تحديات ومشكلات مزمنة تعصف بقطاع الثروة الحيوانية.. خسائر تعصف بيوميات المربّي المنتج والحلول قادمة على قاطرة الوعود البطيئة

تحديات ومشكلات مزمنة تعصف بقطاع الثروة الحيوانية.. خسائر تعصف بيوميات المربّي المنتج والحلول قادمة على قاطرة الوعود البطيئة

أخبار سورية

الثلاثاء، ١٤ مارس ٢٠١٧

لايزال إنتاج الثروة الحيوانية ينوء بتحديات وصعوبات إنتاجية وتسويقية مزمنة، ما يجعله يواجه كنظيره النباتي المشكلات نفسها التي يتحمّل أعباءها المربّي المنتج، مثله مثل المزارع الذي يتكبّد خسائر ناجمة عن كساد محاصيله في ظل التداول العشوائي للمنتجات الحيوانية، وتحكّم الحلقات الوسيطة بها سعراً ومواصفة وتسويقاً بما لا يغطي مطلقاً التكاليف الإنتاجية المرتفعة التي يدفع ضريبتها المستهلك، لأن هذه المنتجات الضرورية للاستهلاك اليومي، ولاسيما الحليب ومشتقاته من ألبان وأجبان وبيض ولحوم، تباع للمستهلك بأسعار متباينة بين هذا المحل وذاك، وكثيراً لا يكون السؤال مجدياً عن سبب التباين، لأن الباعة يتبارون، ويتباهون بجودة منتجهم مقارنة مع غيرهم، و”إذا لم يعجبك السعر، فهذه مشكلتك، وهذا الموجود !!!” وهذا يثبت أن هذه المنتجات خارج القيود الرقابية والسعرية والإجرائية أمام عجز واضح عن ضبطها من قبل المؤسسات التي تقف لا حول ولا قوة، لأن سقف تدخلها لا يتعدى تسطير الضبوط، وأخذ العينات، وتسجيل الإنذارات، وكلها إجراءات قاصرة ومنقوصة، وهذا ينسحب على جميع السلع والمواد، ما يثير الدهشة والاستغراب.

تهاون في رقابة الأسواق

وأمام هذا التهاون الرقابي، فمن الطبيعي أن تبقى أسعار هذه المنتجات محلّقة وكاوية، سواء للحوم أو الألبان والأجبان، وبالتالي فإن عدم استجابة السوق لإجراءات كبح جماح الأسعار، يفتح التساؤلات على مسبّبات أشد تأثيراً في معادلة العرض والطلب والسعر واستقرار السوق، ما يدفع نحو معالجتها، كونها أصل المشكلة وجذرها.

وأما الجهات المعنية، فتعزو ارتفاع أسعار هذه المنتجات إلى تناقص أعداد الثروة الحيوانية حسب تقاريرها الإحصائية، وترى أن هذا النقص انعكس على نقص في المنتجات الغذائية ذات المنشأ الحيواني، وأن يترافق مع ارتفاع مضاعف في الأسعار، و لكن هل يبرر هذا النقص عدم ضبط  التداول العشوائي المخالف لأصول، وضوابط بيع، وتسويق المنتجات على حساب المواصفة، والجودة، والقواعد الصحية لنقل وتخزين هذه المنتجات، وطريقة حفظها، وانتشار ظاهرة الذبح العشوائي للقطيع دون فرض إجراءات مشددة، وتطبيق ضوابط دقيقة لمنع ظاهرة الذبح العشوائي.

وكما سبّب التهاون في ضبط تداول منتجات الثروة الحيوانية إلى لهاث التجار وراء الربح غير المشروع، وبالتالي تأجيج لهيب الأسعار في الأسواق المحلية، وتعذّر حصول المواطن على احتياجه الطبيعي من هذه المنتجات بما فيها الألبان والأجبان، ناهيك عن اللحوم الحمراء.

