بانتظار تعميم الفكرة بشكل مؤسساتي العرس الجماعي.. منظومة تعاون تزرع الفرح الاجتماعي.. وتزيح مسببات العنوسة

بانتظار تعميم الفكرة بشكل مؤسساتي العرس الجماعي.. منظومة تعاون تزرع الفرح الاجتماعي.. وتزيح مسببات العنوسة

أخبار سورية

الخميس، ٢٠ أبريل ٢٠١٧

ريما قررت الدخول إلى القفص الذهبي من بوابة العرس الجماعي الذي أقامته محافظة السويداء.. العرس سهّل أمامها الدخول إلى هذا القفص الذي فتح أبوابه لعشرين شاباً وشابة يحملون ذات الأحلام والآمال، وها هم يقتربون اليوم من تحقيقها بعد أن بدأت حياتهم تسير في طريق الاستقرار الاجتماعي الذي حققه هذا العرس، والذي  يشكل المفتاح لدخول عالم جديد، عنوانه الأبرز الاستقرار والانطلاق نحو بناء المستقبل.

حل اجتماعي

ظاهرة الزواج الجماعي، انتشرت مؤخراً مع ازدياد الأوضاع الاقتصادية سوءاً، وبنظرة على بعض الإحصاءات حول نسبة الفتيات غير المتزوجات، يتضح أنّ أحد أهم أسباب هذه الظاهرة هو غلاء المهور، ونفقات الزواج الباهظة، وعادات بعض العائلات المرهقة مادياً للباحث عن فرصة للزواج.وتمثّل فكرة العرس الجماعي شكلاً من أشكال المساهمة الفعّالة في زواج الشباب والفتيات وحلاً عصرياً لمشكلة ارتفاع النفقات في ظل تدني دخل اليد العاملة. اللافت أنّ حفلات الزواج الجماعي لم تعد تقتصر على تحمّل تكاليف الزفاف فقط، بل إنّ هناك الكثير من فاعلي الخير، وحتى الشركات التي تقدّم مبالغ نقدية للعرسان لمساعدتهم على بداية حياتهم الزوجية.ولكن ما هي فائدة العرس الجماعي من الناحية العلمية والنفسية على المتزوجين؟ وما هي سلبياته؟ وهل فعلاً يؤثر في نفسيات المرتبطين؟.

في تحقيقنا اليوم الكثير من الحقائق والمعلومات حول الفكرة وتبعاتها علمياً.

تعزيز الروابط الاجتماعية

لحفلات الزواج الجماعية فوائد كثيرة، أبرزها تعزيز روابط التعاون والتآخي بين أفراد المجتمع، بل تحطيم الحواجز الاجتماعية عبر المساهمة في حلّ أزمة العنوسة، وزرع قيم التضامن، وتقليل كلفة متطلبات الزواج.

فعلم الاجتماع يؤكد على أهمية الزواج الجماعي لناحية تقبّل الشباب الحياة البسيطة، إذ يعدّ أيضاً أحد الحلول العملية لمشكلة تأخّر الزواج، وتسهم الفكرة في علاج ظواهر اجتماعية، أهمها توجيه الشباب إلى الزواج، وتكوين أسر مستقرة، وتذليل العقبات المادية التي تعترض المقبلين على الزواج، وغرس المفاهيم التربوية والخلقية التي تسهم في بناء مجتمع تتضمّنه أسر صالحة.

أما علماء النفس، فيعتبرون أنّ الزواج الجماعي يؤثر سلباً في نفسية المرتبطين وخاصة الفتاة، ويختلف الزواج من حيث القبول الاجتماعي من منطقة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر، فهناك مجتمعات تُفاخر به، وتتنافس على إقامته، فيما ترفضه مناطق أخرى، معتبرة أنّ الزواج لا يكتمل إلّا إذا شعر الرجل برجولته، وبأنّه سيد الموقف ليلة العرس، وكذلك الأمر بالنسبة إلى العروس التي لا بد من أن تعتبر نفسها نجمة الحفل في هذه الليلة.

