لفح ألسنة الحرائق لم توقظ عين الرقيب..؟!! الثروة الحراجية في السويداء.. اعتداءات تهدد وجودها.. وخسائر بيئية واقتصادية متزايدة

لفح ألسنة الحرائق لم توقظ عين الرقيب..؟!! الثروة الحراجية في السويداء.. اعتداءات تهدد وجودها.. وخسائر بيئية واقتصادية متزايدة

أخبار سورية

الأحد، ٥ مارس ٢٠١٧

يقول المستشرق الانكليزي بيرك هاردت: إنه كان يحتاج إلى يوم كامل لقطع المسافة بين مدينة السويداء وقرية سليم، هذه المسافة لا تزيد عن 10 كم، وذلك بسبب كثافة الغابة في المنطقة وتشابكها..  كلام هاردت هذا تثبته الصور الجوية للمنطقة والتي تثبت مدى كثافة الغابات في القرون السابقة حتى أوائل القرن الماضي،  أما اليوم فعدد الأشجار الحراجية فيما تبقى من تلك الغابة يمكن إحصاؤه بسهولة، أما المساحات الواسعة منها، فقد التهمها الزحف العمراني.
وغابة سليم هي واحدة من عشرات الغابات في المحافظة، خضعت لذات السيناريو لجهة القطع الجائر، والزحف العمراني، وكذلك لجهة تعرضها لموجة قطع ثانية تتعرض لها في الآونة الأخيرة، فما هي تأثيرات عمليات القطع تلك، وما هي الإجراءات المتخذة لحماية ما تبقى منها، وما هو الأثر البيئي والاجتماعي الذي سيولده تراجع الثروة الحراجية في السويداء؟  وبالوقت ذاته لن نسأل عن دراسات الأثر البيئي التي من المفترض أنه بوشر العمل بها لتحديد الخسائر بدقة، وطرح الحلول للتعويض، لأنه لم نعتد من مؤسساتنا أن تقف بعد كل مشكلة لتحدد أسبابها، وتداعياتها والحلول لها، والدروس المستفادة منها.

مسؤولية مشتركة
أبو أدهم، وهو الشيخ السبعيني، يعلم أنه لن يستظل تحت الغرسة التي زرعها، فأكثر من خمسين عاماً تحتاج حتى تجتمع العائلة تحت ظلها، ولكن كما الحلقة البيئية تنطلق من الشجرة منها تنطلق حلقة الوصل بين الأجيال، وكما الآباء والأجداد زرعوا، على الأبناء أن يزرعوا للأحفاد.. هذه الرسالة التي أراد إرسالها، وهو يزرع إحدى الشجيرات الحراجية.. يقول الشيخ أبو أدهم طلال نعيم: إن الشجرة أمانة في أعناق الجميع، وحمايتها واجب على الجميع من مسؤولين ورجال دين ومجتمع محلي، فالشجرة هي رئة المجتمع، فمن الضروري التعاون بين الجهات الرسمية والفعاليات الأهلية والشعبية للحفاظ على الثروة الحراجية، ووضع حد للتعديات المتكررة على المواقع الحراجية إلى أهمية تشكيل دوريات مشتركة من قبل العناصر الشرطية في المناطق التي توجد فيها المواقع الحراجية، بالإضافة إلى عناصر الضابطة الحراجية، والخفراء الحراجيين، ومتطوعين من المجتمع الأهلي لمنع أي تعديات بحق الحراج، والوقوف بوجه كل من يحاول المساس بالثروة الحراجية، وإحالة المخالفين إلى القضاء، داعياً إلى نشر ثقافة الحفاظ على الثروة الحراجية والتوعية بأهميتها على أوسع نطاق، ولفت إلى ضرورة توحيد كل الجهود لمواجهة التعديات على الغابات والمواقع الحراجية، وتفعيل دور المجتمع المحلي في الحفاظ على الثروة الحراجية.