غلاء أسعار المستلزمات والاحتياجات

وتعزو مديرية الزراعة التراجع في عدد القطيع إلى ارتفاع أسعار الأعلاف بشكل كبير، وصعوبة نقل المنتجات العلفية بين المحافظات، وارتفاع تكاليف النقل، وانخفاض الريعية الاقتصادية لعملية التربية، وعدم تناسب سعر المنتج مع تكاليف الإنتاج، ما أدى إلى عزوف عدد من المربين عن عملية التربية، وعدم إمكانية إدخال منشآت جديدة للإنتاج الحيواني، وذلك بسبب صعوبة إجراء التراخيص، ومن الأسباب أيضاً خروج عدد كبير من مراكز التربية من الخدمة، وتعرّض المربين لخسائر كبيرة جراء الأضرار التي طالت قطاعات الدواجن والأبقار والأغنام جراء الظروف الراهنة، وهناك عامل هام أدى إلى زيادة الطلب بشكل كبير على المنتجات في ظل توافد عدد كبير من المواطنين إلى محافظة اللاذقية، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، وضعف تمويل مربي الثروة الحيوانية من قبل المصارف المخصصة لهذا الشأن.

تصويب العملية

وأما المربون والمنتجون، فيطالبون بمعالجة حقيقية وفورية، تكفل تصويب عملية التربية، وتحفيز المربين، ومنحهم قروضاً طويلة الأجل، وبفوائد، وشروط ميّسرة، وتشجيع إقامة مشاريع، أو مجمّعات إنتاجية متكاملة للثروة الحيوانية (إنتاج – تصنيع – تسويق )، وتبسيط إجراءات ترخيص منشآت الإنتاج الحيواني بالتنسيق مع الجهات صاحبة العلاقة، ودعم المؤسسة العامة للأعلاف بحيث تصبح قادرة على مواجهة أي أزمات، وذلك بإقامة صوامع لتخزين المواد العلفية الأولية كمخزون استراتيجي، ومعامل لتصنيعها، وزيادة المقنن العلفي بالنسبة للرأس الواحد، وإنشاء مذابح آلية للدواجن والأبقار مجهزة فنياً بعيدة عن المدن لتنظيم حاجة السوق، والقضاء على حالة الكساد في حينها، وتأمين الكادر الفني المختص والمدرّب للعمل في مجال الثروة الحيوانية، وضبط الأسواق من خلال إحداث نقاط طبية في كل الأسواق الحيوانية في المحافظة لها صفة الضابطة العدلية، تنظّم عملية دخول وخروج الحيوانات من الأسواق بموجب وثائق مخصصة ومعتمدة لهذا الغرض، وتراقبها صحياً، ومن خلالها يتم نقل الحيوانات بين المحافظات بمنح وثائق بالتعاون مع الجهات المعنية، ومكافحة ظاهرة التهريب التي تستنزف قطعان الثروة الحيوانية، والتشدد في منع هذه الظاهرة، ومحاسبة المتسببين بها، ومكافحة ظاهرة الذبح العشوائي للقطعان خارج المسلخ، وتفعيل إجراءات حماية وتنمية الثروة الحيوانية.