ميزات كثيرة

في العرس الجماعي الذي أقامته محافظة السويداء مؤخراً، غصت الصالة بالحضور.. أكثر من ألف مواطن من مختلف مناطق المحافظة جاؤوا لمشاركة العرسان فرحتهم، فلم يقتصر العرس على المقربين من أهالي العروسين، كما جرت العادة في الأعراس الفردية.. ولم تطغ أجواء البذخ والرفاهية على الموقف، كما في بعض حفلات المترفين، فكل شيء كان منظماً ومنسقاً ولكل عريس وعروسه من المشاركين حقه في الظهور والتألق.

تقول ريما، وهي إحدى المشاركات في العرس: إن الزواج الجماعي تتمثل إيجابياته في التقليل من التكاليف والتي أصبحت باهظة، واعتبرتها ظاهرة حميدة، لأنها تمثل شكلاً من أشكال المساهمة الفعالة في زواج الشباب والفتيات، وهي حل عصري لمشكلة ارتفاع نفقات الزواج الفردي، وحائط صد أمام معوقات زواج الشباب التي تحد منها غلاء المهور، وارتفاع التكاليف في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، فتكلفة مصاريف الزواج عند ذوي الدخل المحدود من أبرز المعوقات أمام الراغبين والمقبلين على الزواج في مجتمعاتنا، ومن جانبه يقول العريس معتز حمزة: إنه لا مشكلة لديه أن يعقد قرانه عبر الزفاف الجماعي، وبالطبع فاستمرارية الارتباط من عدمه، لا تتوقف على الكيفية التي يتم بها الزواج، بل تتعلق بتفاهم الطرفين في مواجهة التحديات، ويقول العريس وديع القنطار: إن حفلات العرس الجماعي لها مميزات كثيرة، في مقدمتها تخفيف تكاليف الزواج، وإتاحة الفرصة لتجمع شريحة كبيرة من أبناء المجتمع، ليرسخوا ويؤكدوا معاً قيم التعاون والتكافل في أسمى معانيها، ويقول جمال نعيم: إنه يوم واحد، والحفلات الجماعية أكثر بهجة، وفيها من الحضور ما يجعل من الحفل أمراً يستحق الاحتفال.

نقطة البداية

وتجبر الأوضاع المعيشية الصعبة والتكاليف الباهظة، التي تفرضها حفلات الزفاف بكامل أناقتها، المقبلين على الزواج على التكيف معها، خاصة مع ظهور صالات الأفراح العامة، التي أحدثت متغيرات اجتماعية ضاعفت من أسعار حفلات الزفاف، فالشاب فراس كفّ عن زيارة أصحاب صالات الأفراح، وسؤال إداراتها عن تكلفة ساعتي فرح فيها، حيث اقتنع بإكمال نصف دينه مع زمرة الذين ارتضوا العرس الجماعي، فيقول: هي ليلة واحدة، ومنها يبدأ مشوار العمر، ليس المهم كيف كانت هذه الليلة، المهم أنها كانت بداية.

تكافل اجتماعي

انتشار مظاهر العنوسة في المجتمع مصطلح، قد ينطبق على الجنسين، أي الذكور والإناث، فالتكاليف الباهظة والتي فرضتها التغيّرات العصرية، وإن كان لها صفة الشكلية أكثر مما هي متعلقة في جوهر بناء الحياة ما بعد الزواج، إلّا أنها باتت من أساسيات خطوات الزواج التي يجب على المقبل عليه حسابها بدقة، وفي كل مرحلة على حدة بشكل جعل الكثير من الشبان يعزفون عن الفكرة بانتظار انقلاب اجتماعي يختصر الكثير من الخطوات، أما في الضفة الأخرى تجلس الفتيات بانتظار أمل يشرق من جديد،  وعل انطلاق الأعراس الجماعية واحدة من الأفكار التي تشكّل الحل.

