بعد مراسم زواج تنكري الفتاة «الضحية» تلاحقها لعنة المجتمع.. وتزويجها للفاعل جريمة يحميها ويشرعنها القانون

بعد مراسم زواج تنكري الفتاة «الضحية» تلاحقها لعنة المجتمع.. وتزويجها للفاعل جريمة يحميها ويشرعنها القانون

أخبار سورية

السبت، ١٤ يناير ٢٠١٧

إن تزويج المغتصبة لمغتصبها جريمة إضافية في حقها، وهو حل يتم اللجوء إليه دفعاً للعار الاجتماعي، وتضطر الضحية وعائلتها للرضوخ إليه حفاظاً على السمعة، ويخاف كثيراً من الأهالي الإبلاغ عن حوادث اغتصاب تقع لفتياتهم، لأن الجريمة يمكن أن تتحول إلى جريمة زنى، إذا استطاع الجاني إثبات أن الأمر تم برضاها، كما أنه يهدر حق الضحايا بسبب نواقصه، وأبرزها: صعوبة إثبات ارتكاب الجريمة أمام القضاء، إذ لا بد من إقرار الشخص نفسه بأنه هو الفاعل، أو شهادة أربعة رجال تتحد رؤيتهم لارتكاب الفعل، وهو أمر مستحيل.
مسكونة بالخوف
إن دوافع المشرعين للقوانين التي تنظم قضايا المرأة، تأتي مسكونة بالخوف من الفضيحة الجنسية،  وفق الدكتور مأمون أفليس “كلية التربية”، ما يدفع بالمحكمة الذكورية في البحث عن وسائل لتبرير العقوبة المخففة، وشرعنه التواطؤ الذكوري الفاضح على المرأة الضحية، حيث تُسقط جرم الاغتصاب في حال أقدم المُغتصِب على الزواج بالمُغتصَبة.
وهو تواطؤ للسلطة الاجتماعية الذكورية  المتمثلة بالسلطة القضائية على جسد المرأة، شرطه غسل عار السلطة الاجتماعية المتمثلة برجال العائلة الذين مُسّ بشرفهم مقابل إسقاط الحقّ العام المنوطة حمايته بالسلطة القضائية التي من واجبها نظرياً ممارسة حقّ الادّعاء العام الذي يسقط  بفعل الصفقة الاجتماعية.

العقلية الذكورية
يتفق الدكتور آصف يوسف” كلية التربية ” مع الدكتور أفليس في تحليله الذي يلوم ما أسمياه بالعقلية الذكورية، ويؤكد أن هذه العقلية مازالت تتحكم في المحاكم، فالمحكمة هي جزء لا يتجزأ من الحزمة الاجتماعية المرتبطة بالمرأة، ومن يحكم، ومن يقرر ما يجري في حياتها هذه، هي عقلية المجتمع، عقلية مركبة لتنظر إلى المرأة من خلال هذا المنظار، سواء مع أو ضد تزويج الضحية بالجاني على اتفاق أن التبرير بالكامل يصب في محاولة القضاء والمشرع تغليب مفاهيم الشرف والعار، ومن خلالها ربط مفهوم العذرية بمعايير شرف العائلة والمجتمع، ومن خلالهما الدولة، وتغليب هذه المفاهيم على مفاهيم حقوق المواطنة والطمأنينة والأمان للمرأة.

حماية شرعية
ويضيف يوسف: كم جريمة تُرتكب بحق الضحية؟ مرة اغتصاب، ومرة أخرى إجبار الضحية على العيش كل العمر تحت تأثير الاغتصاب،  وهذا مكافأة للجاني بالتمتع بانحرافه بشكل شرعي تحرير الجاني، ومعاقبة، وسجن الضحية مدى الحياة، لا بد من تنظيف كتب القوانين من مثل هذه القوانين، وتنظيف العقول والضمائر والقلوب من مثل هذه القاذورات. وتساءل اليوسف بصراحة إلى أين تذهب هذه المسكينة إن لم تتزوج من غاصبها، فالمجتمع لن يتقبل هذه المغتصبة بأي شكل كان، فلا يجد أهلها، أو حتى هي أحيانا إلّا هذا  السبيل للعيش في المجتمع.
ويلفت اليوسف إلى هذه الإشكالية حول عدم وجود بدائل العيش الكريم لمثل هذه المرأة، وكيف تستطيع العيش في جو اغتصاب مستمر، والمشكلة الأكبر بأنها مجبرة على البقاء لمدة ثلاث سنوات، لا نعرف خلالها، كيف تتم معاملتها، وإذا كان مغتصبها قد تزوج امرأة أخرى، ولكنها في النهاية لم يكن أمامها أي بديل للسير في هذه العملية.
وأشار إلى أهمية تغيير ثقافة المجتمع بالتعامل مع المغتصبة، والتوقف عن معاقبتها ألف مرة  على جريمة، وهي الحلقة الأضعف فيها.

