أبناء الحرب يبحثون عن الحظ!..رابحو جوائز يانصيب: سعادتنا بات يشوبها شيء من الخوف

أبناء الحرب يبحثون عن الحظ!..رابحو جوائز يانصيب: سعادتنا بات يشوبها شيء من الخوف

أخبار سورية

الجمعة، ٧ أبريل ٢٠١٧

لبنى شاكر
يشترط علينا رابحو جوائز اليانصيب ممن التقيناهم، عدم ذكر أسمائهم، فهم على حد قولهم بغنى عن محاولة اختطاف أو سرقة بعد أن صاروا من أصحاب الملايين، حتى أن أحدهم سألنا "هل هذا مقلب ما؟"، ومن المفارقة أن هؤلاء لم تشعرهم المبالغ الكبيرة بالسعادة، بقدر ما أثارت مخاوف لم يعرفوها يوماً.
يقول لنا رابح منهم "يا محلى أيام الفقر، ما كان عندي شي محرز للسرقة"!.
سوريون كثر لا يعيرون بائع اليانصيب اهتماماً، منهم من يرى في الفكرة لعبة حظ لاأكثر، لذا يفضل الاحتفاظ بسعر الورقة في جيبه، على أن يدفعها هباءً، في حين يبتعد آخرون عن الربح السريع لاعتباره موضع شك من النواحي الدينية.
ومع ذلك للباعة زبائن شبه دائمين أو مدمنون، لا تفوتهم سحوبات اليانصيب على مدار العام، يخبرنا بائع اليانصيب -بالقرب من كلية الحقوق- بأن الربح يتطلب صبراً، ربما يمتد إلى سنوات، ومن يدري قد يكون الموت أسرع من دواليب الحظ أو إن الثروة قادمة، في كل الأحوال يجب أن نتحلى بطول البال.
زبائن اليانصيب، الباحثون عن الورقة الرابحة، عادة ما يختارونها بطريقة عشوائية، من دون بحث محدد يرتبط برقم أو زمن، على أمل الفوز بمبلغ جيد، يحسّن ظروفهم المعيشية، ولا سيما في سنوات الحرب، حيث ازدادت نسبة الفقر بشكل ملحوظ، وهو ما كان سبباً في ارتفاع سعر البطاقة في بعض الأماكن، ليصل إلى ضعف الرقم المقرر رسمياً.
يصدر يانصيب معرض دمشق الدولي منذ الخمسينيات، وبشكل دائم خلال السنة بعدة أنواع من الإصدارات "إصدارات دورية عادية، إصدار ممتاز، إصدار رأس السنة، إصدار دورة المعرض"، ويتم السحب أسبوعياً على جوائز تصل قيمتها إلى ملايين الليرات السورية.
ووفقاً لتصريحات صحفية لمدير المؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية فارس كرتلي فقد "بلغت مبيعات المؤسسة من بطاقات يانصيب معرض دمشق الدولي منذ بداية العام الجاري حتى منتصف شباط الأخير تقريباً 880 مليون ليرة جراء بيع 500 ألف بطاقة بالكامل في رأس السنة الأول و180 ألف بطاقة في رأس السنة الثاني إضافة إلى 100 ألف بطاقة في كل إصدار دوري ليوم الثلاثاء من كل أسبوع، ما يعني أن المؤسسة باعت كل إصدارات اليانصيب بالكامل من دون مرتجعات".
في ساحة عرنوس يؤكد أحد الباعة لـ"الأيام" أن زبائنه هم غالباً من الطبقة المتوسطة اجتماعياً، كما يظهر من أشكالهم، موظفون وطلبة جامعات، والسبب برأيه أن الأغنياء عادة ما يجدون طرائق خاصة لزيادة ثرواتهم، إما مشروعات واستثمارات أو سرقات وفساد، في حين أن الفقراء غالباً ما يفكرون بأن الحظ تخلى عنهم منذ زمن بعيد، وتركهم يجابهون الحياة من دون نتيجة تستحق الذكر، تالياً يبدو متوسطو الحال الأكثر بحثاً عما هو أفضل، وعلى حد قوله فإن أولئك يشعرون دائماً بأنهم على عتبة تغيير ما، للأسوأ أو العكس، ما يدفعهم لتجريب حظوظهم.
