حسابات البيدر مخيّبة لآمال الفلاح.. وبطء تسويق القمح يكشف “عورة” قرارات الجهات المعنية

حسابات البيدر مخيّبة لآمال الفلاح.. وبطء تسويق القمح يكشف “عورة” قرارات الجهات المعنية

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٧ يونيو ٢٠١٧

خيّبت الكميات المسوقة من القمح في مجال محافظة حماة كل الآمال والتطلعات، بل والرهانات التي تقول لدرجة التأكيد بأن إنتاج المحافظة المحتمل تسويقه سيصل إلى 65 ألف طن بأقل تقدير.

وفي الأسبوع الثالث من عمليات التسويق بلغت نسبة المساحات المحصودة في مجال سهل الغاب 65 بالمئة، ولا تزال  المئات  المسوقة من الإنتاج  في مجالي زراعة حماة والغاب 34 ألف طن و237 و610  كيلو غرامات حتى الحادي والعشرين من هذا الشهر، ولم تعد تفصلنا سوى أيام قليلة عن انتهاء حصاد آخر شبر متاح، وبالتالي قفل وإغلاق أبواب الصوامع ومراكز الاستلام بخيبة أمل بشّرنا بها المعنيون عن القطاع الزراعي لجهة الإنتاج الوفير، وهذا ما كنا نتمناه، وهذا دليل آخر على سوء تقديرات الإنتاج، ليس في مجال القمح فحسب، وإنما في المجالات الإنتاجية والإحصائية كافة التي تفتقر، وتفتقد إلى الدقة على أقل تقدير في التوقعات.

ولعل الانتكاسة التي أصابت مزارعي القمح في مجال محافظة حماة هذا العام جراء وجود نسبة تزيد عن الحد المسموح به من الشوائب كالشعير فضلاً عن إصابة المحصول بحشرة السونة، ما جعل المزارعين يترددون في تسليم الأقماح التي مازالت بحوزتهم، كما قال رئيس رابطة الغاب الفلاحية حافظ سالم، وهذا ما شكّل صدمة كبيرة للإنتاج والمنتجين رغم أن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك وعد في لقائه مع المعنيين بحماة بإنهاء قصة حبوب القمح، وما أصابها من خلطها بحبات الشعير، حيث أكد بأنه سيتابع القضية مع اللجنة الاقتصادية، وإيجاد الحل المناسب للمشكلة.

اجتماعات عديدة

رئيس  اتحاد فلاحي حماة الدكتور هيثم جنيد، قال: رغم كل الاجتماعات والتي تجاوز عددها  الخمسة، طرحت هذه القضية، ولم تلق الاهتمام والحل، فما الجدوى من كل اجتماعاتنا هذه لطالما ستلحق الخسائر بالمزارعين أولاً، وبالاقتصاد الوطني ثانياً؟.

هذا ما قاله المعنيون، أما ما قاله المزارعون، فكان أكثر إيلاماً، إذ قال أحدهم في رابطة الغاب الفلاحية: ماذا تفعل البذار من مؤسسة الإكثار وفيه حبات شعير تزيد عن الحد المسموح به لنقدّمه علفاً للثروة الحيوانية أسوة بمحصول الشوندر، في حين قال فلاح آخر متسائلاً: علينا أن نعتمد على أنفسنا، ولا  نشتري البذار من أحد إذا ما أردنا معاودة الكرة ثانية.

حكاية أقماح محافظة حماة، وما شابها من شوائب الشعير وحشرة السونة، أربك الإنتاج والمنتجين، ووصلت الأمور فيها لدرجة أن يباع كيلو القمح بـ32 ليرة سورية، في الوقت الذي بيعت بالمقابل كميات بـ140 ليرة سورية، لكنها لا تتعدى أصابع اليد الواحدة وفقاً للعينات التي قدّمها لنا مدير فرع الحبوب في حماة السيد عزمي باكير ليطرح السؤال نفسه، هل هناك نية مبيتة لعدم تشجيع المزارعين لمزيد من الزراعات؟.

تدني الإنتاجية والمواصفات

يقول رئيس اتحاد فلاحي حماة الدكتور هيثم جنيد: لم نتهم أحداً ولا نتجنى على أحد، فما هو بين أيدينا يوضح صحة كل ما سنقوله، فأغلب الكتل العينية الموجودة من مختلف المراكز تنحصر أسعارها ما بين ال 110 – 120 ليرة للكيلو الواحد في أحسن الأحوال، وساق مثالاً من مركز جب رمله، موضحاً بأنه من أصل تسع عشرة عينة ينحصر سعر الطن فيها بمائة ألف ليرة، هل هذا معقول؟..

ويضيف رئيس رابطة الغاب الفلاحية على ذلك بأن الإنتاجية في وحدة المساحة ليست على ما يرام فهي تتراوح بين ال300 – 275 كيلو، ويعقب عليه مدير الإنتاج النباتي في هيئة تطوير الغاب، المهندس وفيق زروف قائلاً: هناك مساحات لم تتعدّ إنتاجية الدونم فيها عن 975 كيلو، مطالباً بألا ينخفض سعر الطن من القمح التسويقي عن 120 – 124 ألف ليرة للطن الواحد، إذا ما أردنا تشجيع المزارعين وتحفيزهم نحو المزيد من الزراعات.

ولعل ما قاله لنا سائق السيارة التي أقلتنا في مشوارنا بسهل الغاب كان مختصراً مفيداً حين أشار إلى وجود كميات كبيرة من الأقماح في المنازل ينتظر الفلاحون الخيط الأبيض من الخيط الأسود لتسويقها لمؤسسة الحبوب من عدمها جراء هذا التصنيف القاسي من قبل مؤسسة الحبوب.

