المرضى في زمن الحرب.. يتقاسمون المعاناة وطبق الطعام وحتى ظروف الاستغلال

المرضى في زمن الحرب.. يتقاسمون المعاناة وطبق الطعام وحتى ظروف الاستغلال

أخبار سورية

الجمعة، ١٤ أبريل ٢٠١٧

رنا بدري سلوم
رغم أن التداوي لا يزال حتى الآن مجانياً في المشافي الحكومية، لكن هذا لا يعني غياب تلميحات «عليك أن تدفع كي تمشي أمورك»، تلك الجملة ترددت أصداؤها في كل زاوية وغرفة في مشفى المواساة، وهي تخرج من أفواه المرضى وذويهم، ولاسيما ممن تكبدوا عناء التنقل من محافظة إلى أخرى، وحملوا أمتعتهم، راضين افتراش ممرات المشفى حتى يخرج مريضهم ويعود لبيته سالماً معافى، فتجار الأزمات يعيشون في سنوات الحرب على تعاسة الآخرين، وبمشاركة ضعاف النفوس الذين لا يستغلون الهواء فقط، بل حاجة المرضى أيضاً ليملؤوا جيوبهم برشوة أو «بخشيش».
هناك حيث الألم والمعاناة، تتحسر القلوب على أناس كان جل حديثهم عما يحتاجه المريض من معاملة حسنة من قبل الموظفين الذين يفترض بهم تقديم خدمة تليق بالمواطن «لا بما يدفع لهم»، آخذين بالحسبان أنه تحمل الظروف القاسية وويلات الحرب وبقي صامداً.
فمثلاً قد تشتري بطاقة زيارة المريض بخمسمئة ليرة، ويغض مراقب الدوام النظر عنك، بحسب قول ماجد المهجر من إدلب، الذي لم يكن يمد يده إلى جيبه مبيناً: «لا أريد وجبات طعام لعائلتي من المشفى، كغيري من المرضى، بل أريد أن تبقى زوجتي وابني بقربي طوال فترة مكوثي هنا».
وهنا تعترف الممرضة «ريم.و»  بأن بعض الموظفين يستغلون المريض في أدق التفاصيل لدرجة تستحي أن تتكلم فيها، فالمشرف على سرير المريض يحضر بحسب «الدفع»، وعندها لا يكتفي بالحجز للمريض فحسب، بل للعائلة أيضاً، ولا يقتصر الأمر على حجز السرير فقط، فحتى في حجز العمليات تلعب الأحوال المادية دوراً، فأحمد الذي دخل المشفى منذ عشرة أيام بعد أن تكبد مشقة التنقل من حلب إلى دمشق وهو في حالة إسعافية، يصوم في كل مرة من الساعة التاسعة مساء استعداداً لإجراء عملية في الدماغ، وبعد أن يرتدي مريول العمليات، يعاود أدراجه بحجة أن دوره لم يأت بعد، ففي كل مرة يسبقه أحد المرضى الجدد في التقدم للعملية وتؤجل عمليته.
يقول أحمد: معقول أن يدخل الفيتامين «واو» في يوميات المرضى وفي المشفى الحكومي أيضاً، «الله يعين يلي ما إلو حدا».
تأمين ولكن
وعن التأمين الصحي للموظفين الذين تندرج أسماؤهم على قائمة ذوي الدخل «المهدود» فحدث ولا حرج، فها هو ياسر وأثناء انتظاره إجراء صورة ظهر طبقي محوري، تعطلت آلة التصوير الشعاعي ما اضطره للنوم ليلتين في المشفى منتظراً موافقة التأمين لأنه لا يملك ثمن الصورة التي لم يتسن له إجراؤها إلا بعد أن اشتكى لمشرفي التأمين سوء حاله وبطء العاملين في إعطائه الموافقة، معاناة تقاسمها مع وليد الذي اغرورقت عيناه بالدموع عندما أخبره الصيدلاني  بأن سعر علبة واحدة من الوصفة 6 آلاف ليرة، فما كان منه إلا أن حملها بأطراف أصابعه ليسأل والده الموظف في بلدية سعسع، الذي تهدم بيته وتهجر من بلدته: هل تستطيع بطاقات التأمين أن تتكفل بثمن الدواء وأجرة العملية الإسعافية لك؟
فيجيب أبو وليد: عمليات الديسك وتركيب الصفائح لا يشملها التأمين كلفة العملية 800 ألف ليرة، هناك جمعية خيرية ستتكفل بالعملية.
ثقتهم كبيرة
ومما يزيد الغصة أن المريض في المشافي الحكومية لا يستطيع اختيار طبيبه، لأن الأطباء يقومون بالعمليات الجراحية بالتناوب وفي اليوم المخصص لهم، وهذا ما جرى مع ماهر الذي أتى من السعودية إلى سورية لإجراء عملية لوالدته التي تعيش في حماة، يقول: أعمل في حفارات النفط وراتبي يكفي لإجراء عملية لأمي، لكن إصرارها على دخول المشفى الحكومي وثقتها بطبيبها الذي أجرى لها عملية منذ عشر سنوات هو سبب مجيئنا إلى هنا، وكم كانت صدمتنا كبيرة عندما علمنا بتغيير الدكتور أثناء تحديد موعد العملية، ولكن رغم ذلك يبقى المشفى الحكومي السند الوحيد لكل مريض بحاجة له.
في المشافي  يتقاسم المرضى وذووهم همومهم وغرفهم وحتى طبق طعامهم، فالحرب أجبرتهم على أشياء لم تكن في الحسبان، ومنها دعاء المريض بألا يخرج هو وعائلته من المشفى كي يبقى «آكل شارب نايم ببلاش».