يتكئ اليانصيب على الخسارة كما الربح، ما يجعله مغامرة مثيرة لدى كثير من الناس، وقد لا توحي الأولى بشيء جديد إذا ما أضافها السوري إلى يومياته البائسة، يمكن له أن يخسر قدر ما يشاء، وهو ما لا يعيره أحد بالاً، لكن الحديث يصبح أكثر حماسة فيما لو كانت الورقة الرابحة قدراً سعيداً، قرر المجيء أخيراً.
السؤال عما يفعله الرابحون بالمبالغ التي صارت بحوزتهم فجأة، يبدو مبالغاً فيه بالنسبة لـ"أحمد.أ" موظف في طرطوس، فهي 10 ملايين وليست 100 مليون، لاحاجة للتفكير في خطط ومشروعات لمعرفة كيفية صرفها.
يشرح الرجل بأنه سيشتري منزلاً صغيراً يؤوي عائلته، وإذا بقي شيء من المال، فربما يفتتح به مشروعاً صغيراً، يساعده في عيش كريم إلى جانب وظيفته.
يؤمن رابحٌ آخر بأن الحظ يأتي مرة واحدة في العمر، يجب أن يبذل الإنسان جهداً حتى يدركه، وهو ما فعله طول سنوات إلى جانب عمله صياداً في جزيرة أرواد، ولحسن حظه، كان ربحه 10 ملايين في يانصيب معرض دمشق الدولي قبل أسابيع.
يقول صاحب الجائزة بأن المبلغ سيساعده لتدبر أموره بعد أن أصبح كبيراً في العمر، ولأن أبناءه ليسوا أفضل حالاً من أبيهم، سيخصص جزءاً لمساعدتهم.
إحدى الرابحات في دمشق، وجدت في جائزة 40 مليوناً، ثروة تستحق أن تنفقها على سعادتها، ولا سيما إنها ما زالت عازبة، رغم تقدمها في السن.
تشرح السيدة لـ"الأيام": لم أتوقع أبداً أنني سأربح أي مبلغ، لكنني ربحت مالاً لم أكن لأحلم به في حياتي، أعتقد أن الله أراد لي السعادة، بعد خيبات كثيرة عشتها، تركت منزل العائلة في منطقة الرازي في المزة واشتريت واحداً أجمل في منطقة مشروع دمر.
في حين أن نظيرتها، صاحبة الـ40 مليون الثانية، لم تستطع أن تضع خيارات خاصة للتصرف بالمبلغ، لأن زوجها تكفل بالمهمة عنها!.
وعلى ما يبدو فإن خيارات السوريين في الحرب شبه محسومة، معظمهم كما يحدثنا العاملون في المؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية، يفكرون أولاً بتأمين أفراد العائلة أو الزواج في حال كانوا عازبين، عدد منهم يفكر في مشروعات بسيطة تدرّ أرباحاً معقولة، ولا يخل الأمر من مصاريف أخرى على سبيل التسلية والاستمتاع بالمال أو مساعدة المحتاجين.
لكن ما لا يعيه البعض هو أن استثمار المال يحتاج إلى خطة حقيقية، ولا مانع من استشارة خبراء أو اقتصاديين، يضمنون تفعليه ليكبر ويمتد بدل أن ينفذ معظمه من دون رجعة، وهي نهاية تواجه عدداً من الرابحين، الذين يجدون أنفسهم قد عادوا إلى وضعهم السابق.
على موقع سحوبات اليانصيب في الانترنت، تسأل المؤسسة زبائنها "سيتم الإعداد لاستبدال طريقة سحب اليانصيب من دواليب إلى كرات هل تثق بطريقة السحب بالدواليب؟"، حقيقة ربما فقد السوريون ثقتهم بكثير من الأمور أو لم تعد تعنيهم، لكن على مبدأ "الدنيا دولاب" سيستمر الباحثون عن الحظ بالتجريب سواء بالدواليب أو الكرات أو غيرها، وكل شيء قسمة ونصيب.