مدير فرع الحبوب بحماة عزمي باكير قال : لقد تم تحديد سعر الدرجة الأولى ب140 ألف ليرة للطن الواحد و138 ألف ليرة للطن من الدرجة الثانية و137 ألف ليرة للطن من الدرجة الثالثة، أما باقي الدرجات /فيخل/ في قياسها العديد من الأمور الأخرى كالتفحم والقمح المزيون والمتلون بفعل سوء التخزين، وكذلك الثقل النوعي، كل هذه العوامل تدخل في تحديد درجات القمح ووفقاً لذلك يتم تحديد سعر الطن.

 

التسعير المناسب

يقول المهندس غازي العزي مدير عام الهيئة العامة لتطوير الغاب، من الآخر إذا ما أردنا تحسين واقع  القمح والدفع بالمزارعين لزراعته فقط علينا وضع التسعيرة المناسبة والمغرية للمزارعين، وبغير ذلك ستؤول الأمور نحو الأسوأ.

وأضاف بأن الخطة التي كانت مقررة لزراعة القمح في مجال هيئة تطوير الغاب هي 55 ألف هكتار، المساحة المنفذة فعلياً هي 42 ألف هكتار منها 31 ألفاً في المناطق الآمنة.

في حين قال مدير زراعة حماة المهندس عبد المنعم الصباغ: إن الخطة التي تمت زراعتها بالقمح في مجال المديرية هي 22 ألف هتكار وبعملية حسابية تكون إجمالي المساحة المزروعة في مجال محافظة حماة هي 64 ألف هكتار، حاجتها من البذار وفقاً لتقديرات عضو المكتب التنفيذي لقطاع الزراعة المهندس رفيق عاقل هي 18800 طن، قام فرع إكثار حماة بتزويد المزارعين منها بسبعة آلاف طن، والباقي هو من البذار المخزن لدى المزارعين وفقاً لذلك.

اللغز ومراكز الاستلام

في قراءتنا المتأنية للعينات المأخوذة من مختلف مراكز استلام القمح، والتي زودنا بها مدير حبوب حماة، يكشف التباين الواضح بين مركز وآخر لجهة درجات التصنيف، وأسوأ ذلك في مركزي جب رمله، وكفر بهم وفقاً  لـ 209 عينة، ففي مركز سلحب لاحظنا وجود ثلاث عينات منخفضة، في حين تأثر مركز السقيلبية بوجود حبات الشعير  10 بالمئة زيادة عن الحد المسموح به، فضلاً عن وجود إصابات بحشرة السونة.

في معرض رده على رداءة بذار القمح الذي تم توزيعه من قبل فرع إكثار بذار حماة، قال المهندس موفق العبود: لما كان البذار المتعاقد عليه مع المزارعين في المناطق الآمنة غير كاف، كان القرار نحو التوجه لشراء الحبوب من مختلف المناطق الأخرى، مشيراً إلى احتمالية الوقوع بالعجز العام القادم لجهة توفير البذار إن لم يكن لدينا متعاقدون جدد، مع الإشارة إلى أننا تسوقنا حتى العشرين من هذا الشهر 1000 طن من البذار الإكثاري.

 

حديث أوجاع

مدير عام هيئة تطوير الغاب قال: إن ما يجري من إشكالية لمحاصيلنا الزراعية مؤسف، وسيؤثر كثيراً على الاقتصاد الوطني، والأمن الغذائي، وستكون له تبعات غير مطمئنة لجهة الخطط المستقبلية في زراعة القمح، المحصول الاستراتيجي الأول، حاله كحال محصولي الشوندر السكري، والقطن اللذين خرجا من اهتمام المزارعين، وما لم يكن وضعهما كوضع محصول التبغ، فلن يعودا إلى الواجهة مجدداً.

بينما قال رئيس اتحاد الفلاحين: إن مسؤولية ما جرى ويجري لمحاصيلنا الزراعية يقع على عاتق المؤسسات الحكومية: الإكثار، والحبوب، وغيرهما، لا تشجيع، لا اهتمام، لا تأمين مستلزمات في الوقت المناسب، كل ذلك يسهم في التخلي عن القطاع الزراعي تدريجياً أو سريعاً، مقارناً بين سعر كيلو التبن الذي يباع بحوالي المئة ليرة هذه الأيام، وكيلو القمح بأقل من ذلك، فالخاسر الوحيد من كل ما يجري لجهة تسويق الحبوب بخاصة، والقطاع الزراعي بعامة، هو الاقتصاد الوطني، وكل الاجتماعات التي تعقد لهذا الوضع لا تقدم ولا تؤخر صراحة!.

مذكرات

كل المذكرات التي سبق للجهات المعنية بحماة ورفعتها إلى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لجهة إعادة النظر بواقع حبوب حماة لم يعتد بها حتى صباح يوم الثلاثاء، ما يعني أنها أمست في خبر كان، ولم يعد يفصلنا عن انتهاء عمليات التسويق أكثر من عشرة أيام، وهذا ما أجبر مدير فرع الحبوب بحماة على أن يعاود النقل والترحيل، أي توصيف الحالة كما هي طالما لا جديد في درجات الأسعار، وما نقرؤه يومياً من تصريحات عن كميات الحبوب المسوقة حتى الآن، نلاحظ بأن الحصة الكبيرة من سهل الغاب لا تشي بأن حساب الحقل الذي بشرنا به المتنبئ الزراعي قبل أشهر من الآن سيتطابق مع حساب البيدر إنتاجاً، ونخشى من دخول التجار على الخط لشراء الكميات المخزنة لدى المزارعين حتى الآن، وما أصعب الآمال إن كانت صعبة المنال!.

 

محمد فرحة