نقص المواد العلفية

لقد انعكس النقص الحاصل في المواد العلفية سلباً على احتياجات الثروة الحيوانية ومردود المربّين والمنتجين في آن معاً رغم كل التدابير المتخذة للحدّ ما أمكن من الصعوبات التي تعترض تأمين المنتجات العلفية بسبب خروج العديد من المنشآت والمستودعات في عدة محافظات عن الخدمة وتوقف عمليات الشحن والنقل على عدّة محاور طرقية  وارتفاع الأسعار، وهذه العوامل مجتمعة أثّرت مباشرة في القطاع الزراعي بشكل عام والشق الحيواني منه بشكل خاص الذي يتأثر مباشرة بأسعار المواد العلفية ويمكن حصر الصعوبات التي تواجه المواد العلفية بتوقف بعض مصادر الإنتاج عن العمل بسبب الظروف الراهنة ونتيجة صعوبة وصول المواد الأولية إلى المعامل وهناك صعوبة كبيرة في استجرار بعض المواد العلفية من مصادر الإنتاج بسبب صعوبة تأمين السيارات الشاحنة نتيجة فروق الأسعار وتفاوت أجور النقل عن القطاع الخاص وأيضاً صعوبة النقل من وإلى بقية المحافظات وتعذّر تأمين اليد العاملة بالعدد الكافي وفي الوقت المناسب، وهذا يلقي بظلاله على الثروة الحيوانية التي تشكل مصدراً أساسياً من مصادر تأمين الأمن الغذائي، وتشكل 35% من الدخل الزراعي ومصدر دخل وحيداً لشريحة واسعة من المواطنين، ومن هنا  فإن هذه الأهمية المتكاملة اقتصادياً وغذائياً وإنتاجياً تقتضي تطوير هذا القطاع لأنه يساهم في رفع مستوى دخل الفرد وتقليل عدد العاطلين عن العمل وسد حاجة المواطن من البروتين الحيواني.

ضرورة الإسراع

الدكتور صالح صالح نقيب الأطباء البيطريين في اللاذقية اعتبر إحداث هيئة عامة للثروة الحيوانية أولوية ضرورية ومطلقة لدعم قطاع الإنتاج الحيواني وتأمين مستلزماته واحتياجات تطويره من خلال التفرغ التام لشؤون واحتياجات الثروة الحيوانية لما لهذه الثروة من أهمية إنتاجية وغذائية واقتصادية، وأكد صالح أن إحداث الهيئة مطلب أساسي يتجدد طرحه باستمرار سواء في المؤتمرات أم اللقاءات والاجتماعات، لأننا نرى في وجود هيئة متخصصة ومتفرغة بالثروة الحيوانية دعماً لهذه الثروة بكل المقاييس والمعايير، وأشار إلى أهمية استيراد أبقار جديدة لتعويض النقص الحاصل في عدد القطعان وزيادة المقننات العلفية والتأمين الصحي على الأطباء البيطريين وتأمين فرص عمل وإحداث مسلخ فني للدواجن على مستوى المحافظة وتوزيع لقاحات الدواجن مجاناً وتأمين عقود عمل لتعيين الأطباء البيطريين وحملة الثانوية الزراعية و إحداث صندوق دعم  لمربّي الأبقار وتكثيف وتفعيل إجراءات تنمية الثرورة الحيوانية ودعم المربّين. وأكد ضرورة الإسراع بإتخاذ الكثير من الإجراءات التي تكفل تطوير الثروة الحيوانية إنتاجياً وتسويقياً وضرورة تضافر جهود كافة الجهات لتذليل الصعوبات التي لاتزال تعترض هذا القطاع الاقتصادي الإنتاجي الهام ووضع حلول وتصورات تشاركية بين مختلف القطاعات على المدى الآني السريع والمدى البعيد، ومن خلال حزمة إجراءات حكومية لتنمية هذه الثروة.

 

تكاليف إنتاجية مرتفعة

يئن قطاع الدواجن تحت وطأة صعوبات تحد من إنتاجيته، ما يحمّل المربيّن أعباء أكبر تنعكس على المردود والريعية، في الوقت الذي يبحث فيه المربّون عن الحد الأدنى الممكن من الريعية الاقتصادية رغم ماتتطلبه تربية الدواجن من احتياجات وتكاليف وعناية غذائية وصحية مكثّفة على مدار الساعة. وفي لقاءات مع عدد من مربّي الدواجن أوضحوا أن هناك عدة صعوبات تعترضهم أهمها تعذّر تأمين كميات المازوت والحطب اللازمة لتدفئة منشآتهم وعدم الاعتدال في التقنين الكهربائي وعدم وضع حد للتلاعب بأسعار النخالة والملح، التي تؤمن الألياف والغذاء اللازم لتربية الصيصان، وضرورة إقامة مصنع متخصص بإنتاج أطباق البيض بعد أن ارتفعت أسعارها مؤخراً بشكل مفاجئ إلى الضعف واحتساب كميات استجرار المداجن للكهرباء كمنشآت زراعية وليست تجارية وتوفير الكهرباء والمحروقات بسعر مخفض. ويؤكد المربّون على ضرورة معالجة تذبذب أسعار الصيصان وتشجيع مربّي الدواجن والتأكيد على أهمية تأمين الأعلاف اللازمة بأرخص الأسعار وأجود الأنواع نظراً لحيوية هذا القطاع وحاجة السوق المستمرة لمنتجاته.