خلل بيئي
طول فترة الجفاف، والتي تصل إلى تسعة أشهر، يقلل من نسب نجاح أي غرسة يتم زرعها بشكل بديل، وبالتالي فإن عمليات قطع الأشجار تشكل تهديداً كبيرة للثروة النباتية وللتنوع الحيوي بكافة أشكاله، وتأثيرات مناخية، وأخرى بيئية يسببها خروج مئات الهكتارات المشجرة طبيعياً واصطناعياً، حيث تؤكد الدراسات البيئية أهمية الغابات في إنتاج الأوكسجين، وامتصاص غاز ثاني أوكسيد الكربون، ودعم خزانات المياه الجوفية عبر الحد من جريان المياه السطحية.
مدير الحراج أنس أبو فخر، تحدث عن الأهمية البيئية والسياحية والمناخية والاجتماعية، فكل هكتار من الغابات ينتج نحو 13 طناً من الاوكسجين، وتمتص حوالي 17 طناً من غاز ثاني أوكسيد الكربون، ويثبط ما يقارب 80 طناً من الغبار سنوياً، كما يخفض سرعة الرياح بنسبة تتراوح بين 30ـ60%كما تساهم الغابات في تنشيط جريان المياه السطحية، وبالتالي دعم مستودعات المياه الجوفية، إضافة إلى المضادات الحيوية التي تطرحها في الجو، أما في الجانب البيئي تشكل الشجرة الحلقة الأساسية في سلسلة التوازن البيئي هذه الحلقة التي تبدأ من الشجرة، وتنتهي بها، أبو فخر أشار أن تراجع الثروة الحراجية يؤثر على التنوع بكافة أشكاله خاصة الأنواع  البرية المستوطنة بسبب فقد الملجأ الطبيعي لها المتمثل بالغابة وبالتالي هجرة هذه الأنواع الى أماكن إخرى، إضافة الى التأثيرات المناخية حيث تشكل الغابة عنصر أمان للمناخ، وأي تعد عليها يعطي أولوية لانتشار التصحر والجفاف، وبين أبو فخر أن المشكلة الأهم في السويداء طول فترة الجفاف التي تصل لتسعة أشهر، وبالتالي تكون نسبة نجاح أي غرسة يتم زرعها ضئيلة، إلا إذا كان هناك ريات داعمة، وبالتالي هذا يضيف تكاليف إضافية، وبالتالي فإن عملية قطع الأشجار تهدد الغطاء النباتي بشكل كبير، لأن عملية استرجاعها في هذه الظروف المناخية تكون صعبة وبنسب نجاح قليلة، إضافة لذلك فإن عمليات التحريج الاصطناعي تكون بأنواع حراجية مدخلة غير طبيعية، وبالتالي سيادة هذه الأنواع على الأنواع الطبيعية الموجودة في المحافظة.

وقف التعديات
ملايين الليرات خسائر السويداء جراء تراجع هذه  الثروة نحو 40% بسبب عمليات القطع الجائر التي تعرضت لها، أكثر من 10 آلاف شجرة تعرضت لقطع كامل في الغابات الطبيعية والاصطناعية وعدد يزيد عن ذلك بكثير لأشجار تعرضت لقطع جزئي وتشويه في تكوينها، يقول المهندس رفعت خضر، معاون مدير البيئة، إن الغطاء النباتي هو عامل استقطاب للأمطار والتي تراجعت معدلاتها في السنوات الماضية، وكذلك يلعب دوراً في تنقية الهواء من الملوثات خاصة الكيميائية والعوالق الهوائية والتي قد تكون مرتفعة في بعض مستوياتها نتيجة قرب المحافظة من الصحراء وضعف الغطاء النباتي فيها خاصة الحراجي منه والذي لا يزيد عن 1,5%من كامل مساحة المحافظة، وبين خضر أنه يتم بالتعاون مع الجمعيات التخصصية العمل على نشر الوعي حول أهمية الشجرة المزروعة وضرورة وقف التعديات وزيادة عدد الأشجار المزروعة وإيجاد البدائل للتدفئة كمادة تفل الزيتون، وتنفيذ العديد من النشاطات ومنها مسيير بيئي في الكفر والذي شكل رسالة توعية وكذلك المشاركة في العديد من حملات التشجير ونشر الوعي عبر المحاضرات والندوات..
ونوه خضر أن المجتمع المحلي ساهم بحماية بعض المواقع الحراجية مثل الكفر والرحى ومفعلة وحبران من خلال التصدي للاعتداءات التي كانت تقوم بشكل فردي أو جماعي منظم والذي ساهم في الحد من التعديات التي جرت خصوصاً أشجار السنديان والتي تشكل رمز المحافظة والتي تحتاج إلى ظروف طبيعية ومناخية خاصة، وهذه الظروف ليست متوفرة في الوقت الراهن.