تناقض
وتتأسف الدكتورة سميرة القاضي “كلية التربية” لما تتعرض الصبية في حال اكتشاف الأهل تعرض ابنتهم للاغتصاب، عادة ما تعتبر هي المخطئة وقد يلجؤون لقتلها  في الريف، وإذا وصلت القضية للقاضي الشرعي عادة ما ينصح بتزويجها من الجاني، مؤكدة أن هذا حل غير عادل، إذ تضطر الفتاة غالباً للموافقة على الزواج على الرغم من أن شعورها الطبيعي هو حمل مشاعر كراهية للجاني.
لو سألنا المشرع عن فلسفته في إيقاف تنفيذ العقوبات القانونية بعد زواج المغتصب للفتاة المغتصبة، فإن جوابه يتأسس على أفضلية هذا الحل على كل الحلول الأخرى، وأنا أرى أن في الموضوع غبناً كبيراً للضحية،  فهو  يستند إلى ما يسمى بالأساس الأخلاقي الأدبي للجريمة،  فالحل لا يعدو أن يكون اتفاقاً بين عائلة الجاني، وعائلة المجني عليها، وفقاً للعرف العشائري، وبغرض التغطية على جريمة بحق المرأة، وتبقى الضحية دون منصف  لا صوت لها في هذا الزواج، ولا مراعاة لوضعها النفسي، أو الاجتماعي، وتساءلت عن رأي المشرع في حال تعدد الجناة، إذ كيف سيتم التعامل مع مثل ذلك، ولكن المؤكد أنه بالتحليل المنطقي للحكم نصل إلى قناعة بأن الهدف منها حماية الذكر الجاني على حساب الأنثى الضحية!.
رأي القانون
من جهته اعتبر الدكتور ياسر الخلف “كلية الحقوق” بأنه تم تعديل “19” مادة في عام 2011 من قانون العقوبات السوري، ومن بينها المادة 508 التي تجيز للمغتصب الزواج من المغتصبة، وبالتالي وقف الملاحقة القانونية، أو وقف تنفيذ العقوبة، وتمت الاستعاضة عنها بالنص على أنه: إذا عُقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجنايات الواردة في هذا الفصل، وبين المعتدى عليها، يستفيد المرتكب من العذر المخفف وفق أحكام المادة “241”، على ألا تقل العقوبة عن الحبس لمدة سنتين، ويُعاد إلى محاكمة الفاعل إذا انتهى الزواج بطلاق المرأة دون سبب مشروع، أو بالطلاق المحكوم به لمصلحة المعتدى عليها قبل انقضاء خمس سنوات على الزواج، وتُحتسب المدة التي نفذها من العقوبة.
كما نصّت المادة “2” منه: إذا عُقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجنح الواردة في هذا الفصل، وبين المعتدى عليها، أوقفت الملاحقة، وإذا حُكم بالقضية، عُلّق تنفيذ العقوبة، ويُعاد إلى الملاحقة، أو تنفيذ العقوبة إذا انتهى الزواج بطلاق المرأة دون سبب مشروع، أو بالطلاق المحكوم به لمصلحة المعتدى عليها قبل انقضاء ثلاث سنوات على الزواج.
فالقانون مازال يكافئ المغتصب بتزويجه من المغتصبة، مع المساهمة في ترسيخ سياسة الإفلات من العقاب، كما أن التعديل بهذا الشكل لن يحل جزءاً كبيراً من المشكلة لإمكانية إكراه المغتصبة من قبل ذويها على الإفادة أمام المحكمة بأن ما حدث معها كان برضاها، ليجري عقد الزواج مع مغتصبها، وأن كثيراً من جرائم الشرف تتم غالباً نتيجة كلام متداول لا يستند إلى دليل مثبت، وأن أكثر الفتيات يقعن ضحية خداع، ووعود زواج كاذبة، وأن إعفاء المغتصب من العقاب بعد الزواج مكافأة له على تصحيح جريمة قام بها، وليس قناعة بمؤسسة الزواج، وسوف تدفع الأنثى ثمن ذلك من حياتها بهدف درء الفضيحة وستر العار الذي لم يكن لها دور فيه، وهنا يأتي دور المجتمع بالتخفيف عليها!.

رأي الشريعة
وفي إطار تناوله للأمر من الناحية الشرعية، أكد الدكتور محمود المعراوي، القاضي الشرعي بدمشق، بأن هذه التعديلات بكل جوانبها تتطابق تماماً مع الناحية الشرعية، واعتبر المعراوي المادة 548 بمثابة المظلة التي كانت تغطي جرائم الشرف، واصفاً المواد الجديدة المُعَدّلة للمواد السابقة بالاستجابة الطبيعية لمتطلبات العقل، والشريعة، والمجتمع، بسقوط هذه المادة لم يعد هناك ما يحمي القاتل، لافتاً إلى عدم ممانعة الدين لزواج الفتاة من مغتصبها في حال رغبت بذلك، وهو ما لا يعني موافقة الدين على إفلات المغتصب من العقاب!.

إنصاف الضحية
القوانين في سورية أكثر رحمة من المجتمع في إنصاف الضحية المغتصبة، فهي تضمن عند ثبوت الاغتصاب تعويضات، وغيرها من التكاليف الخاصة بالعلاج النفسي، والصحي، ناهيك عن أحكام السجن لمدة لا تقل عن أربعة أعوام، عدا عن رغبة عدد من أهالي المغتصبات في التستر على بناتهن، كما يتنازل عدد من الأهالي عن إقامة الدعاوى القضائية ضد الجناة، معتبرين أن ما حدث لابنتهم هو ذنب مكتوب عليهم، وفي بعض الأحيان يتم تزويج الفتاة ممن اغتصبها غسلاً لما يوصف بالعار، فقد تختلف المفاهيم والمواقف، غير أن نظرة الاحتقار والازدراء للمرأة المغتصبة لاتزال متجذرة في المجتمع السوري رغم وجود قوانين تنصفها بعض الشيء، ويساهم في هذا الوضع تستر أهل المغتصبة على ما حدث لبناتهم!.
عارف العلي