروع الذي لم يساعدنا فحسب، بل أمن فرصتي عمل لشابتين بدأتا العمل معنا، وتضيف: قد تكون تسعة أشهر من عمر المشروع فترة بسيطة ولكن إيماننا وثقتنا بالنجاح فرض وجودنا بالمنطقة التي نعمل بها، وهو ما زاد في خبرتنا وحقق مردوداً مادياً ساعدني في تأمين متطلبات أسرتي، بدورها سعدى تؤكد أن طموحهما لن يتوقف هنا، فنقل الخبرات التي حصلوا عليها من المشروع الى فتيات جدد يرغبن بالعمل في هذا المجال، هو الحلم الذي تسعى كل منهما لتحقيقه، وفي الختام اتفقتا أنه يجب على الانسان ألاّ يقف عند نقطة معينة في حياته، وألاّ يترك الظروف تتغلب عليه.
أما لين درويش خريجة هندسة معلوماتية ذكاء صنعي، صاحبة مشروع «ريماز» وهو موقع ويب يقدم دورات تفاعلية باللغة العربية لتعليم البرمجة عبر شبكة الانترنت، أسسته بالتشارك مع محمد سلطان خريج هندسة برمجيات، وصفت دعم الشباب بالناجح، فالتنوع في المتدربين أغنى تجربتها الشخصية، وعرّفها على أناس اختلفت مشاريعهم في الشكل ولكنهم اتفقوا على استثمار خبراتهم لإقامة عمل يكون بمنزلة جواز مرور لهم نحو سوق العمل، فالشباب في رأيها قادر على العطاء، وعليه أن يساهم في بناء مجتمعه من خلال أدواته ومهاراته العلمية والعملية، المشروع عمره 11 شهراً، وطموحنا ان يصبح بعد خمس سنوات الوجهة العربية الأولى لتعليم برمجة الويب والموبايل.
بدوره اسكندر الجندي طالب هندسة تقنيات من متطوعي جمعية تنظيم الأسرة، اتجه نحو مشروع في مجال العمل الزراعي، وعدّ أن المشروع فرصة لتعزيز العلاقات الاجتماعية بين المشاركين من المحافظات، وأن الدعم المقدم من الصندوق وفرّ الإمكانات اللازمة للتعرف على المهارات الأساسية في التسويق والتدريب، وكيفية التخطيط لتأسيس مشروع خاص وإدارته، وحول تجربته يقول: بعد أن تحولت من مستهلك الى منتج، بدأت نظرتي للحياة تتغير، وصار عندي تفاؤل بالمستقبل، لذا أنصح كل شاب بالتعرف إلى إمكاناته واستغلال الموارد المحيطة به لتوظيفها في المجال الذي يحقق له الاستمرارية، فالمبادرة أساس النجاح وإحدى أهم ركائزه.
وماذا بعد؟
مشروع دعم الشباب أدى الغرض المطلوب منه، أسس اللبنة الأولى في حياة أولئك الشباب وبمشاريعهم اختتم هذه المرحلة والتساؤل ماذا بعد؟ يجيب ممثل الصندوق أن التجربة قابلة للإعادة، قد لا تكون بالمواصفات نفسها، ولكن سنعمل على توسيعها لتغطية أكبر عدد من الجمعيات والمحافظات، فالشباب بحاجة وأمامهم فرص كثيرة للنهوض بواقعهم.