حملات تشجير
حملات تشجير يقوم بها المجتمع المحلي بالمحافظة لتعويض الخسائر عبر استهداف أكثر من 300 هكتار بنحو أكثر من 100 ألف شجرة وإجراءات لحماية تلك الثروة والتي تشكل مراكز استجمام للترويح عن النفس، خاصة في ظل ازدياد حالات التوتر النفسي والاجتماعي التي فرضتها يوميات الحرب في سورية، “البعث” تواجدت خلال إحدى تلك الحملات في حديقة الفيحاء، شيوخ، وشباب، وأطفال توافدوا إلى المكان في الوقت المحدد، قد تكون الأهداف مختلفة لجهة الفعاليات المنظمة للحملة، ولكن الجميع اتفقوا على شعار واحد وهو الحفاظ على الثروة الحراجية، وتعويض المقطوع منها.
رئيس مجلس مدينة السويداء، المهندس وائل جربوع أشار الى الدور الفعال الذي يلعبه المجتمع المحلي، سواء في حماية الثروة من القطع، أو تعويض الخسائر عبر حملات التشجير الكبيرة التي يقوم بها، متمثّلاً بكافة مكوناته الاجتماعية، والأهلية، والرسمية، مؤكداً أن حملات التشجير التي انطلقت في معظم مناطق المحافظة هي دليل وعي عند النسبة العظمى من أبناء المحافظة، وبيّن جربوع أهمية التعريف بالأهمية الاقتصادية للشجرة، والخسائر الكبيرة التي يتعرّض لها المجتمع جراء التعديات الكبيرة التي تطال الثروة الحراجية، منوّهاً إلى أن من قام بهذه الاعتداءات فئة استغلت الظروف الاستثنائية التي يمر بها الوطن، وقامت بالتحطيب العشوائي والجائر، والإتجار بهذه المادة، حيث وجدوا في هذه العملية سبيلاً للربح السريع، غير مهتمين لما ينتج عنها من أبعاد بيئية واقتصادية سلبية، وأن هذا الموضوع يتطلب زيادة تعاون المجتمع المحلي، والمؤازرة من الجهات المختصة بشكل أكبر لوقف التعديات غير المسبوقة على المواقع، والعمل على تطبيق التعاميم المتعلقة بإيقاف السيارات المحمّلة بالأحطاب، وتسليمها للدائرة لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وتطبيق القوانين الصارمة، وأشد العقوبات بحق الأشخاص المتاجرين بالثروة الحراجية.

الحلاقون الجدد
التعديات على الثروة الحراجية في الآونة الأخيرة، والتي طالت عدداً من الغابات، والمواقع الحراجية في السويداء، والتي تعرّضت لقطع جائر طال آلاف الأشجار في حالة وصفت بأنها “حلاقة على الصفر” يقوم بها تجار الحطب في معظم تلك المواقع، في وقت اقتصرت فيه إجراءات الحماية على التنديد، والوعيد، وتقاذف الاتهامات حول المسؤول عن عملية الحماية من جهات رسمية، أو مجتمع محلي، الحلاقون الجدد استغلوا حالة تقاذف المسؤوليات تلك، فأطلقوا ماكيناتهم في حالة وصفت بأنها الأسوأ منذ الاحتلال العثماني لجهة شراسة الهجمة، والخسائر الكبيرة التي ترتبت عليها، وإذا كانت هناك إجراءات حفظ ماء الوجه، حيث فتح المسؤولون أعينهم لحل المشكلة بعد طول فترة إغماضها، وبعد  خسائر اقتصادية  كبيرة تصل إلى مليارات الليرات السورية إذا ما قارنا المردود الاقتصادي للشجرة بعدد الشجرات المقطوعة، وإذا كانت حالة التفتيح تلك تمثّلت بتنسيق الجهود بين المجتمع المحلي والجهات المعنية، فإنها لم تتعد التصريحات الإعلامية، والإجراءات الخلبية، طالما أن الحلاقين الجدد يمرون بسياراتهم المحمّلة بالغنائم الحراجية دون حسيب، وفي ظل إغماض عيني الرقيب؟!.

رفعت الديك