أسعار منافسة والتسهيلات ضرورية

وحول الواقع الإنتاجي في فرع مؤسسة دواجن اللاذقية، أوضح المهندس باسم حسن مدير فرع المؤسسة، أن المؤسسة تقوم بتربية  70 ألف صوص ضمن خطتها لدعم السوق بمنتج البيض ولحوم الدجاج، ولفت إلى وضع خطة خلال العام الحالي لرفد  السوق بكمية جديدة من الصيصان يقدر عددها بنحو 120ألفاً، مشيراً إلى أن هذه الكمية ستكون جاهزة لإنتاج 100 ألف بيضة يومياً، وهو ما يشكل دعماً مباشراً للسوق بمادة البيض بما يكفل توفير مادة البيض بأسعار منافسة لتغطية الطلب على المادة ومنع احتكار بعض التجار للمادة، كما أن المنشأة لديها  3 صالات لبيع البيض بسعر أقل من 10 بالمئة عن السوق ولديها 20 حظيرة في مركز المنشأة و8 حظائر في مدجنة الجريمقية، عازياً ارتفاع أسعار الفروج إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وعزوف الكثير من المربين عن الإنتاج. وحول تأمين المادة العلفية، بيّن حسن أنه صدر قرار بتخصيص المؤسسة بنسبة 7,5 من مستوردات القطاع الخاص بسعر الكلفة إلا أنه تمّ وضع شرط تعجيزي من خلال إلزام المؤسسة بالكشف على المادة المستوردة في الحرم المرفئي ومعاينتها وتفريغها وتحميلها وإخراجها وإنجاز كافة الإجراءات خلال ستة أيام فقط، ولفت إلى الصعوبات التي تعترض الخطة الإنتاجية، وأبرزها ارتفاع التكاليف الإنتاجية كمادة المازوت وذلك لتوليد الكهرباء خلال فترات التقنين على اعتبار أن كافة تجهيزات المنشأة تعمل بشكل آلي وبحاجة دائمة للتيار الكهربائي، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد العلفية وصعوبة تأمينها وكذلك صيصان التربية.

مشروعات لزيادة الإنتاجية

ومن جهته المهندس أحمد كفى مدير عام محطة أبقار فديو فهو يعوّل كثيراً على المشروعات التطويرية لمبقرة فديو وتوسع حظائرها وإقامة معمل للألبان والأجبان والمشروعات التي تم التوجيه بها خلال زيارة الوفد الحكومي إلى محافظة اللاذقية، مبيّناً أن المشروعات التي تمّ إقرارها تشمل معمل تصنيع الألبان والأجبان بطاقة إنتاجية قدرها 5-6 أطنان يومياً من إنتاج مبقرة فديو، ومشروع توسيع حظائر الأبقار، وإنشاء معمل أعلاف صغير مخمّر حيوي “هاضم حيوي” لتوليد الكهرباء، ومشروعات ترميم وتأهيل المباني وصيانة الآليات الزراعية، وأوضح كفى، أن هذه المشروعات تسهم في تحقيق زيادة في عدد القطيع وزيادة الإنتاجية وتصنيع الحليب الخام في معمل الألبان والأجبان، بما يسهم في دعم احتياجات السوق المحلية من منتجات الثروة الحيوانية، وبما يعزز الاستثمار الأمثل للمساحة الإجمالية للمبقرة البالغة 1100 دونم، وتطوير إنتاجية المبقرة البالغ عدد رؤوس القطيع الموجودة فيها 690 رأس قطيع.

مروان حويجة