يقول حسان البحري صاحب مبادرة العرس على روح الشهيد قيصر البحري: إن حفلات الزواج الجماعي التي بدأت تنتشر في البلاد، تعتبر ظاهرة مرحّباً بها، لأنها تقلل المصاريف التي يتكبدها الشاب في سبيل تأسيس عش الزوجية، وتسهم في وقاية المجتمع من ظواهر العنوسة، وتأخر سن الزواج، والحد من المشاكل الأسرية الناجمة عن الضغوط والأعباء المالية المترتبة على تلبية متطلبات الزواج، وكذلك زيادة الوعي لدى الشباب والفتيات المقبلين على تكوين أسرة بأسلوب سليم. والظاهرة ترسّخ مفاهيم التضامن والتكافل الاجتماعي، بجانب ما يحققه الحفل الجماعي من معانٍ تجسّد الألفة والمحبة بين مختلف شرائح المجتمع المعروف عنه التسامح والتآلف في كل ميادين العمل التكافلي والخيري.

ويقول رائد حمزة أحد المنظمين للحفل: تخيلوا لو أن عدداً من المسؤولين الكبار والتجار وأصحاب رؤوس الأموال تبرعوا بمبالغ مالية لتشجيع احتفالات الشباب في المحافظات والمناطق، فما حجم المشاكل الاجتماعية التي ستحل، وما عدد البيوت التي ستفتح والشباب الذين يكونون أسراً، وينعمون بالاستقرار من خلال الأعراس الجماعية، وتعزيز الموروث.

وفي السياق نفسه يشير المنسق في مجموعة “كلنا سوا منرسم بسمة المنظمة للحفل”: إن هناك الكثير من النفقات الباهظة التي تحمّل العريس أعباء كبيرة،  منها حفلات الخطبة والزواج والولائم وأثاث المنزل وغيرها من المتطلبات، والمهور المرتفعة،  وهي جمعيها تساهم في عزوف الشباب عن الزواج، ما يتطلب ضرورة إعادة النظر في جميع التكاليف، والعمل على تقليلها بما يتناسب مع متوسط دخل الشريحة العظمى من الشباب.

وأضاف: إن المبادرة قامت بالبحث عن حلول لارتفاع أسعار حفلات الزفاف عبر تقديم حفلات الأعراس الجماعية التي وجدت إقبالاً من الشباب وأسرهم بعد أن كانت في البداية مستهجنة، وقد أعددنا نموذجاً حول إقامة حفلات الأفراح للزفاف الجماعي، وجعلناه وسيلة لعملية تقليل التكاليف، حيث يشارك عشرات العرسان والعرائس في حفل واحد، ضغطاً للنفقات، ويقول الشعار: إن الشباب المقبل على الزواج يتعرض للاستغلال من قبل مالكي صالات الأفراح، وبعض الشباب يستدين، ويرهق نفسه مادياً في مظهر يعبّر عن ثقافة استهلاكية استعراضية، لا تخلو من فجوة اجتماعية، في المقابل أن الكثير من الشباب وجد في العرس الجماعي حلاً معقولاً، وعبره تحافظ العائلة على العادات والتقاليد مبتعدة عن استغلال نفسها بنفسها.

صندوق للزواج

إن انتشار الأمراض السلوكية وسط المجتمع، والغزو الفكري  والثقافي الذي يستهدف شرائح الشباب، والذي عزز الكثير من المفاهيم والقيم الدخيلة على المجتمع، انعكست سلبياً على الكثير من العادات والتقاليد والواقع الاقتصادي فيه، ومنها تكاليف الزواج، وهنا تبرز أهمية وجود مؤسسة تُعنى بأمر الزواج، وتهدف للمساعدة في تسهيل، وتبسيط إجراءات الزواج، ونشر قيم الفضيلة والعفاف بين الشباب، وإحياء سنة التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع، ويؤسس لها صندوقاً يضم تبرعات المحسنين وأصحاب الأيادي البيضاء، حيث يساهم بإقامة حفلات زواج جماعية بشكل دوري ومنظم ومؤسساتي، وفي النهاية نقول: إن إقامة مثل هذه الأعراس هو دليل على انتصار إرادة الحياة في وجه كل التحديات التي تواجه السوريين، وتدخل الفرحة في قلوب أنهكتها جراح الحرب وآلامها.

رفعت الديك